شكل الحفل الذي أحياه كاظم الساهر، مساء أمس الثلاثاء، على منصة حي النهضة بالرباط، لحظة لاستعادة وهج القصيدة المزدانة بلحن يجمع بين النفس الكلاسيكي وروح التجديد الدائم التي تطبع أعمال هذا الفنان العراقي. "نسيت دائي"، "قولي أحبك"، "أكون أو لا أكون"، "أشهد"، "أحبيني" ... وغيرها، عناوين قطع حفرت اسمها عميقا في الوجدان الفني العربي المعاصر، استعاد بها "القيصر" مع جمهور الدورة 13 لمهرجان "موازين .. إيقاعات العالم" محطات فارقة في مسيرته الغنائية الناجحة، نهلت جلها من التراث الشعري للراحل نزار قباني.
وما فتئ الساهر يؤكد، عبر لقاءاته المتكررة مع الجمهور المغربي، أن الفن العربي الأصيل، كتابة ولحنا وأداء، ما يزال يحوز مكانة رفيعة لدى شرائح واسعة تقدر الإبداع الجاد والرصين، في ظل التباس مشهد موسيقي غنائي اختلطت فيه الأساليب والمرجعيات.
وبالبراعة والتمكن الاحترافي المعهودين، شاركت كاظم الساهر ليلته فرقة صلاح الشرقاوي للموسيقى العربية، التي تبرهن في تظاهرات من المستوى العالي، على كفاءة واستحقاق العازف المغربي.
وكان كاظم الساهر أعرب، في ندوة صحافية قبيل الحفل، عن سعادته بالحضور للمرة الثالثة في مهرجان "موازين" بوصفه "المهرجان الذي أتمنى ألا أغيب عنه". وقال "إن دعوتي للمهرجان تشعرني أني موجود دائما على الساحة".
وعبر، من جهة أخرى، عن أمله في تقديم أغنية مغربية موجها الدعوة إلى شعراء المغرب من أجل تعاون فني في المستقبل. وتابع، في هذا السياق، "أستطيع إجادة اللهجة المغربية، كما أني حاولت في أعمال سابقة استخدام بعض الإيقاعات المحلية واستفدت كثيرا من التراث المغربي الغني".
وعن صلته ببلده العراق وتواجده الفني هناك، أشار "القيصر" إلى أنه يتطلع إلى تقديم فنه في عراق آمن يوفر الحماية للناس، مشيرا إلى أنه كان انخرط في مشروع برمجة حفلات ذات طابع خيري في بعض مدن العراق، لكن عودة التفجيرات دفعت إلى تأجيل هذه الخطوة.
وأكثر من إحياء حفلات بالعراق، قال سفير النوايا الحسنة لمنظمة اليونيسيف إنه يسعى إلى المساهمة في تحقيق مشاريع ملموسة للبناء والإعمار في بلده، في إطار التخفيف من أوجاع الحرب.
وكشف كاظم الساهر عن الوجه الأخر لموهبته الفنية، المتمثلة في متابعة الفن التشكيلي وممارسته على سبيل الهواية، مستعيدا قصة ولعه بفناني المدرسة العراقية المعروفة في الحقل التشكيلي عربيا وعالميا، وكذا اطلاعه على أعمال رائدة لتشكيليين مغاربة.
وأتاح هذا اللقاء الصحافي تسليط الضوء على فصول من ذاكرة النجم العراقي وطفولته الصعبة في بيت صغير من غرفتين يأوي، فضلا عن الأبوين، عشرة أبناء، اضطروا مبكرا إلى تحمل المسؤولية لمساعدة الأسرة، غير أنها، في المقابل، طفولة أذكت في الفنان روح المسؤولية والتحدي لبناء شخصية تواجه المستقبل.