يجد العلماء الهنغار علاقة واضحة بين تاريخ الميلاد وطبع الإنسان، بحسب نتائج دراسة لا تختلف عمّا عرفه البشر منذ قرون، عن العلاقة بين موسم الولادة ومزاج الفرد. وكتب هؤلاء العلماء في المجلة الأوروبية للتحليلات النفسية والعقلية أنهم لا يستطيعون أكثر من التكهن بأسباب هذه الميول، إلا أن الدراسة التي أجروها بين طلاب الجامعات، وشملت 366 طالبًا وطالبة تثبت بشكل لا يرقى إليه الشك وجود علاقة بين تاريخ الميلاد ومزاج الفرد. بين الصيف والشتاء وظهر من استطلاع الرأي بين الطلاب أن الذين ولدوا في الربيع أفضل مزاجًا من غيرهم، وأقل عرضة للاكتئاب عند البلوغ. في حين كان المولودون في الشتاء، وخصوصًا في الشتاءات المدلهمة الباردة، أقل مرحًا من غيرهم من الطلبة، بل وأكثر عرضة للإكتئاب أيضًا. وكان المولودون في الشتاء أكثر عرضة لاضطراب الشخصية وللاضطرابات النفسية والهرمونية من بقية الطلبة. والمهم هو أن تأثير يوم الميلاد على المزاج لا يظهر في مرحلة البلوغ، وإنما منذ الصغر. وكشفت أجوبة الطلبة أن المولودين في الشتاء كانوا في صغرهم أيضًا كثيري البكاء ومتعكري المزاج، وأن بوجود استثناءات بالطبع. وكانت النتائج أكثر وضوحًا لدى المولودين في صيف مشمس جميل، حيث كانوا من مرحلة الصغر أكثر انشراحًا وحبًا للدعابة. فضلًا عن ذلك، كانت هناك فوارق في المزاج بين المولودين في نفس الشتاء، ولكن من شهر آخر. وهكذا، كان المولودون في كانون الثاني (ديسمبر) أقل عرضة للاكتئاب من المولودين في شباط (فبراير). وتنطبق هذه الحالة على مواليد الربيع والصيف والخريف، لكن من أشهر مختلفة أيضًا. تقلبات هرمونية كتبت الباحثة الهنغارية زينيا غوندا، من مدرسة كولتفولجي الطبية في بودابست: "سبق لعلماء البيولوجيا الكيميائية أن وجدوا علاقة بين الولادة في طقس شتائي بارد وبين زيادة عدد المواليد من العسران، والمعتقد أن للتقلبات الهرمونية في مثل هذه الأجواء دورًا في نشوء هذه العلاقة". وربما كانت للأمر علاقة بالهرمونات التي يفرزها جسم الإنسان تأثرًا بالطقس، وخصوصًا هرموني الدوبامين والسيروتونين المعروفين بتأثيرهما على مزاج وطبائع الناس. ومن المحتمل أن يفرز جسم الطفل حديث الولادة، بتأثير الطقس، دوبامين أكثر أو سيروتونين أكثر، ويستمر هذا التأثير حتى مرحلة البلوغ. يثبت ذلك أن المولودين في الصيف كانوا سريعي التقلب من المرح والحزن خلال وقت قصير. في حين كان مواليد الشتاء أكثر استقرارًا من مواليد الخريف، وإن كانوا أكثر ميلًا للإكتئاب، لكنهم كانوا أقل انفعالًا من غيرهم. اكتئاب الشتاء يصاب الآلاف من الأوروبيين في بلدان الشمال الأوروبي بما يسمى "اكتئاب الشتاء"، وهي حالة ناجمة عن قلة الأيام المشمسة وعن البرد القارس ومحدودية حركة الإنسان في الطبيعة. لكن هذه الحالة كانت ظاهرة بين مواليد الشتاء أيضًا. وظهر أن المولودين في الشتاء أكثر عرضة لكآبة الشتاء في فترة النضوج من غيرهم. والسيروتونين، وتسمى المادة أيضًا 5-هيدروكسي تربتامين، هو أحد الناقلات العصبية ويلعب دورًا مهمًا في تنظيم مزاج الأنسان (لذا يسمى أيضًا بهرمون السعادة) والرغبة الجنسية، وله دور أيضًا في مرض الصداع النصفي. أحدث التعرف على هذه المادة ثورة في علاج مرض الكآبة، حيث لوحظ أن معظم المصابين بمرض الكآبة يمتلكون نسبة اقل من المستوى الطبيعي للسيروتونين في الدماغ، ما أدى بالعلماء إلى اختراع جيل جديد من الأدوية التي تقوم برفع مستوى مادة السيروتونين في الدماغ. اما الدوبامين فيتفاعل في الدماغ ويؤثر على كثير من الأحاسيس والسلوكيات، بما في ذلك الانتباه والتوجيه وتحريك الجسم. ويؤدي الدوبامين دورًا رئيسيًا في الإحساس بالمتعة والسعادة والإدمان. وهو ناقل عصبي يحمل المعلومات بين الخلايا العصبية الدماغية. تأثيرات جينية واجتماعية تضيف غوندا أن ما كشفته الدراسة، وإن كانت نتائجها احصائية، لا يعني أن كل طفل ولد في الشتاء سيصاب مستقبلًا بالإكتئاب وتعكر المزاج، كما لا يعني أن كل طفل يولد في الصيف أو الربيع سيكون رائق المزاج دائمًا. فالعوامل الوراثية والبيئية والعلاقات الاجتماعية تبقى أقوى، ويمكن أن تؤثر في نمو شخصية الطفل، لكن الدراسة الأستطلاعية كشفت وجود تأثير قوي لتاريخ الميلاد في مزاج وتموين الطفل النفسي. كما تجد غوندا نتائج الدراسة حافزًا للقيام بدراسات أخرى أكثر عمقًا، وسيكون الهدف من ذلك الكشف عن الآليات البيولوجية والكيميائية المسؤولة عن الظاهرة، والتأكد من دور التقلبات الهرمونية في نشوء العلاقة بين تاريخ الميلاد و طبائع البشر.