ونحن في زمن تسارع التكنولوجيا والمعلوميات, وما أضحى لها من تأثير وأهمية لدى المجتمعات الاقليمية والدولية, من البديهي أن يتبادر للذهن استفسار عبثي حول موقعنا من كل ذلك؟ وهل يحق للمغاربة مثلا أن يفكروا في غزو الفضاء يوما؟ بعد الدهشة الواجبة للسؤال, نجيب: لا طبعا, لن يكون مشروعا حكوميا ولا برنامجا حزبيا,ولا طموحا طلابيا, ولا حتى حلما طفوليا في ظل السياسات التعليمية الفاشلة المنتهجة ولو بعد قرون من الزمن. بعد انقضاء ثلثي مدة الاصلاح التعليمي المسمى بالمخطط الاستعجالي, يدخل هذه السنة موسمه الأخير من دون نتائج تذكر اللهم ما يذكره المعنيون من شعارات رنانة بقيت عالقة بالمخيلات, انقضت كما انقضى وفشل ميثاق التربية والتكوين وكافة الاصلاحات من قبل. والأكيد انه لن تغني الوزارة الانتقالات ولا الاعفاءات على مستوى مديري الاكاديميات ونوابها, ولا الخروج ببلاغات إنشائية أو تدابير أخرى أكثر استعجالا من الفشل شيئا.ذلك أن أشد ظلم مس هذا القطاع هي النظرة البرغماتية النفعية بخصوصه,إذ كيف يمكن اعتبارقطاع حاسم لنهظة الأمة ومدخل أساسي للتنمية قطاعا غير منتجا وعبئا كبيرا على ميزانية الدولة متناسية ان الدول المتقدمة او الاخذة في طريق التقدم لما وصلت إلى ذلك دون توفير مستوى جيد من التعليم لابناء هذه الشعوب,وفتح خزائنها للقطاع التعليمي وبحثه العلمي. ففي الولاياتالمتحدة مثلا, يستحوذ قطاع التعليم على قرابة تريليون دولار من ميزانيتها وهي أولوية لدى الحكومة, كما أطلقت مشروعا تحت عنوان (التعليم الهادف) لتطوير القدرة على الابتكار رصدت له مبلغ 250 مليون دولار وهي في أوج الازمة المالية التي تعيشها. لقد تعاقبت الحكومات المغربية ولطالما اشتكت من فاتورة القطاع التعليمي باعتباره مستنزفا للميزانية العامة وبالتالي فهي ترى بضرورة تقليص نفقاته وضرب مبدأ المجانية التي ناضل من أجله جميع المغاربة منذ الاستقلال,ورفضوا التنازل أو المساومة حوله. إلا أن خوفها من ردة فعل الشعب المغربي وقواه الحية التي قد تؤثر سلبا على الأوضاع الداخلية وتعصف بالاستقرار من جهة وتدني شعبية الحكومة والأحزاب من جهة أخرى, جعلتها تعمد بطرق أخرى إلى وأد المجانية ومن خلالها المدرسة العمومية التي غذت تحارب الأمية فقط بدل الدرس الجيد. لقد كان هاجس الاصلاحات في الثمانينيات هو تقليص ميزانية التعليم نتيجة تضخم مديونية الدولة التي وصلت إلى 12 مليار دولار سنة1983 . أما الميثاق الوطني للتربية والتكوين فجاء بعدما أدارت الدولة ظهرها لنتائج اللجنة النيابية التي كُلفت انذاك بتشخيص أزمة القطاع والسبيل إلى الإصلاح, والسبب هو عدم مسايرة نتائجها لاختيارات الدولة. فاللجنة ارتكزت في الإصلاحات على التعميم, الالزامية والمجانية التي أولت لها أهمية كبرى إذ اعتبرتها مسألة حتمية نتيجة الظروف الاقتصادية والاجتماعية للمغاربة وشرط أساسي لاستمرار المدرسة العمومية, كما ركزت على الزيادة في ميزانية القطاع والاهتمام بأطره. كل ذلك جعل الدولة تتجاهل وثيقة المبادئ الأساسية (وثيقة الاصلاح حسب اللجنة النيابية وممثلي الادارات التعليمية سنة1995) وتستشير البنك الدولي لتعتمد اقتراحاته بعد ذلك ويخرج ميثاق التربية والتكوين للوجود. فالمجانية في الميثاق الوطني تكاد تختفي, فالدولة تتحمل المصاريف فقط إلى غاية نهاية التعليم الاساسي, أما التعليم الثانوي والعالي والتكوين المهني فتفرض فيها رسوم التسجيل على الطلبة للمشاركة في تكاليف تكوينهم, كما يهدف الميثاق على خصخصة التعليم الأولي بشكل كامل عوض أن تتحمل الدولة مسؤوليتها في تعليم الأطفال المتراوحة اعمارهم بين 4و 6 سنوات. وأمام عدم القدرة على إقبار المدرسة العمومية المجانية بشكل مباشر فقد راهنت الدولة على التعليم الخصوصي وتشجيعه بشتى الاشكال ( التساهلات الضريبية- التفويتات- عدم المراقبة..) في الوقت نفسه تعمل على إضعاف المدرسة العمومية بشريا وماديا وتحويلها إلى مؤسسات بدائية متخلفة تتخبط في العشوائية والترقيع (بنايات مهترئة- اكتضاض-انحراف- نقص الأطر – انعدام وسائل الإيضاح والتكنولوجيا..) وبذلك يتم فقذ الثقة فيها بل وتصبح مرادفا للفشل وتدني المستوى مقابل النبوغ والنخبوية في المدارس الخاصة. وإذا مازال المسؤولون يصرون بأن القطاع التعليمي غير منتج وكل ما ينفق عليه لا ينتظر استرداده عبر خدمات عمومية, سنورد مثال الكيان الإسرائيلي الذي لا يعتمد اقتصاده على بترول ولا فوسفاط, انفق حوالي 47 في المائة من الناتج الوطني سنة 2004على التعليم. ويحتل المرتبة الثالثة في صناعة التكنولوجيا المتقدمة بعد كاليفورنيا وبوسطن. والمركز 15بين الدول المنتجة للأبحاث والإختراعات. أما البحث العلمي فحسب اليونيسكو فإنفاق المغرب لا يجاوز 0.2 في المائة بعد مصر ب 0.4 و الأردن ب 0.33 في المئة في حين يتم الإنفاق في السويد مثلا حوالي 2.9 في المائة وفرنسا 2.7 في المائة. أخيرا ما وجب التذكير به ان الثابت الرئيسي في السياسات التعليمية منذ الاستقلال هو مبدأ المجانية ورمز الأمة التي يعيش أكثر من نصفها تحت عتبة الفقر هي المدرسة العمومية,لذلك حري بالنقابات والمجتمع المدني وكل أصحاب الضمائر الحية والغيورين على هذا البلد التصدي لكل محاولات النيل او التشويش على أبسط حقوق ومكتسبات الشعب المغربي.