ما الإنسان إلا مجموعة من الحوادث و المواقف و الأفكار، تتغير وتتسارع وتخطف أنفاسه بسرعتها وتجدد صورها، فلا يدرك حقيقة نفسه وسط هذا الكم الهائل من المستجدات و التحليلات المتناقضة إلى حد الجنون ، فيجد نفسه يغني " أنا نفسي تاهت مني "، أو يرفع الرايات بجميع ألوانها طلبا لنجدة تحفظ عليه إنسانيته وتقدر ضعفه البشري وسط أمواج تسونامي التي تتقاذفه ، فتراه كراكب سفينة أضاع بوصلة طريقه وتخلى عن رفاق دربه بحثا عن نجاة فردية تكرس أنانيته وجهله بأهمية الآخر في حياته تارة يؤمن بالعلمانية و الحداثة وبنهاية الإنسان و كل المفاهيم التي يصعب عليه التمييز بينها ، وتارة أخرى تجده متمسكا بتراثه رافضا الإختلاف ومذاهبه وكأنه يعاني من رهاب كل جديد . ذاكا المسكين تجده يفر من كل القيم المرجعية التي تؤطره و تميز هويته وشخصه ككائن أخلاقي أولا كما يعبر عن ذلك فيلسوف المغرب طه عبد الرحمان ، ورغم كل هذا يظهر وسط كل هذه العتمة و الظلمة ذاك الإنسان الوجداني ، الذي يؤمن بأن استجابته لفطرته فيها الخلاص و الفلاح ، فيقاوم رغم استراحته الطويلة وكسله المديد كل أشكال التضبيع و التمييع و الإستلاب ، وينطلق كطفل صغير بخطوات غير ثابتة و أحيانا خائفة مرتعدة من ظلم من استقوى و تجبر و تسلط على البشر . الإنسان فعلا جرم صغير وسط هذا الكون المبهر بتفاصيله الدقيقة ، لكن بداخل كل منا قوة وإرادة و رغبة نحو الحياة و التمسك بها رغم كل المأسي التي نشاهدها يوميا ، نحتاج فقط أن نستيقظ من سبات المادة و هوس التكنلوجيا الإتباع و التقليد الأعمى ، وأن ندمن السؤال و التأمل ، وأن نخبر من حولنا أن الإنسان فينا ما يزالا حيا وأن مهما حاولوا طمس ملامحه وأنواره فستفشل مآمراتهم الجماعية . ولنعد لسيرة من قادوا العالم ، سنجد أن الإيمان بالذات كان قويا دون غرور أو عجرفة ، وتحكيم العقل كان حاضرا دون خرافات أو تشكيك غير مبرر ، ولم ينجح أي منهم دون وجود رسالة واضحة بحياته ، وهذا ما جعل القليل يتقدم ، أما الكثير فقد احترف العوالم الإفتراضية ، فغدا نجم هولاميا ضخمته عدد جيمات المعجبين ، و أخر اتخذ من مشاركة الأخبار و الفضائح و الكوارث مهنة يشرعن به تواجده ، وأشكال أخرى تصر بشكل لا واعي على تأخير مجتمعاتنا . لابد أن نقف مع تعاقب الأيام و السنوات ونسائل أنفسنا ، ما الذي قدمناه لنا ولأمتنا ، ولنا في شهر رمضان المقبل فرصة ومناسبة لإعادة تأمل دواتنا في علاقتها مع الله و الكون و الناس أجمعين .