أول ما عرفت الأنترنت سنة 2003 كانت عموم مناقشات الإسلاميين حول غزو العراق ومعركة القاعدة ضد أمريكا وما تخللها من صراعات داخل صفوف المقاتلين ، كان عقلي مشحونا بأفكار حول قيام الساعة ونزول عيسى الوشيك وغير ذلك مما صح أو بطل ، مما كنت أراه على ساحات القتال من أمارات للساعة ! ، لكن بعد حين إنقلبت معادلة القتال إلى صراع سني - شيعي ، فكنت أشحن بأفكار سلفية لمواجهة الشيعة وأدخل المنتديات وغرف الدردشة " بالتولك " لأواجه المد الشيعي الإيراني ، ظانا أني أقدم خدمات جليلة للأمة ، إستمر ذلك لسنوات إلى أن إقتنعت تماما أن الشيعة ومنهجهم هم العدو الأساسي للأمة الإسلامية لما قرأت عنهم وسمعت لهم بما يكفي .. لكن بعد دراسة معمقة للتاريخ الإسلامي وجدت أن المعركة تتجدد دائما مئات المرات ، بأسلوب ومحاور مختلفة لكنها تصب في نفق الفتنة الطائفية ، شيعية سنية ، سنية خارجية ، أبطالها متطرفون بلا شعور سلاحها التكفير والقتل ، تتجزأ فيها الفرق حتى يصبح حبيب الأمس عدو الغد ، زيادة في صفحات تاريخ الصراع المذهبي بين المسلمين ، إقرؤوا ما فعل الشافعية بالحنفية والعكس ، بسبب عدم إحترام إختيارات الآخرين والإقتناع بأنك الطيب تريد الخير والآخر عدو يريد الشر، وواقع سوريا اليوم خير مثال ، فلن يصح إستئصال الفتنة بالمعارك الفكرية ولا بالسلاح ، ومهما جلست إلى شباب متحمس لتقنعه بعدم جدوى ما تقوم به وأن المعركة مفتعلة ، وأن الشيعة هم إخوة لنا مسلمون فيهم الصالح والطالح شأنهم شأن أهل السنة ، والجنة حكم الله لمن أحسن العمل مهما كانت عقيدته ، فدائما ستجد من يحاول إقناعك بأستذته كما كنت تقنع الآخرين بأن هذه المعركة مصيرية ، وسيظل يقاتل وينافح عن عقيدته حتى يصطدم بسنوات الضياع إن وفقه الله وتعلم ، وسيدرك أنه كان جاهلا بالواقع وكان وقوداً لفتنة عمرها 14 قرنا ولن يطفئها لا هو ولا غيره إلا بالإيمان بحرية الآخرين وإحترام مبادئهم ومعتقداتهم ، وترك النقاش والجدل نهائيا .. قد تنتهي المعركة السورية - العراقية وتبنى سوريا من جديد كما فعل بأفغانستان من قبل وبالبوسنة والهرسك قبلهما ، ومعارك بالآلاف في كتب التاريخ كان وقودها شيوخ وأمراء هذا بالأفكار وهذا بالعتاد يقتل فيه الأخ أخاه في سبيل الله ويحمل كل فرد نعش زميله ملقنا به طقوس الشهادة معلنا إياه رمز للبطولة ، وتمتد المعركة أو تقصر يتسع مجالها أو ينحصر كلها سنن الأولين لا شيئ غيرها حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لسلوكنا سبيل من قبلنا كما كانت عصور الظلام بأوربا بإسم الله والكنيسة كل قس يمنح لأتباعه صكوك الغفران ليقتل الآخرين فما زالوا كذلك حتى قام من يحمل شعلة الإنسان قبل كل شيئ والمواطنة قبل مذهبك وعرقك ، كفى دماءً فأنت أغلى من أن تسفك دمك من أجل رأي لآخر ، فإن هذا النهج سيوقعك في دركات ترى فيها الجميع عدواً ، تيقظ وعد قبل أن تندم بين يدي ربك ، وبدى لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون .