إننا أمام واقع إنساني غريب، اختلطت فيه الأمور والتبس فيه الحق بالباطل، وقلبت فيه الحقائق، وشاعت فيه الرذيلة وقلت فيه الفضيلة، وديست فيه الكرامة، وغيرت فيه الفطرة. فهل يا ترى فقدت البشرية رشدها، فأصبحنا لا نرى إلا عربدة السفهاء، ولا نسمع إلا خنا الجواري والولدان؟ أم هل يا ترى جن جنونها فلا نرى إلا أفعال المجانين؟ ولا نسمع إلا هذيان المخبولين؟ إن مما يشيب له الولدان ويقظ مضاجع العقلاء، ما يريد بعض السفهاء من الناس فرضه في الهيئات الدولية على العالمين تحت شعار الحرية وحقوق الإنسان، مما يسمى بالمثلية الجنسية، بذريعة كونها تدخل في الحرية التي يكفلها الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، وكونها تنسجم مع روحه وتقتضيها مبادئه. فتحايلوا على الناس وغيروا أصل تسمية هذه الفاحشة، الذي هو الشذوذ الخبيث أو اللواط والسحاق، ليكون ذلك داعيا إلى تقبلها وعدم رفضها، وأضفوا عليها صفة الإنسانية، فقدموها للناس على أنها من الحقوق التي يحق للإفراد أن يتمتعوا بها بكل حرية من غير تضييق ولا حرج، فوصفوها ب"المثلية" تخفيفا لوقعها في النفوس. إن المثلية إخلال بكرامة الإنسان وحط من إنسانيته وتقويض لأسس بناء المجتمع، فهي معول لهدم الأسرة التي هي نواة المجتمع، تلك الأسرة التي لا يمكن أن تتشكل إلا من ذكر وأنثى، وذلك المجتمع الذي لا يمكن أن يقوم ولا أن يبقى إلا بتلك الأسرة، المكونة من الرجل والمرأة. وإن اتصاف المثليين بصفات جامعة لمعاني الخسة والدناءة، من جهل وإسراف وسفه وطيش وتعد لحدود الفطرة الكونية والإنسانية، إنما يدل على زيغهم عن الحق وسلوكهم سبيل الغواية والفساد، بعيدا عن الرشد والصلاح اللذان هما أساس بناء المجتمع وصلاحه. وهذه الصفات تتنافى مع كرامة الإنسان التي تنشدها الأمم والتي أسسوا عليها ميثاق حقوق الإنسان، تلك الكرامة التي جعلوها سببا لتمتيع الإنسان بجميع الحقوق التي تتوافق مع إنسانيته، وتسمو به عن مرتبة البهائم التي لا تعقل ولا تميز إلى مرتبة الإنسان العاقل الراشد، ومن مذلة العبودية والاضطهاد والتمييز إلى شرف الحرية والعزة والكرامة، تلك الكرامة التي تقتضي تشريف الإنسان وتنزيهه عن كل ما يخل بمروءته وينقص من قدره ويفقده شهامته و عزته ورزانته. إن المثلية إذا جريمة في حق المجتمع الإنساني، وذلك على اعتبار أن مدار جميع الحقوق التي جاء الميثاق العالمي لحقوق الإنسان للمناداة بها هو تحقيق الكرامة الإنسانية، وعلى اعتبار أن المثلية إخلال بهذه الكرامة وتجريد للإنسان من فطرته الإنسانية وتقويض لمجتمعه البشري، وإخلال بقيمه ومبادئه وفضائله التي تضمن له السلامة والاستمرار. ومما يجب التنبيه إليه أن جرم "المثلية" الإنساني لم ينشأ فقط انطلاقا من كونه إخلالا بكرامة الإنسان، حيث يجرده من فطرته الإنسانية ويقوض مجتمعه البشري ويخل بقيمه ومبادئه وفضائله، التي تضمن له السلامة والاستمرار، كما لم ينشأ انطلاقا من انطباق مواصفات الجرائم ضد الإنسانية التي جاءت في نظام المحكمة الجنائية الدولية، التي حددتها في كل الأفعال المحظورة التي ترتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، وإنما منشؤه ما يلي: - كون المثلية تتضمن الفعل الفاحش (أو ما يسمى في القانون الجنائي بالعنصر المادي للجريمة) الذي يتنافى مع الفطرة الإنسانية المنسجمة مع الفطرة الكونية، التي تشترك فيها الإنسانية كلها، حيث أن المثلية تغير بهذا الفعل الفطرة الإنسانية وتشوهها. - يضاف إلى هذا ما يلازم هذا الفعل الفاحش من انحلال أخلاقي يؤدي حتما إلى الانهيار الاجتماعي "الإنساني"، و معلوم أن الانحلال الخلقي جريمة أخلاقية ضد النظام العام، في أي مجتمع إنساني، وذلك وفق الفطرة التي جبل عليها الإنسان، في طبيعته الإنسانية . - كون هذا الفعل يشكل خطرا جسيما على المجتمعات والكيانات الإنسانية، من حيث كونه يهدد نظام الأسرة "الإنسانية" التي لا يمكن أن تتكون إلا من جنسين مختلفين، أي اجتماع الذكر والأنثى، مما يفضي إلى الإخلال بنظام التناسل "الإنساني" الذي يؤول بالمجتمع "الإنساني" إلى الانهيار والفناء، إذا حرف السبيل الذي يؤدي إلى ازدياد النوع البشري. - ويعظم جرم "المثلية" بمحاولة نشرها بهذه الصورة بين الأمم تحت ذريعة الحرية الشخصية، التي تدخل في إطار حقوق الإنسان الواجبة للأفراد، حيث يتم بذلك إلحاق الضرر بالمجتمعات الإنسانية كلها، فلا تسلم المجتمعات البشرية كلها من هذا الخطر الذي يهدد وجودها، حيث يلحق الخلل والفساد أسس نظمها الاجتماعية، كنتيجة لنشر هذه الفاحشة فيها. - وعظم الجريمة يتجلى أكثر في وصفها بأنها حق من حقوق الإنسان، حيث أن هذا التمويه يصير الضرر حقا والمفسدة منفعة،لأن الحال هنا أنها بعيدة عن روح الحقوق الواجبة للإنسان، فهي مبنية على ميول شاذ مذموم يؤدي حتما إلى مفاسد صحية واجتماعية للأفراد والجماعات، في حين أن مناط الحقوق هو كل ما يحقق المصلحة ويدفع المفسدة، ويحقق الكرامة الإنسانية. - وتمويه هذا الفعل الإجرامي الذي هو الشذوذ وتبديله باسم "المثلية" دليل علي وجود القصد الجنائي في هذه الجريمة، فإرادة الجاني (وهو من ابتدع هذه التسمية الجديدة) إلى ارتكاب الجريمة مع العلم بأركانها ونتائجها متوفرة، فيكون العنصر المعنوي للجريمة متوفرا، ويتمثل في عنصري العلم والإرادة. - ولا شك أن هذه الجريمة عند المسلمين جناية عظيمة تترتب عليها عقوبة شديدة تناسب فظاعتها. إن جرم "المثلية" جدير بأن يوصف بالجريمة الإنسانية اعتبارا لخطورتها الكونية، التي تتجلى في تهديد الكيانات الاجتماعية الإنسانية، وذلك نظرا لإضفاء البعد الإنساني عليها، فهي أكثر فتكا بالإنسان من الجرائم الإنسانية التي حددها نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية، لأنها تمس نواة الكيانات الإنسانية. ويكفينا دليلا على كونها جريمة وجناية إنسانية، تدمير الله تعالى لقوم لوط الذين ابتدعوا أصل هذه الجريمة، لأنها تخالف الفطرة الإنسانية. والأحرى بالأمم التي تسعى إلى صيانة كرامة الإنسان أن تستنكر هذه الفاحشة النكراء، وأن تقف في وجه هؤلاء السفهاء الذين يلبسون المثلية ثوب الإنسانية ويعملون على نشرها بين العالمين، وذلك انتصارا للحق ودفاعا عن كرامة الإنسان وحفاظا على فطرته التي تضمن استمرار نوعه وبقاءه. ولعمري إن هذا الدور منوط بالمسلمين، الذين كلفوا بتبليغ رسالة الحق إلى العالمين، رسالة دين الفطرة التي ترشد إلى الخير وتحث عليه وتنهى عن الشر وتحذره منه، فهي السبيل الوحيد لإنقاذ الإنسانية من الهلاك، لأنها هي الفرقان الذي يميز الحق من الباطل والفضيلة من الرذيلة والعفاف من الفحشاء والمعروف من المنكر. وقد أثنى الله تعالى على هذه الأمة بهذه الخصلة فقال سبحانه:« كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ» (سورة آل عمران:110). بل يجب على كل الشرفاء في كل العالم أن يتظارفوا ويصدعوا في منبر الأمم باستنكار هذه الجريمة (الكونية)، التي يحاول السفهاء من الناس إشاعتها ونشرها في الكون، وأن يقوموا في مجتمعاتهم بالتوعية الشاملة بمخاطرها الاجتماعية والدينية والأخلاقية، وعواقبها الوخيمة، وأن يستعينوا بالوعاظ والمنصفين من الأطباء وعلماء الاجتماع، ومن أصحاب الرأي والفكر.