منذ أن طفا اسم إلياس العماري، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة إلى السطح، وكثر الحديث والقيل والقال عن نفوذه وقوته وقدراته الخارقة إلى درجة صوره أحد الكاريكاتوريين متغزلا به على صورة "السوبرمان" يحمل الجرار، -منذ ذلك الوقت- طرح عديدون سؤال من يكون "هاد الإلياس العماري كاع فالملك ديال الله؟"، وقد كنت أحد طارحي هذا السؤال والباحثين له عن جواب، وصلت لعدة استنتاجات وتلقيت خلاصات وأجوبة كثيرة، إحداها من أحد كبار المفكرين المغاربة، حيث قال بالحرف "إنه رجل يجيد السباحة في الواد الحار"، وهي إحالة على مسار العماري قبل الخروج للعمل السياسي المباشر "باش يتبرونزا تحت أشعة الشمس" كما عبر ابن كيران، وإن كان ليس هناك ما يؤكد اليوم أن العماري قطع مع الأساليب القديمة، أو حتى من يقدم رواية أخرى حول مساره غير ما يردده ويكشف عنه كل مرة بغير كثير من التماسك. الجواب الثاني، وهو موضوع التدليل والبرهنة في هذا المقال، تلقيته من أحد كبار المحللين السياسيين الذين عاصرو العماري بل يصف بعضهما البعض بالأصدقاء، حيث قال لي "إن إلياس العماري رجل يكذب بقدر ما يتنفس"، وقدم على هذا الموضوع بدل الدليل عشرة، -ولعل ذلك من صلب العمل السياسي على الطريقة المغربية، أو كما يفهمها البعض" ترددت في الكتابة عن الموضوع حينها، لكن الحوار الأخير الذي أجراه نادي "ليكونوميست" مع الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة إلياس العماري الإثنين 25 أبريل 2016، والذي نشرته جريدة "الصباح" في عددها 4986 الخميس 28 أبريل 2016، حيث وقفت على أكثر من "كذبة" وتناقض للسيد العماري وبعضها موثق بالصوت والصورة، جعلني أقرر العودة للموضوع، من زاوية سؤال الأخلاق والسياسة عند حزب "الأصالة" وخاصة أمينه العام. "الكذبة" الأولى: قال العماري في جريدة "الصباح" ما يلي: "سأقول لكم قولا يكشف عنه النقاب لأول مرة، فقد اتخذ قرار بأن لا يحصل "البام" على الرتبة الأولى"، ويقصد انتخابات 25 نونبر 2011. ولعلكم تتذكرون أن صاحبنا قال القول نفسه في لقائه مع مجموعة "ميد راديو" لصاحبها أحمد الشرعي حيث حاوره الزميل رضوان الرمضاني بداية شهر مارس 2016. والحدث ما يزال موثق بالصوت والصورة. "الكذبة" الثانية: قال صاحبنا الذي سألوه بعدما نسي "يمكن أن أقول لكم إنه في اليوم الذي سأكون مجبرا على إخفاء قناعتي والتنكر لمبادئي وأستعمل التقية لن أتردد في اعتزال السياسة"، ولعلكم أيضا تذكرون ما صرح به صاحبنا في لقائه مع الزميل رشيد البلغيتي في برنامج "نصف ساعة" قبل أن يغادر "هسبريس" شهر فبراير من العام 2013، حيث أخبره والحدث موثق بالصوت والصورة أيضا أن التقية عنده كانت منهجا، عندما ذكر له أنه كان يصلي بالناس في المسجد وكان يحمل اسم أسامة كاسم مستعار. "الكذبة" الثالثة: وهذه أفظع لأنها تهم الكذب على سبعة أحزاب كانت قد تحالفت بقيادة إلياس العماري قبل الانتخابات التشريعية الماضية فيما عرف بتحالف "جي8"، تتذكرون ما أعلن حينها من أهداف لذلك التحالف خاصة من طرف "البام" الذي كان العماري أمينه العام الفعلي، فضلا عن كونه رئيسا للجنة الوطنية للانتخابات وربيبه في "الأحرار" مزوار، اليوم خرج علينا إلياس و"بوجهو حمر" ليقول لنا إن كل حكاية "جي8" إنما كان غرضها الجواب عن أزمة تصريف قرار داخلي لحزب الأصالة والمعاصرة بعدما قيل إنها تعليمات أعطيت للشيخ محمد بيد الله آنذاك تقضي بعدم تصدر انتخابات 2011. "الكذبة" الرابعة: تتذكرون واقعة إعلان وزارة خارجية الباراغواي، سحب اعترافها بالجمهورية الصحراوية المزعومة، حيث بادر العماري بزيارته المعلومة والتقى بشخصيات من البرلمان والخارجية، وقد أصدر "البام" حينها بلاغا يقول فيه إن سحب الباراغواي للاعتراف جاء بفضل جهود العماري، بعد ذلك سيخرج وزير الخارجية السابق سعد الدين العثماني ليؤكد أن خطوة الإعلان سبقها جهد دبلوماسي رسمي منه لقاء سعد الدين بمسؤولي الباراغواي في إحدى القمم الإفريقية، فما كان من صاحبنا إلا القيام بالزيارة ونسب كل الفضل في ذلك له، لكن العديد من الوثائق التي كشف عنها فيما بعد ستفضح ذلك، وهو الأمر نفسه الذي تم في واقعة زيارة باب برد بإقليم شفشفاون لحظة قيام مصالح الدولة بفك العزلة عليه جراء الثلوج التي حاصرته. هو شريط من الوقائع قفز إلى الذهن لحظة قراءة حوار العماري على جريدة عبد المنعم دلمي، وهي وقائع تعيد بقوة سؤال تخليق الحياة السياسية ومدى أهمية الصدق والمصداقية كرأس مال في العمل السياسي، وهنا أستحضر مقال الزميل في "الأحداث المغربية" يونس دافقير "عطب الأخلاق في السلوك السياسي ل"البام"، والذي تناول فيه أحد جوانب هذه الأزمة، طبعا هنا لا يمكن إغفال سياق خروج "البام" للوجود والخطاب التأسيسي لفؤاد علي الهمة والذي حدد منذ ذلك اليوم وحتى الساعة مسار هذا الحزب ومختلف وظائفه المعلنة والخفية والتي منها "مواجهة الإسلاميين وتحديدا العدالة والتنمية، وهو ما عبر عنه فؤاد في خرجته المعلومة على قناتهم "دوزيم"، وهو الخطاب نفسه الذي افتتح به العماري خطابه بعد واقعة بوزنيقة التي عرفت أسرع عملية انتخاب أمين للحزب في العالم، حيث تم الإعلان عنه مرشحا وحيدا ومبايعته بالتصفيق وإعلانه أمينا عاما من قبل المنصوري فاطمة الزهراء في 20 ثانية. ضمن سياق أزمة الأخلاق في السلوك السياسي لحزب "البام" يمكن استحضار بدل المثال عشرة، فهو حزب لا عهد له ويمكنك استحضار تجربة "جي8" وكيف انفرط عقدها، كما يمكن العودة لانتخابات 04 شتنبر 2015 وتتبع الانقلابات التي وقعت وكيف خدع "البام" حزبي الاستقلال والاتحاد، وأخطرها واقعة مجلس المستشارين التي رغم الاتفاق المسبق بين مكونات المعارضة أن تؤول الرئاسة لحزب الاستقلال، إلا أن ما حدث هو أن "البام" سطا على الرئاسة هازما الجميع أغلبية ومعارضة، بل هزم حتى الديمقراطية نفسها وضرب بكل مقوماتها وفلسفتها عرض الحائط، لذلك كتب حسن طارق حينها أن رئاسة "البام" للمستشارين صعود للعزلة والهاوية. رغم كل ذلك، هل تتعظ ما تسمى بأحزاب المعارضة مما سبق، أم أنها ستلدغ من الجحر نفسه مرة أخرى؟ أما حزب الحمامة فهو مستعد للدغ بدل المرة عشرة، ولعل الانتخابات القادمة وخاصة معركة الأعيان واستقطابهم ستكشف مفاجآت أخرى على هذا المستوى. أختم هذا المقال بحوار أجرته جريدة العدالة والتنمية قبل 2010 حينما صرح إدريس لشكر بالقول: "إن حزب الجرار قادم وسيلتهمنا جميعا"، فما الذي تغير حتى أصبح حزب عبد الرحيم بوعبيد وبنبركة ينتقل لمقر الجرار في طريق زعير لبحث تنسيق مع العماري؟