لم أخلف وعدي، لقد كذبت على جدتي وأخبرتها أن شيخ القبيلة طلب منها الذهاب إلى صندوق الاقتراع للتصويت ب"بنعم" للدستور، رافقتها فمارست حقها الطبيعي انسجاما وبنيتها الفكرية المدافعة عن ثالوثها المقدس: الله-الشرع-المخزن. لقد صوتت جدتي "بنعم" وانشرحت أساريرها من جديد، وما زادها انشراحا، ثقتها بي وباعتقادها أني قد حذوت حذوها. لقد كذبت على جدتي ، أوهمتها بأنني قد صوتت "بنعم" تلبية لرغبتها، وإنني لست عاقا وما زلت أدور في فلك بنيتها الجامدة . جدتي كباقي الأغلبية الساحقة التي تقدمت واستقدمت بشكل مباشر وغير مباشر للتصويت "بنعم" على الدستور الجديد، أكثر انشراحا لأنها حققت ما تعودت تحقيقه سابقا عند كل استحقاق دستوري. جدتي احتفت بطريقتها بالدستور الجديد رغم جهلها التام بالمعنى والمحتوى،نعم احتفت تلبية لرغبة شيخ القبيلة والقنوات الرسمية المحلية،اشعر الآن أن جدتي استرجعت مؤقتا سنوات من شبابها وإن كنت أضمر الغبن والإشفاق لحالها بقرار قراري.أخبرتها قائلا: جدتي هناك أناس قد قاطعوا الاستفتاء، وآخرون صوتوا ب"لا" للدستور. انتفضت تنهرني باشمئزاز قائلة: ابتعد عن هؤلاء "المساخيط" سينتقم منهم الله والشرع والمخزن، سينالون عقابهم في الدنيا قبل الآخرة. أشفقت لحال جدتي، لكن لما استحضرت مبادئي المتشبعة بحقوق الإنسان، رغم مواقفي السياسية الرافضة، شاركتها انشراحها وقبلت بالنتيجة المرة، لعلمي أن جدتي لازالت قياسا كسائر الجدات وكون البنية الفكرية لجدتي مترسخة، بل طالت الشباب والمثقفين والسياسيين وأشباه المثقفين والسياسيين،وخلصت أن ثمة ما يبرر استمرار هذه البنية الراسخة بين التكريس وبين المساهمين بالمقاطعة في هذا التكريس الأزلي.