في مجتمعنا يمكن أن يقبل شخص حرق ممتلكاته فقط لتحترق معها ممتلكات جيرانه إذا كانت أكثر منه ، خاصة إذا كانت يشعر اتجاههم بالحقد ، كما يمكن أن يقبل مواطن حرق وطنه لأنه عاطل عن العمل أو أجرته هزيلة أو مدخوله الشهري لا يكفيه أو لان البعض يملك أفضل منه أو لأنه فقد ثروته .. تنتشر الأنانية والنرجسية - ربما بسبب سنوات من الحرمان والقهر - التي تنتج ذهنية متصلبة رافضة للحوار والتسامح و الانصياع .. كما ينتشر الرفض والانغلاق تجاه الأخر الذي يعتبر هو الجحيم - حسب تعبير سارتر.. هذه بعض من مظاهر التخلف الاجتماعي والمجتمعي الذي سنحاول أن نقارب بعضا من ظواهره في هذا المقال من دون ترتيب ولا نسق و لا منهجية . 1- عمي ليا عين : كنا منذ صغرنا نتداول نكتة في الأوساط الشعبية نستدل بها حول تخوفنا من أن يتفوق علينا الأخر أو يملك أكثر منا والتي ملخصها ما يلي : طُلِبَ من مجموعة من الأشخاص - ينتمون إلى جنسيات متعددة يمثل معظمها شعوب الأمم المتقدمة اقتصاديا - طُلِبَ منهم تمني أشياء ستحقق لهم على الفور ، على أساس أن يعطى ضِعْفُ الطلب لأصدقائهم ، فمنهم من طلب - بسعادة وفرح - قصرا بمحاذاة بحر ، ومنهم من طلب عمارة من عشرين طابقا وسط المدينة ، و منهم من طلب طائرة تسجل باسمه ، ومنهم من طلب فندقا في جزيرة سياحية ... كل واحد منهم حسب ما يهواه وما يطمح إليه ، وقد تمت تلبيه طلباتهم حسب النكتة ، بعد ذلك تمنح لأصدقائهم ضعفي ما طلبوه : قصران وعمارتان وطائرتان ... صديقنا العربي/المغربي فكر كثيرا ومليا وبخبث ومكر – بعد أن لوحظ شروده وهو يحرك أصابع يده - قبل أن يطلب بشكل غريب أن تفقأ إحدى عينيه ليفقدها صديقه معا .. كل ذلك حتى لا يفوقه صاحبه في ما قدم له أو في ما يملك .. طبعا النكتة هنا قدمت بشكل كاريكاتوري ساخر - و لا تنطبق على الجميع - لكن موجودة للأسف في الواقع .. تعكس انتشار مظاهر الحسد في مجتمعنا وهو سبب من أسباب استمرار النكسات و تمظهر جلي للتخلف الاجتماعي الذي لازلنا نعيشه .. 2- عنف و توتر : في ظل المتجمعات المتخلفة يسود التوتر و تنتشر النرفزة والعداء للأخر و يقل التسامح . و من اكبر مظاهر التخلف انتشار العنف والعداء تجاه الأخر وعدم تقبله و عدم تقبل التعددية .. وكثيرا ما تحدث نزاعات تصل إلى حد إزهاق الأنفس و الأرواح حول أتفه الأمور يمكن أن يكون حادثا عرضيا كلمس شخص لأخر بكتفه .. و يكثر الغضب وتنتشر العدوانية ، فقد أصبح من المعتاد أن نجد الجيران في حالة عراك بالأيادي خاصة بين النساء ، يتجمهر حولهم العامة الذي تروقهم الفرجة المجانية ، فيستمر بعد العراك السجال والجدال والتلاسن لمدة غير يسيرة من الزمن .. كما تنتشر القسوة و التعصب الانفعالي لإجبار الأخر على الرضوخ وفق منطق الغلبة .. وتسجل متابعات قضائية لأتفه الأمور ، و يمكن للشخص أن بيع أرضه و أملاكه مخافة الهزيمة النفسية أمام الخصم .. وقد أصبح العنف " حربا للكل ضد الكل " حسب تعبير توماس هوبز . وهنا يقول: "في طبيعة الإنسان ثلاثة أسباب أساسية للصدام، الأول هو المنافسة، والثاني عدم الثقة، والثالث المجد. الأول يجعل البشر يغزون لتحقيق الكسب، والثاني من أجل الأمن، والثالث من أجل السمعة. في الأول يستخدم الناس العنف ليجعلوا من أنفسهم سادة على الآخرين وزوجاتهم وأبنائهم، وفي الثاني ليدافعوا عن أنفسهم، وفي الثالث من أجل أمور تافهة، مثل كلمة، أو ابتسامة، أو اختلاف في الرأي أو أية علامة أخرى على الحط من قيمتهم ..".. 3- حرب الطرق : حرب الطرق بدورها مظهر من مظاهر التخلف وغياب التسامح ، ففي الوقت الذي تمت إزالة الإشارات المرورية بأكملها في مدينة ألمانية نتيجة لاحترام سكانها لقانون السير .. ففي بلدنا لا تكفي الإشارات التي قد لا يعطيها المواطن أي اعتبار إلا إذا بحضور الشرطي أو الدركي .. و في النكتة كذلك شرطي حرر مخالفة لأحد السائقين الذي خرق قانون السير فسأله الشرطي بعد تسجيل المخالفة : الم ترى الإشارة ؟؟ أجابه السائق : بلى ، لقد رايتها ، لكنني لم أرك أنت !.. بل ويعتبر أمر خرق السير و غيره من القوانين من الأمور التي يتم التباهي بها فالإفلات من العقاب أصبح بطولة في المجتمعات المتخلفة .. و تجدر الإشارة إلى أن القانون لا يطبق في دولتنا وإنما يفرض ، ويتم الخوف منه و التقيد به لا الالتزام الطوعي عن رضى به . ويحدث غالبا أن يفلت منه أبناء الطبقات الميسورة و النافذون الذين يخرقونه علانية دلالة على التعالي والاستكبار والنفوذ ، و بالتالي فان الفئات الأخرى تجد لذتها في خرقه متى أتيحت لهم الفرصة لذلك ... ومن هنا يأتي تطبيق القانون بالإرغام والإخضاع والترويض والخنوع .. ولذلك لا غرابة أن يتعاون السائقون بإعلام من يقابلونه بوجود كاميرا رادار لمراقبة السرعة آو وجود الدرك في نقطة ما على الطريق عن طريق الإشارات الضوئية وغيرها للإفلات من العقاب . فنحن مجتمع يطبق القانون خوفا من العقوبات وليس لأهمية القانون في تنظيم المرور الطرقي .. ومباشرة بعد تجاوز نقطة المراقبة تتم مضاعفة السرعة وهذا مظهر من مظاهر النفاق لان الشرطة والدرك تعلم بذلك لكنهم في الغالب يعجبهم لأنه دلالة على قوتهم وخوف الآخرين منهك ماو احترامهم إياهم . 4- الخداع والتحايل والنفاق : في ظل المجتمعات المتخلفة يكثر التحايل و الخداع من قبل التجار والحرفيين ( الصنايعية والمْعْلْمين ) و غيرهم .. ويتم التباهي بذلك ، فيسمون الضحية " بالهمزة " و يبدعون في ابتكار أساليب الإيقاع بالأخر رغبة في الكسب ، يتم الغش في العمل وتزوير السلع والماركات بأساليب فنية غاية في الإبداع والدهاء ويتبادلون الخبرة في ذلك .. كما أن الكذب يصبح شائعا ومباحا أحيانا ، الكذب على الذات والكذب في القيم والتدين و في امتلاك العلم والمعرفة ، الكذب في الأخبار و الأحداث .. فينتشر الزيف والخداع و وضع الأقنعة لإخفاء الحقائق .. يتم اختلاق قصص يلعب فيها الكذاب – أحيانا - دور البطولة .. وقد كان من نتائجه انتشار النفاق الاجتماعي بشكل أفقي بين العامة و بشكل عمودي بين الحاكم والمحكوم والغني والفقير .. كما تكثر أشكال الاستغلال ومنها استغلال الراغبين في الهجرة إلى الخارج أو التحايل في التوسط للوظائف الحكومية .. و تتعدد أشكال النصب و الانتحال كما نرى في المحطات الطرقية والطرقات والتي يذهب ضحيتها ذوي النيات الحسنة والمفرطون في الطيبوبة وحتى الحاذقون أحيانا .. كل هذا ولد فئة عريضة تسترزق عن طريق النصب والاحتيال وتعتبر المكر مهنة قائمة بذاتها .. كل ذلك يؤدي إلى ضعف الثقة في الأخر و في المجتمع وتملك نظرة سوداوية عليه وعدم الإيمان بإمكانية التغيير ، بل و مقاومة كل دعوات التغيير و الإصلاح خوفا من أن تستفحل الأمور .. فيستسلم الإنسان ويرضخ للواقع بما فيه بل يصبح منخرطا في منظومة الفساد بامعية تحت ذريعة انه ليس استثناء وان الجميع يفعل ذلك .. 5- الانتقاد العشوائي : في المجتمعات المتخلفة يكثر الفعل الإنتقادي العشوائي المرتجل الذي يصدر من دون منهجية و لا استعمال للعقل ، وتنتشر العدمية وثقافة التيئيس و الامتعاض و التذمر وكثرة الشكوى لأسباب حقيقية أو تافهة مما يجعل المجتمع يصاب بالإحباط و حتى الانهيار أحيانا أمام مشاكل قد تكون حقيقية و في معظم الأحيان ناتجة عن تخوفات مرضية وضعف للثقاة في الذات وفي الأخر .. وتكرس هذه الظواهر أكثر مع انتشار الأمية و توسع فئات أشباه الأميين من خريجي المدرسة الفاشلة تربويا - مع تعثر المنظومة التعليمية - في القيام بدورها في التأطير والتكوين والتثقيف .. فيتخرج من المدارس أشخاص غير أسوياء في تفكيرهم ومهاراتهم حتى في مهارة استعمال النقد .. فينتقد الفرد مساء الفكرة التي قاتل عنها صباحا حتى دون أن يشعر ذبك .. وذلك في الحقيقة انعكاس من اضطرابات نفسية يعيشها المجتمع .. 6- الإعلام و تزييف الحقائق : في المجتمعات المتخلفة يتم التلاعب إعلاميا بالأحداث والوقائع والصور .. فتنشر صور لشخصيات عامة مرفقة بنصوص مختلقة بعيدة كل البعد عن مضمون الصورة الحقيقي كان تنشر صورة لوزير يقبل محجبة بنية مبيتة وهي في الحقيقة ابنته وتتم فبركة الربورطاجات و برامج التحقيق و اليتم التلاعب بنتائج استطلاعات الرأي وبتر التصريحات بما يخدم أجندة المفسدين في الاستمرار في النهب والاستغلال بشكل بشع ..حتى الكاميرا الخفية لم تسلم بدورها من التمويه والخداع ففي الغالب يتم تمثيلها وبثها على أنها مشاهد حقيقية .. و إعلامنا في معظمه تغيب عنه المهنية والموضوعية والحياد كما تنعدم عند بعضها المسؤولية .. و في نظري الإعلام هو المؤسسة التي تكرس أسباب الذل والهزيمة والتخلف في مجتمعاتنا
عموما هذا غيض من فيض والأكيد أن هذه المظاهر تزداد طرديا مع درجات انتشار التخلف في أي مجتمع من المجتمعات ..