وعيا منه بأهمية إحلال السلم والأمن في إفريقيا، وتجسيدا للتوجيهات الملكية السديدة التي تؤطر تدخله في هذا الإطار، يواصل المغرب جهوده الدؤوبة لتحقيق هذا الهدف النبيل وفق رؤية متعددة الأبعاد تمزج بين المساهمة الفعلية في تدخلات الأممالمتحدة ومواكبة المسار التنموي لدول القارة عبر مشاريع ميدانية، وهو ما يعزز موقع المغرب كفاعل نشيط ونموذج يحتذى في مجال إرساء الأمن والسلم على مستوى القارة السمراء التي ما زالت مسرحا للعديد من النزاعات وبؤر التوتر. وينطلق المغرب في انخراطه في مختلف المبادرات والجهود التي يبذلها المنتظم الدولي لإرساء السلام والأمن بإفريقيا من التزام راسخ للمملكة بالحل السلمي للنزاعات طبقا للشرعية الدولية، عن طريق نهج الوساطة وتفضيل الحوار ، والمساهمة في عمليات حفظ السلام، وكذا دعم الحوار السياسي وتعزيز التعاون المشترك في مجال التنمية، وهو الالتزام الذي ما فتئ صاحب الجلالة الملك محمد السادس ، نصره الله ، يعبر عنه ويسهر على تفعيله من دون كلل، ويحظى بإشادة قوية إن على المستوى الإقليمي أو الدولي. وفي هذا الإطار، تبرز مشاركة المملكة في العديد من عمليات حفظ السلام تحت إشراف الأممالمتحدة بعدد من الدول الإفريقية من قبيل الكونغو الديمقراطية وساحل العاج وإفريقيا الوسطى، وكذا اضطلاعه بدور الوساطة بين أطراف الأزمة بمالي، إضافة إلى مختلف المشاريع الميدانية التي ما فتئ يرسيها في عدد من دول القارة بغية تعزيز مسار التنمية البشرية والحيلولة دون تنامي نزعات التطرف التي تعصف بفرص إحلال السلام والاستقرار في عدد منها. وتنبثق مختلف هذه الجهود والمبادرات من قناعة راسخة لدى المملكة عبر عنها جلالة الملك في العديد من خطب ورسائل جلالته من قبيل الرسالة السامية التي وجهها إلى المشاركين في أشغال القمة الفرنسية الإفريقية حول السلم والأمن التي احتضنتها باريس في دجنبر المنصرم، والتي أكد فيها جلالته أنه "لمواجهة التحديات المتعددة التي تهدد استقرار البلدان الإفريقية، أصبح من الضروري أكثر من أي وقت مضى، انتهاج مقاربة شاملة ومتجانسة، قادرة على التوفيق بين المطلب الأمني وبين مطالب التنمية البشرية والحفاظ على الهوية الثقافية والعقائدية". ففيما يتعلق بالمشاركة في عمليات حفظ السلام الأممية، سبق لجلالة الملك أن وصف في الرسالة التي وجهها لأفراد التجريدة المغربية التي تم إرسالها يوم 25 دجنبر المنصرم إلى جمهورية إفريقيا الوسطى للمساهمة في مهمة الأممالمتحدة بهذا البلد، هذه المساهمة بكونها مبادرة "تعزز رصيد بلدنا الكبير والغني في عمليات حفظ السلام على الصعيد العالمي، لتستمد جذورها من تقاليدنا الاسلامية والحضارية الراسخة ومن انتمائنا الافريقي المتجذر وكذا من التزام جلالتنا التاريخي بوجوب التعاون الدولي المتعدد الاطراف من أجل الحفاظ على السلم والأمن الدوليين وصيانة الوحدة الترابية والوطنية للشعوب". وقد حظي إرسال المغرب لهذه التجريدة بإشادة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي أعرب في تقرير وجهه إلى مجلس الأمن الدولي عن "امتنانه" للمغرب على العمل الذي يقوم به "من أجل استقرار إفريقيا الوسطى"، منوها بقبول المملكة إرسال قوات لتعزيز وحدة حرس الأممالمتحدة وأخذ زمام المبادرة في تشكيلة جمهورية إفريقيا الوسطى للجنة تعزيز السلام". وعلاوة على المساهمة على المستوى الأمني، يعمل المغرب على القيام بوساطات ومساع حميدة من أجل حل عدة أزمات بإفريقيا، من ضمنها المبادرة الناجحة التي قام بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس للتوصل إلى استتباب الأمن والاستقرار في حوض نهر مانو، بتنظيم قمة لرؤساء الدول الأعضاء في اتحاد حوض نهر مانو، في الرباط يوم 27 فبراير 2002، تحت إشراف الأممالمتحدة، والتي تم خلالها التوصل إلى نتائج عملية لتدعيم السلم الإقليمي، وخاصة في ما يتعلق بوضع معايير لبناء الثقة بين دول اتحاد الحوض نهر مانو، فضلا عن إطلاق دينامية جديدة لإحلال السلم بالمنطقة. ومن ضمن هذه المبادرات أيضا، الجهود التي بذلها ويبذلها المغرب لتسوية الأزمة في مالي، حيث استقبل جلالة الملك يوم 31 يناير المنصرم، السيد بلال أغ الشريف الأمين العام للحركة الوطنية لتحرير أزواد وذلك في إطار السعي إلى إقرار الامن والاستقرار، بشكل دائم، بهذا البلد الشقيق، حيث أكد جلالته بالمناسبة حرص المملكة الدائم على الحفاظ على الوحدة الترابية وعلى استقرار جمهورية مالي، وكذا ضرورة المساهمة في إيجاد حل والتوصل الى توافق كفيل بالتصدي لحركات التطرف والإرهاب التي تهدد دول الاتحاد المغاربي ومنطقة الساحل والصحراء. ولقيت هذه الجهود ترحيبا خاصا من الرئيس المالي إبراهيم بوباكار كيتا وكذا من السيد بلال أغ الشريف، حيث نوه الأول في غير ما مناسبة بالانخراط الشخصي لجلالة الملك محمد السادس لفائدة السلام والاستقرار في مالي، فيما أعرب الثاني بمناسبة استقبال جلالة الملك له عن شكره لجلالته على التزامه بالتصدي لنزوعات العنف والتطرف والإرهاب التي تهدد منطقة الساحل والصحراء. ولأن تحقيق السلم والاستقرار الدائمين، حسب الرؤية الملكية، لا يقتصر فقط على الجانب الأمني، بل يتعداه إلى ضرورة تحقيق تنمية بشرية مستدامة، فقد عمل المغرب على تنزيل مقاربة شمولية، تقوم على التحصين العقائدي ضد نزعات التطرف، وتعزيز المسلسل التنموي بعدد من الدول الإفريقية عبر تنزيل مشاريع في مجالات حيوية متعددة. فبخصوص التحصين ضد نزعات التطرف، تبرز المبادرة الملكية الريادية على المستوى القاري، والمتمثلة في قرار أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس ،خلال السنة المنصرمة تكوين 500 من الأئمة الماليين والذين بدأ بالفعل تكوين الفوج الأول منهم، وهو التكوين الذي سيمكن من نشر تعاليم الدين الإسلامي المتسمة بالوسطية في هذه المنطقة المهددة بانتشار الفكر المتطرف. وتكريسا لهذا السعي، أعطى أمير المؤمنين أيضا في بحر الأسبوع المنصرم أمره السامي المطاع، بالموافقة المبدئية على ثلاث طلبات تعاون في الشأن الديني، تقدمت بها جمهوريات تونس وليبيا وغينيا (كوناكري). وفي ما يتعلق بتعزيز المسلسل التنموي بالدول الإفريقية كإطار للتعاون جنوب - جنوب، يواصل المغرب تعزيز حضوره بإفريقيا سواء من خلال العمليات التضامنية الإنسانية والتعاون الثنائي أو متعدد الأطراف في العديد من القطاعات، وذلك في أفق تحقيق تطلعات ساكنة القارة إلى التنمية المستدامة. فعلى المستوى التضامني الإنساني، كان المغرب سباقا إلى إيفاد مستشفيات عسكرية ميدانية وتقديم دعم إنساني للعديد من الدول الإفريقية من قبيل ماليوالكونغو والكونغو الديمقراطية والنيجر وغيرها. وبخصوص التعاون المغربي الإفريقي، فهو يعرف دفعة قوية سنة بعد أخرى، وخاصة مع الجولات المتكررة التي تقود جلالة الملك لعدد من الدول الإفريقية والتي يتم خلالها التوقيع على جملة من اتفاقيات التعاون تعزز ، على الخصوص، حضور القطاع الخاص المغربي للاستثمار في إفريقيا، وتفتح المجال للشركات المغربية المتوسطة والكبرى لتوسيع استثماراتها في مجالات متعددة من قبيل النشاط البنكي، والفلاحة، والملاحة الجوية، والطاقة، والمعادن، فضلا عن قطاعات الماء والصحة والمواصلات السلكية واللاسلكية. كما تجدر الإشارة في هذا الإطار إلى قرار المغرب إلغاء الديون المغربية المستحقة على الدول الإفريقية الأقل نموا، ومساهمته في إنجاز جملة من البرامج الهادفة إلى الحد من الفقر في عدد من دول القارة. والأكيد أن مختلف هذه المبادرات والجهود كفيلة بتعزيز موقع المغرب كفاعل نشيط في إرساء السلام والأمن بإفريقيا، كما تنضاف إلى الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي انخرطت فيها المملكة خلال العشرية الأخيرة على المستوى الداخلي، والتي تعزز من دون شك مكانتها كقطب للاستقرار والتنمية في القارة برمتها.