الحمد لله الذي بحمده تتم الصالحات , أحمده جل و علا و أشكره , و أثني عليه و أستغفره، و أسأله المزيد من فضله و رحمته إنه جواد كريم و أصلي و أسلم على المبعوث رحمة للعالمين و على آله و صحبه أجمعين , أما بعد: ففي هذه الخاتمة أحب أن أقف مع القارئ الكريم على أهم ما توصلت إليه خلال هذا البحث من فوائد و نتائج كانت حصيلة لمسائل كثيرة. فمن ذلك: 1- أن القبر و دفن الإنسان بعد موته سنة جارية في الخليقة منذ أول ميت على وجه الأرض و هو مما أكرم الله عز و جل به بني آدم. 2- أن إعداد القبر قبل الموت بشرائه جائز , أما حفره قبل الموت لشخص معين فإن كان في مقبرة مسبلة فهو حرام , و إن كان في ملكه فهو مكروه غير مستحب. 3- اتفاق الفقهاء على جواز اللحد و الشق في القبر و إن كان اللحد أفضل و أما الشق فالراجح أنه الأفضل عند الحاجة إليه. 4- أن إعماق القبر مستحب، ليس له حد على الراجح، و المعتدل فيه إلى حد الصدر تقريبا و مما يستحب أيضا توسيع القبر و تحسينه. 5- اتفاق الفقهاء على جواز إلقاء الميت في البحر إذا تعذر الوصول به إلى الساحل و الراجح تثقيله ليرسب في البحر كما اتفقوا على كراهة التابوت و استثنى بعضهم حالة الحاجة. 6- جواز الدفن في قبر الميت إذا بلي و صار ترابا و عدم الجواز إذا لم يبل أو كان فيه عظام من الميت الأول إلا أن يكون شيئا يسيرا على الصحيح. 7- الراجح جواز أخذ الأجرة على حفر القبور كما يجوز أخذ الرزق على ذلك من بيت المال. 8- أن الأحق بدفن الرجل الرجال من الأولياء و كذا المرأة و الراجح أن أولى الناس بالمرأة زوجها و أن الرجال الأجانب أولى من النساء في دفن المرأة و أنه ليس لمن يدخل القبر حد من شفع أو وتر. 9- جواز الدفن في كل الأوقات إلا الأوقات المكروهة فلا يجوز للمتحري لها و جواز الدفن بالليل إن كان لا يفوت بذلك حق للميت. 10- أن إدخال الخشب في القبر مكروه إلا لحاجة و كذا إدخال القبر شيئا مسته النار و كذا يكره فرش القبر أو وضع مخدة تحت رأس الميت أو نحو ذلك. 11- أن الأمر في طريقة إدخال الميت القبر واسع و الأفضل هو الأسهل أما توجيه الميت إلى القبلة في القبر فهو واجب وذلك على الراجح و أما وضع الميت على جنبه الأيمن في القبر فهو مسنون بالاتفاق. 12- استحب أكثر الفقهاء إسناد الميت في قبره و وضع شيء تحت رأسه و حل عقد كفنه و نصب اللبن على لحده و الدعاء له في تلك الحال. 13- اتفاق الفقهاء على استحباب ستر قبر المرأة عند إنزالها القبر و اختلفوا في الرجل و الراجح كراهة ذلك له أما حثو التراب في القبر فالراجح استحبابه وعدم استحباب ذكر معه. 14- استحباب رفع القبر قدر شبر أو نحوه و عدم الزيادة على تراب القبر الخارج منه و على ذلك اتفاق الفقهاء و اختلفوا في التسنيم و التسطيح أيهما أفضل و الراجح أفضلية التسنيم للقبر. 15- أن رش القبر بعد الفراغ من الدفن و وضع الحصباء عليه مستحب على الراجح أما وضع الجريد و الورود على القبر فغير مشروع و كذا الكتابة على القبر و تجصيصه و البناء عليه و نحو ذلك كله حرام لا يجوز على الصحيح. 16- اتفق الفقهاء على أفضلية الدفن في المقبرة و اختلفوا في حكم الدفن في الدور و نحوها و الراجح أنه مكروه كما ذكر الفقهاء أن الأفضل أن يختار لدفن الميت أفضل مقبرة في البلد, أما دفن الميت في المساجد و نحوها كالمدارس فهو حرام لأن في ذلك تعظيما للميت المدفون. 17- أن السنة في الشهيد أن يدفن في مصرعه و لا ينقل إلى مكان آخر. 18- الراجح أن إفراد كل ميت في قبر مستحب في حال عدم الضرورة أما الضرورة فيجوز الجمع بين أكثر من ميت في القبر بالاتفاق. 19- لا يجوز أن يدفن المسلم بين ظهراني الكفار أو مقابرهم إلا أن يتعذر نقله فيدفن في بلادهم لكن في غير مقابرهم أما الكافرة الحامل من رجل مسلم فالراجح أنها تدفن منفردة و كذا الحكم فيما اختلط موتى المسلمين بالكفار. 20- اتفق الفقهاء على أنه لا يجوز أن يدفن كافر في مقابر المسلمين , ولو مات ذمي بين ظهراني المسلمين يدفنونه وفاء بذمته لكن لا يراعى فيه هدي المسلمين و سنتهم و هذا هو حكم الحربي و المرتد على الصحيح أما من جهل حاله فلم يعرف هل هو مسلم أو كافر فالنظر و الاعتبار في ذلك للدار التي هو فيها و العلامات و على ذلك الاتفاق. 21- أنه يجب دفن أجزاء الميت أو أطرافه إذا وجدت كما ينبغي دفن ما ينفصل من الحي و اتفقوا على وجوب دفن السقط إذا تبين فيه خلق الآدمي. 22- إذا أوصى الميت بالدفن في مقبرة معينة من البلد فيعمل بوصيته ما لم يكن فيها ضرر أو محذور شرعي أما إن كانت الوصية تستوجب نقل الميت من بلد الوفاة إلى بلد آخر فللعلماء في ذلك خلاف الراجح فيه أن ذلك يختلف بحسب الأحوال و الأماكن. 23- أن زيارة المقابر للرجال مستحب و ذهب إلى ذلك جماهير العلماء كما يستحب السلام على أهل المقابر و الدعاء لهم عند الزيارة أو المرور بهم و على هذا اتفق الفقهاء و الصواب أن يكون الزائر قائما مستقبل أهل المقبرة حال السلام عليهم. 24- أن زيارة النساء للمقبرة محرمة تحريما مطلقا على الراجح من أقوال العلماء. 25- أن السفر لأجل زيارة القبور محرم بل هو من البدع المحدثة في دين الإسلام و هذا هو الراجح. 26- يستحب الإكثار من زيارة القبور من غير حد و من غير وقت معين و الصواب أنه ليس هناك وقت فاضل تستحب فيه الزيارة. 27- أن زيارة مقابر الكفار جائزة لأجل الذكرى و الاعتبار بحالهم و هذا قول جمهور العلماء و لا يجوز زيارة مقابرهم لغير ذلك أما زيارة الكافر قبر قريبه المسلم فتجوز لعدم المحظور. 28- أن أكثر القبور و المشاهد الموجودة الآن و التي تزار و يقال إنها قبور لبعض الأنبياء أو الصحابة مكذوب مختلق أو مضطرب فيه و ليست معرفة القبور بأعيانها من الدين الذي تكفل الله بحفظه. 29- إن الصلاة عند القبور محرمة غير صحيحة على القول الراجح و القبر الواحد و القبور الكثيرة سواء في هذا الحكم و كذا حكم المسجد الذي بين القبور لا تصح الصلاة فيه إلا إذا أزيلت المقبرة بما يغير اسمها و إذا قصد المصلي بالصلاة عند القبر أو القبور التبرك بتلك البقعة فقد حاد الله و خالف دينه و شرعه. 30- إن الصلاة على الجنازة في المقبرة جائزة على الصحيح من أقوال العلماء ما لم يكن في ذلك ذريعة إلى تعظيم القبور. 31- عامة الفقهاء على أن الميت يصلى عليه في قبره إذا دفن من غير صلاة و الراجح جواز الصلاة على القبر لمن فاتته الصلاة على الميت بل ذلك له مستحب و ليس لذلك وقت معين لا تصح الصلاة بعده بل من كان من أهل الخطاب يوم وفاة الميت جاز له الصلاة على قبره. 32- أن الأذان عند القبر وقت إنزال الميت ليس مشروعا بل هو من البدع المنكرة. 33- مشروعية الدعاء للميت و الاستغفار له بعد دفنه كما يشرع الدعاء له عند زيارة قبره و الأفضل أن يكون مستقبل القبلة حال الدعاء أما دعاء الإنسان لنفسه عند القبر فمنهي عنه إذا تحرى ذلك و كذا ينهى عن دعاء أصحاب القبور بل ذلك شرك بالله تعالى. 34- أن قراءة القرآن عند القبر أو سور و آيات منه بدعة محدثة في الدين و من ذهب إلى جواز ذلك لم يأت بدليل ثابت. 35- أن الذبح عند القبر لا يجوز و هو من البدع المحرمة كما لا يجوز الوفاء بالنذر لذلك و لا يصح شرط ذلك في الوقف و هذا و إن كان الذبح لله عند القبر أما لو كان الذبح لصاحب القبر فهو شرك أكبر و مثل الذبح عند القبر الصدقة عنده. 36- أن التعزية عند القبر جائزة بل قد تكون مشروعة و ذلك إن لم تمنع من القيام بحق الميت و الدعاء له و لم يكن فيها محذور شرعي. 37- أن الوعظ عند زيارة القبور و الاجتماع لذلك بدعة لا يجوز أما الوعظ عند دفن الميت فهو جائز أحيانا إن لم يشغل عن القيام بحق الميت و لم يكن في الموعظة تهييج للمصيبة و الأولى عدمه فإنه هدي النبي صلى الله عليه و سلم و المعهود عنه و هو هدي السلف من بعده. 38- أن النذر للموتى أو لقبور الموتى لا يجوز بل هو شرك بالله و لو كان النذر لله و إنما قصد الناذر الإهداء للقبر فهذا لا يجوز و هو نذر معصية و على صاحبه الكفارة في أصح قولي العلماء. 39- أن وطء القبور أو المشي عليها محرم أما المشي بينها بالنعال فهو مكروه إلا من عذر و ذلك على الراجح. 40 استحباب القيام لمن تبع جنازة حتى توضع في الأرض و يكره له الجلوس قبل ذلك أما بعد وضع الجنازة فيجوز الجلوس و القيام أولى في تلك الحال على الصحيح. 41- أن الجلوس على القبر لا يجوز و كذا الاتكاء على القبر و ما في معناه و أعظم من ذلك التخلي على القبور أو بينها. 42- كراهة الحديث في أمر الدنيا في المقبرة و أشد منه الضحك عند القبور و قد اتفق الفقهاء على كراهة رفع الصوت مع الجنازة أو في المقبرة حتى لو كان ذلك بالذكر أو قراءة القرآن أو غيره كما اتفقوا على تحريم التمسح بالقبر أو تقبيله و مثل ذلك على الصحيح لمس القبر باليد لقصد السلام فهو بدعة. 43- اتفق الفقهاء على استحباب وقف الأرض المملوكة لتكون مقبرة و هو من أعمال البر و الإحسان و يحصل وقف المقبرة بالفعل مع القرائن الدالة عليه فلا يحتاج إلى قول كما لا يشترط التسليم أو القبض للزوم وقف المقبرة و لا حكم الحاكم و لا القبول لصحة الوقف و يصح وقف المشاع الذي يحتمل القسمة و لا يصح وقف ما لا يحتمل القسمة ليكون مقبرة و كل ذلك على الراجح من أقوال الفقهاء. 44- للواقف أن يدفن في المقبرة التي أوقفها بلا خلاف و إذا اشترط الواقف في وقف المقبرة أن تكون على طائفة معينة فالصحيح أنه ينظر في شرطه ذلك فقد يكون مكروها أو مباحا أو مندوبا و عليه فقد يلزم الوفاء بشرطه و قد لا يلزم. 45- أن النظر في الأوقاف العامة للمسلمين كالمقبرة يكون للحاكم أو نائبه إلا أن يعين الواقف ناظرا أو يشترطه فيكون النظر لمن اشترطه. 46- الوقف على المقابر لإصلاح أسوارها و حمايتها جائز أما الوقف على عمارة القبر أو وقف الستور للقبر أو الوقف لتنوير القبر أو تبخيره أو بناء مسجد عليه أو نحو ذلك فكله باطل لا يجوز. 47- يجوز للإنسان شراء موضع القبر و يجوز بيعه لموضع القبر إذا كان في ملكه بشروط أما بيع المقابر الموقوفة فلا يصح إلا أن تتعطل منافعها تماما و يبلى من فيها لطول الزمان فيجوز للمصلحة كما يجوز إعارة الأرض للدفن فيها و ليس للمعير أن يرجع في ذلك حتى يبلى الميت. 48- جواز بناء الأسوار على المقابر لأجل حمايتها و صيانتها و الأولى أن لا ترفع الأسوار بحيث تحجز المارة عن مشاهدة القبور و يمكن أن يستغنى عن رفع الحيطان بوضع شباك الحديد فيبنى من الحائط قدر يسير و يرفع باقيه بشباك الحديد. 49- الأفضل في مكان المقبرة أن تكون في الصحراء على جهة من البلد و يختار لها مكان صالح للحفر و الدفن. 50- مشروعية وضع الحرس على المقابر لحمايتها إذا دعت الحاجة إلى ذلك. 51- يتعين أن تبعد مغاسل الموتى عن القبور حتى لا تصل إليهم مياهها و لو كانت مغسلة الموتى في جهة بعيدة من المقبرة و لا تصل إليهم مياهها فلا حرج في ذلك لكن الأولى أن تكون مغسلة الموتى قريبة من مصلى الجنائز أو المسجد الذي يصلى فيه على الأموات. 52- عامة الفقهاء على جواز تحويل المقابر إلى أشياء أخرى إذا بلي من فيها من الأموات ما لم تكن موقوفة أما لو كانت المقبرة موقوفة فالصحيح جواز بيعها أو تحويلها إلى شيء آخر إذا بلي من فيها من الأموات لطول الزمان و تعطلت منافعها بحيث لا يدفن فيها فتجعل مسجدا أو نحوه أو يشترى بقيمتها مقبرة أخرى. 53- لا يجوز نبش القبر أو الكشف عن الميت بغير سبب أو مسوغ شرعي و من نبش القبور للسرقة فالراجح وجوب قطع يده. 54- يجب نبش القبر لحق الله تعالى كأن يكون الميت لم يغسل أو لم يكفن أو وضع لغير القبلة أو دفن المسلم في مقابر الكفار أو الكافر في مقابر المسلمين أو دفن في المسجد و نحوه أما لو دفن الميت قبل الصلاة عليه فإنه لا ينبش بل يصلى عليه في قبره. 55- يجوز نبش القبر لحق الآدمي في صور منها: أن يكون الميت دفن في أرض مغصوبة أو كفن بكفن مغصوب و تعذرت قيمته أو وقع في القبر متاع أو مال له قيمة و شح به صاحبه أو نحو ذلك و إن كان المستحب في كل هذه الصور التي يجوز فيها نبش القبر لحق الآدمي ترك ذلك احتراما للميت إلا أن يكون فيه ضرر على الحي أو إضاعة لماله. 56- يجوز نبش قبر الميت للحاجة كأن يكون في المدفن الأول ما يؤذي الميت أو كان في وجود القبر ضرر على الأحياء و سلامتهم و لا يجوز نبش القبر لغير الحاجة على الصحيح. 57- لا بأس بنبش قبور الكفار إن كان في نبشها نفع للمسلمين لأن حرمة الكفار ليست كحرمة المسلمين و كذا يباح نبش قبورهم لإخراج المال منها على الصحيح. 58- تحريم إسراج المقابر أو بناء المساجد عليها بل إن ذلك من كبائر الذنوب و هو وسيلة و ذريعة إلى الشرك و عبادة أصحاب القبور. 59- كراهة استخدام المقبرة للسكن أو النوم كما يكره الوضوء أو الاستسقاء من آبارها أما قطع الحشيش من المقبرة و ما شابهه فالصحيح جوازه و أما الرعي في المقبرة فلا يجوز. 60- يجب تفريق مقابر المسلمين عن مقابر الكفار فلا تكون قريبة منها و لا مشابهة لها و كذا مقابر أهل البدع يجب أن تميز و تعرف في البلاد حتى لا يدفن فيها أهل السنة من المسلمين. هذا والله أعلم و صلى الله و سلم على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين.