يتعذر على المواطن المغربي المتتبع للشأن الرياضي الوطني أن يصدق أو يقتنع بتلك القُصاصة الطريفة التي تفيد بأن المسؤولين المغاربة طالبوا بتأجيل تنظيم المغرب لكأس إفريقيا لكرة القدم المقرر شهر يناير وفبراير المقبلين إلى وقت لاحق بدافع الخوف والقلق على صحة المواطنين من مرض الإيبولا الفتاك الذي ظهر بدول غرب إفريقيا، وذلك على اعتبار أن تنظيم هذه التظاهرة الرياضية في هذا التوقيت بالذات سيجلب معه تدفق الجماهير الإفريقية إلى أرض الوطن مما سيصعب على السلطات المغربية مراقبة تسلل هذا الداء المخيف عبر المنافذ الحدودية. من هنا يُثار السؤال التالي: متى كان الأمن الصحي للمغاربة يندرج يوما ضمن الاهتمامات الأولوية لمخططات المسؤولين والحكام وخاصة ذوو السلطة والنفوذ ! يكفينا إلقاء مجرد نظرة تأمل سريعة على الوضع الاجتماعي والصحي الذي يتخبط فيه عموم الشعب المغربي لاستنباط بعض الحقائق، من خلال ما يلي: - كيف يخشى المسؤولون على صحة السكان المغاربة والأجانب، فيحين أن المستشفيات الجامعية والإقليمية وكذا مستوصفات الأحياء شبيهة بمطارح النفايات من قلة النظافة وغياب التجهيزات..؟ - كيف يخشى المسؤولون عندنا على صحة السكان وهم يتركون المصحات الخاصة تمتص دماء المغاربة وتستنزف جيبوهم بلا حسيب ولا رقيب..؟ - كيف يخشى المسؤولون على صحة السكان المغاربة دون تمييز في الوقت الذي لا تزال فيه مناطق في عمق المغرب الجغرافي تعاني من الخصاص الكارثي على مستوى المرافق الصحية والموارد البشرية الطبية المؤهلة..؟ كما أنه وعلى أساس أن قطاع الصحة هو ثالث قطاع يحظى بالحصة الأوفر من ميزانية الدولة السنوية بعد قطاعي التعليم والداخلية، كيف يتم صرف وتدبير هذه الملايير من الدراهم التي تخصص لوزارة الصحة في إطار قانون المالية السنوي دون انعكاسها بشكل ملموس على تحسين وتجويد النظام الصحي بالمغرب..؟ هي إذن مجموعة من التساؤلات اللامتناهية استدعتها هذه الضرورة لطرحها والتي تظل بالنظر إلى الواقع الذي يُعبر عن نفسه غنية عن عرض أية أجوبة زائدة. ليست هناك جزما أية دوافع في طلب المغرب لتأجيل تنظيم كأس إفريقيا لكرة القدم مردها خوف أو قلق من لدن المسؤولين على صحة الشعب المغربي وحرصه على سلامته، كل ما في الأمر أنه وإن حدث وتم تنظيم هذه المناسبة الرياضية في موعدها الأصلي وتم على إثرها التسجيل والإعلان عن أن المغرب أصبح من بين البلدان التي تتواجد داخل ترابها حالات لمصابين بفيروس الإيبولا، سيؤثر الأمر بذلك لا محالة على قطاع السياحة لاحقا، ويصير بذلك المغرب متضررا لا مستفيدا. هذا من جهة، ومن جهة أخرى ربما يكون طلب المغرب بتأجيل تنظيم هذه الدورة مجرد التفاف ومناورة من طرف أصحاب القرار على اعتبار أن المغرب يستعد الآن لاقتناء اللقاحات المضادة لفيروس الإيبولا التي تعكف الشركات العالمية -الأمريكية والأوروبية- حاليا على تطوريها وإنتاجها ومن تم إجبار الدول المتخلفة على شرائها، مما استدعى الأمر إلى استباق التطورات وإبعاد شبهة صفقات البيع والشراء التي ستتم في المستقبل القريب بين الحكومة المغربية وبين الشركات الأجنبية برعاية من منظمة الصحة العالمية. في نفس السياق، رغم تصريح وزير الشباب والرياضة المغربي بأن إصرار المغرب على تأجيل تنظيم دورة كأس إفريقيا 2015 بات يعد قرارا سياديا وأن صحة المغاربة حسب زعمه داخل البرلمان هي أكبر رأسمال لا يمكن المجازفة به، إلا أنه ليس من المستبعد أن يكون وراء التصريحات والمزاعم الحكومية هاته دوافع لحملة انتخابية سابقة لأوانها، حيث قد نصطدم برئيس الحكومة يوما إثر الانتخابات الجماعية 2015 والتشريعية 2016 يقول ويصرح عبر خطاباته الهلامية المعهودة بأن الحكومة حرصت على حماية صحة الشعب المغربي وسهرت على أمنه وراحته بدليل أن الدولة اتخذت قرارا شجاعا بتأجيل كأس إفريقيا على الرغم بما ارتبطت به في هذا الإطار من التزامات. حتى وإن سلمنا بفرضية اهتمام المسؤولين المغاربة بصحة المواطنين وخوفهم عليها، لا يمنعنا ما سبق ذكره أن نقول أن الاتحاد الإفريقي لكرة القدم الذي يرأسه الكاميروني عيسى حياتو، قد تعامل في قراره الأخير برفض طلب المغرب بتأجيل تنظيم نسخة كأس إفريقيا 2015، تعامل مع القضية برجعية وتبلد، كون أن الخيار الذي طرحه المغرب بتأجيل تنظيم هذه النسخة من الكأس إلى شهر يونيو من العام المقبل عوض شهر يناير لهو البديل الموضوعي والأنسب والأقرب إلى الصواب في الوقت الراهن، ولربما كان سيرضي هذا الحل جميع الأطراف. فما الداعي إذن إلى تصلب الاتحاد الإفريقي لكرة القدم برفض طلب المغرب. في انتظار قرار الحسم النهائي المرتقب صدروه خلال الأيام القليلة المقبلة من قِبل المغرب، تبقى الكرة التي صوبها الاتحاد الإفريقي نحو الملعب المغربي عالقة، لنرى كيف ستتعامل الجامعة المغربية لكرة القدم بمعية الوزارة الوصية مع هذه النازلة، ثم نستخلص حينها ما صاحبته القضية من حمولات ودلالات وتبريرات.