مدينة ملفات الحوادث الوهمية والفواتير المزورة وفضائح التجزئات السكنية واقتصاد الريع، الذي حول شخصيات بالمدينة إلى مشاهير، تتناقض مع صورة مدينة المركزيات النقابية والشخصيات السياسية، وبين الصورتين تاريخ من التراجعات، لم تظهر منه عند انفجار الأحداث سوى صورة الفوسفاط ومؤسساته، وعند الاستقصاء تظهر القصة كاملة.لم تفض الكأس سوى بقطرة احتجاجات عمال ومعطلين، لكنها امتلأت لسنوات طويلة بشريط من الفساد في التدبير، ومن تواطؤات يعرفها الخريبكيون جيدا، واتهامات سمعها المجلس الوطني لحقوق الإنسان ووزارة الداخلية، فيها ما يكفي لمراجعة جذرية لتدبير مدن إنتفض شبانها وعمالها ت وقطعوا ممرات السكك الحديدية، ليقولوا بالواضح. هناك فساد يجب إسقاطه. قصة العنف الذي عاشته عدة مدن فوسفاطية، بدأت شرارته بمدينة خريبكة، حرائق بالجملة ومواجهات دموية، ودخان كثيف علا وجه المدينة، حينها تساءل الأهالي هناك باستغراب. ما الذي وقع؟ بل إن المخزن المسؤول الأول عن هذا كله ! وبعدها بدأ بتلفيق التهم لأي كان ولم يستثني أطفال عمرهم 15 سنة . وحين استهدف المحتجون أماكن ترمز لمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، بدأ خيط ما حدث يقنع الملاحظين، بأن الأمر يتعلق بكل بساطة، بأهم مؤسسة اقتصادية بالبلاد، وضعت في مواجهة سكان مناطق تستخرج من باطن أرض بلادهم، خيرات لا يستفيدون منها، يرون الغريب في مناجمها، ويأسفون لجلوس أبنائهم في المقاهي ودروب الأحياء، عاطلين يتجرعون عنف العطالة. قصة الفوسفاط في خريبكة للفوسفاط في البلاد حكايات وطنية ومحلية، في الأولى ردد المغاربة لسنين طويلة، كلاما منسوبا للشهيد المهدي بنبركة، مفاده أن المغاربة كان من حقهم الحصول على 10 دراهم في الستينيات، نصيبهم من عائدات الفوسفاط، يعبر بعضها عن مطالب اجتماعية، تنحى للتعبير عن مشروعيتها، بالاستناد إلى ما في البلاد من خيرات، تحتاج لعدالة في توزيع الثروة، وتمكين الفقراء والكادحين من العيش الكريم، وظلوا يرددون هذا المطلب حتى تحول إلى عنوان عريض للاحتجاج في كل مكان وزمان. زمن «موسيو لافون» العدد الإجمالي لساكنة خريبكة يقترب من 600 ألف نسمة، يوجد بمدينة خريبكة منه حوالي 200 ألف، وتتشكل المدينة على مستوى التقطيع الترابي من خمس بلديات و29 جماعة قروية، وتشتهر المدينة بنزوع شبابها نحو الهجرة إلى أوروبا، حيث تشكل نسبة المهاجرين بها حوالي 60 ألف مهاجر، خصوصا بالديار الإيطالية. والذين عاشوا تاريخهم بالمدينة، يتذكرون الصورة الجميلة لها، حيث كانت العديد من المرافق التي كان المكتب الشريف للفوسفاط يرعاها، تمتد من الخدمات الأساسية إلى مجالات الترفيه والثقافة والرياضة العارفون بتاريخ هذه المدينة يتذكرون المعمر الفرنسي موسيو لافون، الذي كان يعشق المدينة، وكانت أنشطته ومساهمته في تنظيم وتطوير المدينة معروفة، والذين يروون ما كان يفكر فيه، يتمنون لو أن المدينة عاشت على رؤية هذا الرجل. ولأن المدينة رفعت من سقف معيشتها، وجد العديد من أبناء المنطقة، أنفسهم في منافسة «تحمار وجه العائلة»، فحتى الذين لم يتوفقوا في ولوج مدارس عليا للتعليم، أو انقطعوا عن الدراسة لظروف ما، فتحت في وجههم حركية غير عادية للهجرة، وتشكلت شبكات عائلية ل«جر» أبناء العائلة نحو الطاليان بالخصوص. ولأن زمن الهجرة قد مر هو الآخر بفترة ذهبية، فقد تنافست العائلات في التباهي بأبنائها، الذين يعودون كل عطلة صيفية، بادخار، يسمح بنقل العائلة نحو مستوى معيشي مميز، يبدأ بتغيير الدار إلى إحداث مشاريع تجارية، فنشط قطاع البناء، وتوسع النشاط التجاري، وخلدت أغاني المجموعات الشعبية، حكايات نجاح و،إخفاق البعض، في قصص مدينة حبلى بالتنويع. المدينة تغير من جلدها الدنيا غدارة… حتى حاجة ما دايمة… مقولات تعكس إحساس الأهالي، بأن الزمن الذهبي للمدينة آخذ في التواري، ومن علامات هذا اليتم المتدرج، تراجع دور المكتب الشريف للفوسفاط، عن تحمل أعباء مدينة بسخاء. ففي الوقت الذي كان المكتب يكنس شوارع المدينة، تقريبا من مدخل «دير ما كتدير لجارك»، تحولت حساباته بعد تراجع قوته، بفعل تغير الظروف الاقتصادية، وخصوصا التغير العميق الذي عرفه هذا القطاع الاستراتيجي على الصعيد العالمي، فقد غدا وضع الذهب الأبيض يخيف، مع توالي التغيرات على المستوى العالمي، ولم تسلم المؤسسة العملاقة من هذه الرياح، وبدأ الحديث عن إعادة هيكلة المكتب بطرق حديثة، كان من نتائجها المباشرة إعادة النظر في مجموعة من الوظائف التي ظل المكتب يقوم بها لسنوات. ذهب الزمن الذي كان فيه المدير العام للمكتب الشريف للفوسفاط، تساوي مصداقيته المالية، مصداقية البلد بكامله، وبدا للعديدين أن المدينة والمكتب نفسه لم يحسب تغيرات الزمان، بدأ الحديث عن الأزمة، وتسربت معطيات تتحدث عن سوء تدبير طال سنوات ممتدة. عناوين عريضة ظلت في باب المسكوت عنه، من قبيل الثقب الأسود بالمكتب الشريف للفوسفاط، وحكايات المدراء الذين تعاقبوا على تدبير المكتب، وانطلقت الحكايات الموغلة في وصف زمن التبدير، وتشكل جوا من الشك حول دور المكتب في الاقتصاد الوطني. الخاتمة التي انتهت إليها هذه الطبخات، هو انتقال المكتب إلى مجمع، يضم شركات، بدأت تستل أرجلها من صفة القطاع العام، ليبدأ الحديث عن الخوصصة بشكل محتشم، ومن الطبيعي، حسب اقتصاديين، أن يرافق كل ذلك تغيير في الأدوار والأولويات بالنسبة للمجمع. الحد من فوضى التوظيفات، التزام المجمع بالقانون في التدخل المالي، بالمناطق التي يستخرج منها الفوسفاط، الابتعاد عن إقحام المجمع في أدوار تثقل كاهله، وعدم تنوير الرأي العام المحلي، بحقيقة هذا المسير، جعل النظرة إلى المكتب تتوزع بين فورة داخلية، وامتعاض من المدن الفوسفاطية، التي تراكم فيها وعاء العاطلين، وبدا أن لغة الزبونية في التوظيف، وتشريد العمال تتسلل للصراعات النقابية، واختلط الحابل بالنابل، لتكون قمة هذا الالتباس في استهداف رموز المكتب في الاحتجاجات الأخيرة، بكل من خريبكة واد زم واليوسفية، وتم إحراق بعضها، كدليل على هذا الشحن التاريخي. خميرة التدبير المحلي تنضج اليأس منذ سنوات عاشت بلدية خريبكة صراعات مريرة، تلونت الأطراف المتخاصمة وتعددت الجبهات، وتغيرت المواقع، لكن ما ظل مؤكدا هو أن شؤون هذه البلدية كانت معطلة، وفقدت المدينة رونقا تشكل في سنوات محددة، تحولت فيها المدينة إلى فضاء مقبول سواء على مستوى نظافتها أو على مستوى بنياتها الأساسية. في كثير من الدورات تحسر السكان على الوضع الذي آلت إليه المدينة، وفي كل مرة كانت الاتهامات تتصاعد، لكن في كل مرة ينتهي ذلك الصراخ بين جدران البلدية، فيما تتناسل الأحاديث عن أشخاص، يسيرون شؤون المدينة ويتحكمون في مصيرها من الخارج، كثر الحديث عن ثروات تراكمت لدى البعض، وتحول جزء كبير من المسؤولين بخريبكة إلى سكان دائمين بالمدن الكبرى وخصوصا الدارالبيضاء، يتحركون في كل المناسبات باعتبارهم أعيان المدينة. حين وصلت الملفات الخاصة بالجماعة إلى القضاء، ظهرت ثقوب كبيرة في مجال التدبير، قد يؤولها البعض أخطاء في التدبير، وقد يعتبرها البعض سوء في التنسيق بين السلطات، ولكن الحقيقة الساطعة هي أن المال العام ضاع في هذه المتاهات، ما حدث في خريبكة هو أن المجلس الأعلى للحسابات وصل أخيرا إلى قناعة اتهم فيها مسؤولين بالجماعة بتزوير وثائق لاختلاس المال العام، والعينة المتهمة تبدأ من مؤسسة رئيس الجماعة إلى نوابه والموظفين المسؤولين عن الصفقات، والعينة التي تشغل الرأي المحلي بالمدينة تتوزع بين صفقات لا وجود لها في أرض الواقع، فيها اعترافات وتبادل الاتهامات بالمسؤولية، تصل إلى أعلى هرم في السلطة المحلية، وبين ثنايا الاتهام والدفاع عن النفس تظهر حقيقة الارتجال في التعامل مع المال العام. القراأت المتداولة للملف بالمدينة، موزعة بين الدعوة إلى الذهاب بالتحقيق إلى أبعد مدى لكشف كل المتورطين في الفساد، ومنهم من يعتبر أن المسألة فيها تهويل على اعتبار أن الأمر قد يتعلق في أقصى تقدير بسوء تسيير لا يرقى إلى المستوى الجنائي، ومنهم من يعتبر أن شكل المحاكمة لا يتناسب مع حجم الأضرار التي لحقت بالمدينة، وأن ما ظهر من الملفات لا يكشف وجه الفساد الحقيقي الذي عمر بالمدينة لسنين طويلة. فهل ستظهر مفاجآت تكذب إحساس المتشائمين؟. ملفات ضخمة طرحت في المجالس التي شهدت صراعات، واتهامات خطيرة ظلت تتردد، وفي كل مرة كان المطلب هو التحقق مما يقال، لكن لسنوات ظلت الطبخة داخلية، يتحدث البعض عن توافقات لإبقاء الصراع، ليظل واقع انتعاش مسؤولين من الغنيمة التي تراكمت لدى المسؤولين بالبلدية مستمرا، وتراكمت الملفات العالقة بالمدينة، بدء من تعطيل بنيات أساسية بالمدينة كالمنطقة الصناعية التي أقبرت، والمشاريع الكبرى التي تعطلت، ومرورا بملف التعمير الذي تحول إلى بقرة حلوب، وانتهاء بتكتل لوبيات تحكمت في رقبة المدينة، بدء من اقتصاد الريع مرورا بالعقار، وانتهاء بالخدمات. مواجهات دامية تعري المستور في صبيحة استيقظت مدينة خريبكة على وقع مواجهات عنيفة بين مجموعة من المحتجين وقوات الأمن، واستفاقت أيضا على أسئلة عريضة ظلت مكتومة، تهم واقع المدينة، حينها حاولت تفسيرات عديدة ضبط ما جرى، هناك من اكتفى بوصف ماحدث، وهناك من حاول سرد معطيات تتعلق بالنواة الصغيرة للمحتجين الذين رابضوا بمكان الاحتجاج لشهور، قبل أن تقدم السلطة على فضهم في فجر ذلك الصباح، وحين اتضح أن حجم المواجهات كبير، بدأ البعض في البحث عن كبش فداء لما حدث. صحيح أن ما حدث لعبت فيه أطراف منسابة على الحادث، وصحيح أن الأجواء التي كان المغرب في قلبها، كانت تقدم معطيات ومؤشرات على دخول أطراف على الخط، لجمع الحطب من كل صوب وحذب لجعل نار كل احتجاج واضحة فوق علم 20 فبراير، لكن الذين عاشوا جزء من تاريخ المدينة قدموا تفسيرات مسؤولة وروايات موثقة للجمر الذي كان تحت الرماد. قبل أن تندلع سلسلة المواجهات، كانت المدينة قد عاشت مخاضا وترقبا لملفات عديدة، تبدأ من فضائح المجلس البلدي التي مازالت معروضة على القضاء، ومرورا باحتجاجات مجموعة من الوداديات السكنية، ودور الصفيح، مرورا بفضائح تتعلق بشبكة الحوادث الوهمية، التي نقلت الاحتجاج إلى قلب المحكمة، مرورا بحوادث إحراق مكاتب التأمين، وسرقة مكاتب بالمحكمة، مما خلق جوا مشحونا، وحين زارت الجريدة المدينة حينها، بدا أن المدينة تعيش فعلا على صفيح ساخن. بعدها ستبدأ حمم هذا الغليان بالظهور، ففي يوم الثلاثاء 15 مارس 2011، نظمت مجموعة من المحتجين بمدينة خريبكة، اعتصاما للمطالبة بالشغل، تحول إلى أعمال شغب وتخريب»، السلطات المحلية بالمدينة قالت حينها «إن السلطات المحلية فتحت حوارا مع المحتجين لمناقشة مطالبهم، حيث تم تسجيلهم على أساس اختيارهم وفق معايير موضوعية وقانونية محددة». وفي يوم الجمعة 13 ماي سائقون، حراس وبستانيون ومنظفون، ينظمون وقفة احتجاجية للمطالبة بإدماجهم وترسيمهم داخل الشركة، التحق بها أعضاء جمعية المعطلين حاملي الشهادات بخريبكة، حيث ساروا في مسيرة انتهت باحتلال خط السكك الحديدية وتم إيقاف القطارات المحملة بالفوسفاط في ثاني مناسبة خلال شهر. وبعد مفاوضات بين باشا المدينة والمحتجين، لم تفض إلى حل تدخلت قوات الأمن لفك الاعتصام بالقوة، حيث تطور الاحتجاج إلى مواجهات مفتوحة عبر الرد بالحجارة واستخدام العصي، واستمرت حتى منتصف الليل، ودارت المواجهات بحي المسيرة وقرب مركز التكوين التابع لمكتب الشريف للفوسفاط، وتحدثت أنباء عن التحاق عدد من السكان بالمحتجين ووصول تعزيزات أمنية من مدن مجاورة، وبالرغم من ذلك لم يتم لجم هذا التدفق. الأربعاء 6 يوليوز عاشت المدينة وضواحيها، على وقع احتجاجات عنيفة أدت إلى اندلاع مواجهات بين قوات الأمن ومحتجين يطالبون بالشغل في المكتب الشريف للفوسفاط، وتحدثت مصادر حقوقية من المدينة عن «أن المواجهات أسفرت عن عدة إصابات في صفوف الطرفين، واعتقال 30 متظاهرا تم تقديمهم وإلى القضاء لمحاكمتهم. الألسن تتحرر والاتهامات تتوسع حين وجدت وزارة الداخلية أن ما يجري بالمدينة يحتاج إلى توضيح مسؤول، كانت الصورة المعممة، هي أن مصائب المدينة آتية من المجمع الشريف للفوسفاط، فلا المعطيات المرتبطة بالفاعلين في الأحداث، ولا المطالب الظاهرة في الاحتجاجات، كات توحي بأن المجمع في فوهة البركان، بعدها بدأت مرحلة الفرز، فيما يجري سواء من طرف الفاعلين أو من قبل الجهات المختصة. وزارة الداخلية استدعت مجموعة من الأحزاب السياسية بالمدينة، للاطلاع على وجهة نظرها فيما جرى، وبدت خلاصة عروض ممثليها، متجهة لاتهام السلطة المحلية بالمدينة، التي لم تتعامل مع الأحداث بجدية، منذ بداية تشكلها. المهدي عثمون الذي مثل الحركة الشعبية، أوضح أن الأحزاب السياسية بالمدينة، اتفقت على وجود خلل في تدبير المدينة، فالمسؤول الأول بالمدينة أغلق كل الأبواب في وجه المسؤولين، ولم تعد هناك لقاأت للتداول فيما يجري بالمدينة، بل ويذهب عثمون إلى أبعد حد، حين اتهم المسؤول الأول عن الإقليم بالسقوط في حسابات إدارية، جعلت معاركه تنحصر في تأثيث المربع القريب منه، بأشخاص، عبر سحب البساط من مسؤولين آخرين، والتسبب في إشعال فتيل الصراع داخل محيط العمالة. وكانت مداخلات الأحزاب قد ركزت على التسلسل الكرنولوجي للأحداث، التي انتهت بالإنجار الكبير في شهر ماي، ففي الوقت الذي كان المحتجون يرابضون بمكان الاحتجاج، كانت الظروف الإجتماعية، تلهب الشارع، وتستقطب حركة 20 فبراير كل الناقمين على الأوضاع، وكان من الممكن فتح حوار مع الشباب، يفضي إلى حل المشكل، لكن القرار المفاجئ الذي اتخذ بفض الاعتصام بالقوة، كان سوء تقدير للأوضاع. ثالوث الفساد الذي زرع الغضب في نفوس السكان بعد الأزمة التي عرفتها أوروبا، بدأت أفواج من المهاجرين بالمدينة تعود باحتشام إلى المدينة والقرى التابعة لها، كان عدد منهم يخفي غصة الوضع، واختفت مظاهر التباهي بالسيارات، لكن مع تفاقم هذه العودة، بدأت ظاهرة الشباب الذي اضطر لاقتسام الفراشات مع الباعة التجولون، واصطف عدد منهم مع الشباب الباحث عن عمل، واتسعت قاعدة المحتجين على عدم استفادة أبناء المدن الفوسفاطية من العمل بالمجمع، انضاف إليها وضع المدينة التي راكمت تاريخا من الأعطاب. عطب اقتصاد الريع الذي حول المدينة إلى بقرة حلوب، ظهرت فيه أسماء معروفة في عالم المال والأعمال، يقطن أغلبها بالدارالبيضاء، استفاد من زمن الريع، واحتكر التجارة، والوساطة، وتحول عدد منهم إلى ممرات ضرورية لتجارة القمح والدقيق المدعم، والتوزيع، ولا يكاد قطاع من القطاعات المعنية بهذا الاقتصاد يخلو من اسم تجاوزت نشاطاته المدينة، فتحول إلى متحكم وطني في هذا القطاع. جزء كبير من أموال صندوق المقاصة تكالت هنا» يقول فاعل جمعوي، والمقصود بكلامه ما ربحه مجموعة من المستفيدين من دعم الحبوب في تخزينه وتسويقه، وباقي المواد الأساسية لسنوات طويلة، وما يحز في نفس الكثيرين هو أن جزء كبيرا من هذه الأموال تم توظيفه خارج المدينة، والدليل هو أن عددا كبيرا من الشخصيات المعروفة، استثمر أمواله بالدارالبيضاء، ولم يتم تطوير المقاولات المحلية القادرة على خلق فرص للشغل، تخفف من مخزون الاحتقان الذي تفجر فجأة. . بالنسبة لعائلة كرام التي يتهمونها باحتكار قطاع الحبوب، يعتبر محمد كرام أنها اتهامات واهية، على اعتبار أن نشاط القطاع انتقل من زمن الدعم إلى زمن التحرير، وليست هناك حجة على استفادة العائلة من هذا القطاع، واعتبر أن المشاكل التي تعاني منها المدينة، لا يجب أن تغلف بتصفية الحسابات، غير أن المشاكل التي عرفتها العديد من التعاونيات وما فيها من فضائح تنذر بكشف المستور الذي ظل مستورا لسنين.. ومن موقع رئيس غرفة التجارة والصناعة، يعتبر محمد كرام أن المدينة عاشت سوء تدبير لسنوات، فلا تجارب إحداث المناطق الصناعية انتعشت، ولا مخططات تنمية المدينة نجحت، على اعتبار غياب رؤية استراتيجية لتنمية المدينة، فالاعتماد على تدخل المكتب الشريف للفوسفاط، استمر رغم تغيير المجمع لتقاليد تدبيره، وحين تم إسناد التدبير للمنتخبين، ظهرت العديد من المشاكل. نفي الفاعل الاقتصادي لمساهمة اقتصاد الريع في الأزمة لا يروق لفاعلين محليين، فهم يتهمون هذا النوع من الاقتصاد، ضرب للتنافسية، ويعطون كمثال على ذلك، عدد المقاولات التي تستفيد من الصفقات داخل المدينة، فأغلب الفائزين تجدهم من خارج المدينة، حيث تشكلت مصالح ولوبيات بالدارالبيضاء، ومنها تخرج كل القرارات المتعلقة بالمدينة. اقتصاد الريع يمتد إلى احتكار توزيع اللحوم على مؤسسات عمومية، وعلى احتكار مقالع الرمال، وتزويد المؤسسات بالتموين، مما خلق أنشطة اقتصادية، يتحكم فيها لوبي، يتعامل مباشرة مع مؤسسات خاصة بالعاصمة الاقتصادية، وتغيب النظرة التنموية المحلية، ففي غالب الأحيان، يعتمد هؤلاء الوسطاء على مكاتب ومؤسسات لتدبير أعمالهم من خارج المدينة، وتترك المدينة ومشاكلها على الهامش. الرأس الثالث للفساد بالمدينة، تشكل من لوبيات العقار، ففي الوقت الذي كانت المدينة تعرف توسعا عمرانيا، ظهرت مجموعة من المقاولين، استفادوا في البداية من مشاريع خاصة، لكن مع مرور الوقت بدأت مجموعة من الموظفين بالجماعات المحلية في دخول عالم المقاولات، ولعل أبرز مثال على ذلك احتكار شركات يسيرها مهندسون سابقون للجماعة، شكلوا إلى جانب رؤساء جماعات لوبيات تحكمت في العقار، بدء من التجزئات السكنية، إلى المشاريع التي تطلقها مؤسسات الدولة. لوبي العقار ساهم في احتقان الوضع بالمدينة، وتروي تقارير رسمية، دخول مجموعة من كبار المسؤولين الذين تعاقبوا على المدينة، هذه الدائرة، وتفجر الحديث عن مساهمة مجموعة من العمال الذين مروا بالمدينة في تشكل هذه اللوبيات، وعن مجموعة من الصفقات المشبوهة التي خلقت وضعا تعميريا بالمدينة يتسم بالقبح. واستغل هذا اللوبي دخول المدينة في برنامج محاربة دور الصفيح، ليحول تجارته نحو أراضي الدولة، كما استغل الاستثناء في التعمير ليحكم سيطرته، والملفات المعروضة على القضاء، توضح جزء مما جرى بخريبكة، ففي كثير من الملفات هناك كثير من المسكوت عنه، فالعديد من المنتخبين يشهرون ورقة مجمع الفردوس، ليؤكدوا عمق التواطؤات التي وقعت في مجال العقار. رئيس المجلس البلدي الحالي المتهم في عدد من الملفات، واللاعب الظاهر في نموذج الفاعل العقاري، لم يرد على اتصالاتنا المتكررة للرد على اتهامه بالمشاركة في تشكيل هذا اللوبي العقاري، الذي وصلت بعض ملفاته إلى القضاء، ويضم عددا من المشاركين في مختلف الإدارات العمومية وشبه العمومية، ومجموعة سماسرة رفعت أسماؤهم في عدد من التظاهرات الاحتجاجية. جزء من هذه الأسئلة التي تحتاج إلى تعميق، هو أن الاتهامات المتبادلة بردهات المحكمة، فيها معطيات خطيرة، فاتهام رئيس المجلس البلدي مثلا، يخفي خلفه اتهامات بتورط السلطة المحلية، وإلا كيف يفسر عدم الترخيص لصاحب مشروع الفردوس الشهير، بالرغم من مرور سنوات على تفجر الملف باتهامات خطيرة، فالعيب موجود في تدبير ملفات، دخلت فيها أطراف قوية، حسب عدد من الحقوقيين، والتساؤلات التي يطرحها عدد من الفاعلين، هو رغم تزامن الترخيص لمشروع الفردوس، مثلا، بالترخيص للسوق التجاري أسيما، ورغم وجود عيوب في الملفين معا، تم طي أحدهما، وخرج الآخر بغسيله للعلن. رأس الفساد يمتد من خريبكة وبنفس الشاكلة، ليطل على ضواحيها سواء بواد زم بجعد وعدد من الجماعات القروية، ويتكرر في مدن فوسفاطية أخرى، ظل الإحساس بالغبن يتراكم في نفوس أهاليها، وتشكلت فوارق طبقية مثيرة، ظل الانتباه إليها مهملا، لكن مع اشتداد الأزمة، بدأت كل الملفات تظهر تباعا. اليوم، يعترف الجميع بأن الهاجس الأمني فزاعة تخفي حقيقة ما يشعر به الأهالي البسطاء هناك، مطلبهم بسيط هو تحقيق عدالة اجتماعية، والأكيد بالنسبة لعدد منهم، أن دعوات جهات دينية وسياسية، لتقديم هذا الشريط، كنموذج للي يد الدولة، لن ينجح، لأن مشكلتهم معروفة، وعى الطرف الآخر استيعاب حقيقة الداء والدواء. فهل تستخلص العبرة؟
أخبارنا المغربية
مدينة ملفات الحوادث الوهمية والفواتير المزورة وفضائح التجزئات السكنية واقتصاد الريع، الذي حول شخصيات بالمدينة إلى مشاهير، تتناقض مع صورة مدينة المركزيات النقابية والشخصيات السياسية، وبين الصورتين تاريخ من التراجعات، لم تظهر منه عند انفجار الأحداث سوى صورة الفوسفاط ومؤسساته، وعند الاستقصاء تظهر القصة كاملة.لم تفض الكأس سوى بقطرة احتجاجات عمال ومعطلين، لكنها امتلأت لسنوات طويلة بشريط من الفساد في التدبير، ومن تواطؤات يعرفها الخريبكيون جيدا، واتهامات سمعها المجلس الوطني لحقوق الإنسان ووزارة الداخلية، فيها ما يكفي لمراجعة جذرية لتدبير مدن إنتفض شبانها وعمالها ت وقطعوا ممرات السكك الحديدية، ليقولوا بالواضح. هناك فساد يجب إسقاطه. قصة العنف الذي عاشته عدة مدن فوسفاطية، بدأت شرارته بمدينة خريبكة، حرائق بالجملة ومواجهات دموية، ودخان كثيف علا وجه المدينة، حينها تساءل الأهالي هناك باستغراب. ما الذي وقع؟ بل إن المخزن المسؤول الأول عن هذا كله ! وبعدها بدأ بتلفيق التهم لأي كان ولم يستثني أطفال عمرهم 15 سنة . وحين استهدف المحتجون أماكن ترمز لمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، بدأ خيط ما حدث يقنع الملاحظين، بأن الأمر يتعلق بكل بساطة، بأهم مؤسسة اقتصادية بالبلاد، وضعت في مواجهة سكان مناطق تستخرج من باطن أرض بلادهم، خيرات لا يستفيدون منها، يرون الغريب في مناجمها، ويأسفون لجلوس أبنائهم في المقاهي ودروب الأحياء، عاطلين يتجرعون عنف العطالة. قصة الفوسفاط في خريبكة للفوسفاط في البلاد حكايات وطنية ومحلية، في الأولى ردد المغاربة لسنين طويلة، كلاما منسوبا للشهيد المهدي بنبركة، مفاده أن المغاربة كان من حقهم الحصول على 10 دراهم في الستينيات، نصيبهم من عائدات الفوسفاط، يعبر بعضها عن مطالب اجتماعية، تنحى للتعبير عن مشروعيتها، بالاستناد إلى ما في البلاد من خيرات، تحتاج لعدالة في توزيع الثروة، وتمكين الفقراء والكادحين من العيش الكريم، وظلوا يرددون هذا المطلب حتى تحول إلى عنوان عريض للاحتجاج في كل مكان وزمان. زمن «موسيو لافون» العدد الإجمالي لساكنة خريبكة يقترب من 600 ألف نسمة، يوجد بمدينة خريبكة منه حوالي 200 ألف، وتتشكل المدينة على مستوى التقطيع الترابي من خمس بلديات و29 جماعة قروية، وتشتهر المدينة بنزوع شبابها نحو الهجرة إلى أوروبا، حيث تشكل نسبة المهاجرين بها حوالي 60 ألف مهاجر، خصوصا بالديار الإيطالية. والذين عاشوا تاريخهم بالمدينة، يتذكرون الصورة الجميلة لها، حيث كانت العديد من المرافق التي كان المكتب الشريف للفوسفاط يرعاها، تمتد من الخدمات الأساسية إلى مجالات الترفيه والثقافة والرياضة العارفون بتاريخ هذه المدينة يتذكرون المعمر الفرنسي موسيو لافون، الذي كان يعشق المدينة، وكانت أنشطته ومساهمته في تنظيم وتطوير المدينة معروفة، والذين يروون ما كان يفكر فيه، يتمنون لو أن المدينة عاشت على رؤية هذا الرجل. ولأن المدينة رفعت من سقف معيشتها، وجد العديد من أبناء المنطقة، أنفسهم في منافسة «تحمار وجه العائلة»، فحتى الذين لم يتوفقوا في ولوج مدارس عليا للتعليم، أو انقطعوا عن الدراسة لظروف ما، فتحت في وجههم حركية غير عادية للهجرة، وتشكلت شبكات عائلية ل«جر» أبناء العائلة نحو الطاليان بالخصوص. ولأن زمن الهجرة قد مر هو الآخر بفترة ذهبية، فقد تنافست العائلات في التباهي بأبنائها، الذين يعودون كل عطلة صيفية، بادخار، يسمح بنقل العائلة نحو مستوى معيشي مميز، يبدأ بتغيير الدار إلى إحداث مشاريع تجارية، فنشط قطاع البناء، وتوسع النشاط التجاري، وخلدت أغاني المجموعات الشعبية، حكايات نجاح و،إخفاق البعض، في قصص مدينة حبلى بالتنويع. المدينة تغير من جلدها الدنيا غدارة… حتى حاجة ما دايمة… مقولات تعكس إحساس الأهالي، بأن الزمن الذهبي للمدينة آخذ في التواري، ومن علامات هذا اليتم المتدرج، تراجع دور المكتب الشريف للفوسفاط، عن تحمل أعباء مدينة بسخاء. ففي الوقت الذي كان المكتب يكنس شوارع المدينة، تقريبا من مدخل «دير ما كتدير لجارك»، تحولت حساباته بعد تراجع قوته، بفعل تغير الظروف الاقتصادية، وخصوصا التغير العميق الذي عرفه هذا القطاع الاستراتيجي على الصعيد العالمي، فقد غدا وضع الذهب الأبيض يخيف، مع توالي التغيرات على المستوى العالمي، ولم تسلم المؤسسة العملاقة من هذه الرياح، وبدأ الحديث عن إعادة هيكلة المكتب بطرق حديثة، كان من نتائجها المباشرة إعادة النظر في مجموعة من الوظائف التي ظل المكتب يقوم بها لسنوات. ذهب الزمن الذي كان فيه المدير العام للمكتب الشريف للفوسفاط، تساوي مصداقيته المالية، مصداقية البلد بكامله، وبدا للعديدين أن المدينة والمكتب نفسه لم يحسب تغيرات الزمان، بدأ الحديث عن الأزمة، وتسربت معطيات تتحدث عن سوء تدبير طال سنوات ممتدة. عناوين عريضة ظلت في باب المسكوت عنه، من قبيل الثقب الأسود بالمكتب الشريف للفوسفاط، وحكايات المدراء الذين تعاقبوا على تدبير المكتب، وانطلقت الحكايات الموغلة في وصف زمن التبدير، وتشكل جوا من الشك حول دور المكتب في الاقتصاد الوطني. الخاتمة التي انتهت إليها هذه الطبخات، هو انتقال المكتب إلى مجمع، يضم شركات، بدأت تستل أرجلها من صفة القطاع العام، ليبدأ الحديث عن الخوصصة بشكل محتشم، ومن الطبيعي، حسب اقتصاديين، أن يرافق كل ذلك تغيير في الأدوار والأولويات بالنسبة للمجمع. الحد من فوضى التوظيفات، التزام المجمع بالقانون في التدخل المالي، بالمناطق التي يستخرج منها الفوسفاط، الابتعاد عن إقحام المجمع في أدوار تثقل كاهله، وعدم تنوير الرأي العام المحلي، بحقيقة هذا المسير، جعل النظرة إلى المكتب تتوزع بين فورة داخلية، وامتعاض من المدن الفوسفاطية، التي تراكم فيها وعاء العاطلين، وبدا أن لغة الزبونية في التوظيف، وتشريد العمال تتسلل للصراعات النقابية، واختلط الحابل بالنابل، لتكون قمة هذا الالتباس في استهداف رموز المكتب في الاحتجاجات الأخيرة، بكل من خريبكة واد زم واليوسفية، وتم إحراق بعضها، كدليل على هذا الشحن التاريخي. خميرة التدبير المحلي تنضج اليأس منذ سنوات عاشت بلدية خريبكة صراعات مريرة، تلونت الأطراف المتخاصمة وتعددت الجبهات، وتغيرت المواقع، لكن ما ظل مؤكدا هو أن شؤون هذه البلدية كانت معطلة، وفقدت المدينة رونقا تشكل في سنوات محددة، تحولت فيها المدينة إلى فضاء مقبول سواء على مستوى نظافتها أو على مستوى بنياتها الأساسية. في كثير من الدورات تحسر السكان على الوضع الذي آلت إليه المدينة، وفي كل مرة كانت الاتهامات تتصاعد، لكن في كل مرة ينتهي ذلك الصراخ بين جدران البلدية، فيما تتناسل الأحاديث عن أشخاص، يسيرون شؤون المدينة ويتحكمون في مصيرها من الخارج، كثر الحديث عن ثروات تراكمت لدى البعض، وتحول جزء كبير من المسؤولين بخريبكة إلى سكان دائمين بالمدن الكبرى وخصوصا الدارالبيضاء، يتحركون في كل المناسبات باعتبارهم أعيان المدينة. حين وصلت الملفات الخاصة بالجماعة إلى القضاء، ظهرت ثقوب كبيرة في مجال التدبير، قد يؤولها البعض أخطاء في التدبير، وقد يعتبرها البعض سوء في التنسيق بين السلطات، ولكن الحقيقة الساطعة هي أن المال العام ضاع في هذه المتاهات، ما حدث في خريبكة هو أن المجلس الأعلى للحسابات وصل أخيرا إلى قناعة اتهم فيها مسؤولين بالجماعة بتزوير وثائق لاختلاس المال العام، والعينة المتهمة تبدأ من مؤسسة رئيس الجماعة إلى نوابه والموظفين المسؤولين عن الصفقات، والعينة التي تشغل الرأي المحلي بالمدينة تتوزع بين صفقات لا وجود لها في أرض الواقع، فيها اعترافات وتبادل الاتهامات بالمسؤولية، تصل إلى أعلى هرم في السلطة المحلية، وبين ثنايا الاتهام والدفاع عن النفس تظهر حقيقة الارتجال في التعامل مع المال العام. القراأت المتداولة للملف بالمدينة، موزعة بين الدعوة إلى الذهاب بالتحقيق إلى أبعد مدى لكشف كل المتورطين في الفساد، ومنهم من يعتبر أن المسألة فيها تهويل على اعتبار أن الأمر قد يتعلق في أقصى تقدير بسوء تسيير لا يرقى إلى المستوى الجنائي، ومنهم من يعتبر أن شكل المحاكمة لا يتناسب مع حجم الأضرار التي لحقت بالمدينة، وأن ما ظهر من الملفات لا يكشف وجه الفساد الحقيقي الذي عمر بالمدينة لسنين طويلة. فهل ستظهر مفاجآت تكذب إحساس المتشائمين؟. ملفات ضخمة طرحت في المجالس التي شهدت صراعات، واتهامات خطيرة ظلت تتردد، وفي كل مرة كان المطلب هو التحقق مما يقال، لكن لسنوات ظلت الطبخة داخلية، يتحدث البعض عن توافقات لإبقاء الصراع، ليظل واقع انتعاش مسؤولين من الغنيمة التي تراكمت لدى المسؤولين بالبلدية مستمرا، وتراكمت الملفات العالقة بالمدينة، بدء من تعطيل بنيات أساسية بالمدينة كالمنطقة الصناعية التي أقبرت، والمشاريع الكبرى التي تعطلت، ومرورا بملف التعمير الذي تحول إلى بقرة حلوب، وانتهاء بتكتل لوبيات تحكمت في رقبة المدينة، بدء من اقتصاد الريع مرورا بالعقار، وانتهاء بالخدمات. مواجهات دامية تعري المستور في صبيحة استيقظت مدينة خريبكة على وقع مواجهات عنيفة بين مجموعة من المحتجين وقوات الأمن، واستفاقت أيضا على أسئلة عريضة ظلت مكتومة، تهم واقع المدينة، حينها حاولت تفسيرات عديدة ضبط ما جرى، هناك من اكتفى بوصف ماحدث، وهناك من حاول سرد معطيات تتعلق بالنواة الصغيرة للمحتجين الذين رابضوا بمكان الاحتجاج لشهور، قبل أن تقدم السلطة على فضهم في فجر ذلك الصباح، وحين اتضح أن حجم المواجهات كبير، بدأ البعض في البحث عن كبش فداء لما حدث. صحيح أن ما حدث لعبت فيه أطراف منسابة على الحادث، وصحيح أن الأجواء التي كان المغرب في قلبها، كانت تقدم معطيات ومؤشرات على دخول أطراف على الخط، لجمع الحطب من كل صوب وحذب لجعل نار كل احتجاج واضحة فوق علم 20 فبراير، لكن الذين عاشوا جزء من تاريخ المدينة قدموا تفسيرات مسؤولة وروايات موثقة للجمر الذي كان تحت الرماد. قبل أن تندلع سلسلة المواجهات، كانت المدينة قد عاشت مخاضا وترقبا لملفات عديدة، تبدأ من فضائح المجلس البلدي التي مازالت معروضة على القضاء، ومرورا باحتجاجات مجموعة من الوداديات السكنية، ودور الصفيح، مرورا بفضائح تتعلق بشبكة الحوادث الوهمية، التي نقلت الاحتجاج إلى قلب المحكمة، مرورا بحوادث إحراق مكاتب التأمين، وسرقة مكاتب بالمحكمة، مما خلق جوا مشحونا، وحين زارت الجريدة المدينة حينها، بدا أن المدينة تعيش فعلا على صفيح ساخن. بعدها ستبدأ حمم هذا الغليان بالظهور، ففي يوم الثلاثاء 15 مارس 2011، نظمت مجموعة من المحتجين بمدينة خريبكة، اعتصاما للمطالبة بالشغل، تحول إلى أعمال شغب وتخريب»، السلطات المحلية بالمدينة قالت حينها «إن السلطات المحلية فتحت حوارا مع المحتجين لمناقشة مطالبهم، حيث تم تسجيلهم على أساس اختيارهم وفق معايير موضوعية وقانونية محددة». وفي يوم الجمعة 13 ماي سائقون، حراس وبستانيون ومنظفون، ينظمون وقفة احتجاجية للمطالبة بإدماجهم وترسيمهم داخل الشركة، التحق بها أعضاء جمعية المعطلين حاملي الشهادات بخريبكة، حيث ساروا في مسيرة انتهت باحتلال خط السكك الحديدية وتم إيقاف القطارات المحملة بالفوسفاط في ثاني مناسبة خلال شهر. وبعد مفاوضات بين باشا المدينة والمحتجين، لم تفض إلى حل تدخلت قوات الأمن لفك الاعتصام بالقوة، حيث تطور الاحتجاج إلى مواجهات مفتوحة عبر الرد بالحجارة واستخدام العصي، واستمرت حتى منتصف الليل، ودارت المواجهات بحي المسيرة وقرب مركز التكوين التابع لمكتب الشريف للفوسفاط، وتحدثت أنباء عن التحاق عدد من السكان بالمحتجين ووصول تعزيزات أمنية من مدن مجاورة، وبالرغم من ذلك لم يتم لجم هذا التدفق. الأربعاء 6 يوليوز عاشت المدينة وضواحيها، على وقع احتجاجات عنيفة أدت إلى اندلاع مواجهات بين قوات الأمن ومحتجين يطالبون بالشغل في المكتب الشريف للفوسفاط، وتحدثت مصادر حقوقية من المدينة عن «أن المواجهات أسفرت عن عدة إصابات في صفوف الطرفين، واعتقال 30 متظاهرا تم تقديمهم وإلى القضاء لمحاكمتهم. الألسن تتحرر والاتهامات تتوسع حين وجدت وزارة الداخلية أن ما يجري بالمدينة يحتاج إلى توضيح مسؤول، كانت الصورة المعممة، هي أن مصائب المدينة آتية من المجمع الشريف للفوسفاط، فلا المعطيات المرتبطة بالفاعلين في الأحداث، ولا المطالب الظاهرة في الاحتجاجات، كات توحي بأن المجمع في فوهة البركان، بعدها بدأت مرحلة الفرز، فيما يجري سواء من طرف الفاعلين أو من قبل الجهات المختصة. وزارة الداخلية استدعت مجموعة من الأحزاب السياسية بالمدينة، للاطلاع على وجهة نظرها فيما جرى، وبدت خلاصة عروض ممثليها، متجهة لاتهام السلطة المحلية بالمدينة، التي لم تتعامل مع الأحداث بجدية، منذ بداية تشكلها. المهدي عثمون الذي مثل الحركة الشعبية، أوضح أن الأحزاب السياسية بالمدينة، اتفقت على وجود خلل في تدبير المدينة، فالمسؤول الأول بالمدينة أغلق كل الأبواب في وجه المسؤولين، ولم تعد هناك لقاأت للتداول فيما يجري بالمدينة، بل ويذهب عثمون إلى أبعد حد، حين اتهم المسؤول الأول عن الإقليم بالسقوط في حسابات إدارية، جعلت معاركه تنحصر في تأثيث المربع القريب منه، بأشخاص، عبر سحب البساط من مسؤولين آخرين، والتسبب في إشعال فتيل الصراع داخل محيط العمالة. وكانت مداخلات الأحزاب قد ركزت على التسلسل الكرنولوجي للأحداث، التي انتهت بالإنجار الكبير في شهر ماي، ففي الوقت الذي كان المحتجون يرابضون بمكان الاحتجاج، كانت الظروف الإجتماعية، تلهب الشارع، وتستقطب حركة 20 فبراير كل الناقمين على الأوضاع، وكان من الممكن فتح حوار مع الشباب، يفضي إلى حل المشكل، لكن القرار المفاجئ الذي اتخذ بفض الاعتصام بالقوة، كان سوء تقدير للأوضاع. ثالوث الفساد الذي زرع الغضب في نفوس السكان بعد الأزمة التي عرفتها أوروبا، بدأت أفواج من المهاجرين بالمدينة تعود باحتشام إلى المدينة والقرى التابعة لها، كان عدد منهم يخفي غصة الوضع، واختفت مظاهر التباهي بالسيارات، لكن مع تفاقم هذه العودة، بدأت ظاهرة الشباب الذي اضطر لاقتسام الفراشات مع الباعة التجولون، واصطف عدد منهم مع الشباب الباحث عن عمل، واتسعت قاعدة المحتجين على عدم استفادة أبناء المدن الفوسفاطية من العمل بالمجمع، انضاف إليها وضع المدينة التي راكمت تاريخا من الأعطاب. عطب اقتصاد الريع الذي حول المدينة إلى بقرة حلوب، ظهرت فيه أسماء معروفة في عالم المال والأعمال، يقطن أغلبها بالدارالبيضاء، استفاد من زمن الريع، واحتكر التجارة، والوساطة، وتحول عدد منهم إلى ممرات ضرورية لتجارة القمح والدقيق المدعم، والتوزيع، ولا يكاد قطاع من القطاعات المعنية بهذا الاقتصاد يخلو من اسم تجاوزت نشاطاته المدينة، فتحول إلى متحكم وطني في هذا القطاع. جزء كبير من أموال صندوق المقاصة تكالت هنا» يقول فاعل جمعوي، والمقصود بكلامه ما ربحه مجموعة من المستفيدين من دعم الحبوب في تخزينه وتسويقه، وباقي المواد الأساسية لسنوات طويلة، وما يحز في نفس الكثيرين هو أن جزء كبيرا من هذه الأموال تم توظيفه خارج المدينة، والدليل هو أن عددا كبيرا من الشخصيات المعروفة، استثمر أمواله بالدارالبيضاء، ولم يتم تطوير المقاولات المحلية القادرة على خلق فرص للشغل، تخفف من مخزون الاحتقان الذي تفجر فجأة. . بالنسبة لعائلة كرام التي يتهمونها باحتكار قطاع الحبوب، يعتبر محمد كرام أنها اتهامات واهية، على اعتبار أن نشاط القطاع انتقل من زمن الدعم إلى زمن التحرير، وليست هناك حجة على استفادة العائلة من هذا القطاع، واعتبر أن المشاكل التي تعاني منها المدينة، لا يجب أن تغلف بتصفية الحسابات، غير أن المشاكل التي عرفتها العديد من التعاونيات وما فيها من فضائح تنذر بكشف المستور الذي ظل مستورا لسنين.. ومن موقع رئيس غرفة التجارة والصناعة، يعتبر محمد كرام أن المدينة عاشت سوء تدبير لسنوات، فلا تجارب إحداث المناطق الصناعية انتعشت، ولا مخ