من المعلوم أن الفيتو الذي هو في حقيقة أمره نتيجة من نتائج الحرب العالمية الثانية والذي يعتبرضمن توزيع الغنائم تحول إلى قدر محتوم يتجاسر على قدر الله عز وجل ، ولا يملك أحد رده أو رفضه مع أن العالم قد تجاوز ظروف الحرب العالمية الثانية وما تمخض عنها من وضع عالمي يعاني من اختلالات كبرى فيما يتعلق بالقرارات المتحكمة في مصير شعوب ما يسمى العالم الثالث المستضعفة . فالفيتو صار في عالم اليوم ،وهو عالم الشعوب وليس عالم القوات العسكرية وصمة عار تلحق الدول التي تستعمله ضد إرادة الشعوب المستضعفة والمظلومة ، وعلى حسابها . ولقد كانت الحرب الباردة وراء استعمال الفيتو بين معسكرين متنافسين على اقتسام الغنائم في بلدان دول العالم الثالث خصوصا العربية من أجل صنع رفاهيتها على حساب الشعوب العربية المستضعفة وغيرها من الشعوب المثيلة . ولن ينسى العالم استعمال الولاياتالمتحدة للفيتو من أجل وجود واستمرار وطغيان الكيان الصهيوني الغاصب للأرض العربية . ولقد حطمت الولاياتالمتحدة الرقم القياسي في استعمال الفيتو لصالح الكيان الصهيوني مما كرس فكرة استخدامه لدى باقي الدول المتمتعة بهذا الامتيازالجائر المشين . واليوم يشهد العالم أفظع الجرائم التي يرتكبها النظام السوري بواسطة جيش خوار لا يستطيع إطلاق رصاصة واحدة لتحرير الجولان المحتل في حين يستعمل القوة المفرطة بواسطة أسلحة محرمة الاستعمال أصلا ضد المدنيين العزل ، ومع ذلك يجد الحماية الكاملة من طرف بلدين لهما تاريخ عريق في الحكم الشمولي البوليسي والعسكري وذلك من أجل صراعهما على المصالح ضد بلدان ذات تاريخ عريق في الامبريالية والاستعمار. فروسيا والصين اللتان تلوحان باستخدام الفيتو ضد قرار إدانة النظام السوري بجرائم حرب ضد الشعب معروفتان بأساليب القمع الوحشي ضد شعبيهما . ولا زال العالم لم ينس قمع الصين لشبابها الثائر في الساحة الشهيرة ، ولا زال أيضا لم ينس قمع روسيا لشعب الشيشان ، وقمع أعضاء البرلمان . فالنظام السوري الشمولي يقتبس اليوم كما كان بالأمس أساليب القمع من النموذجين الروسي والصيني تماما كما اقتبس الكيان الصهيوني أساليب القمع من النموذج الأمريكي العنصري والاستعماري. والنظام السوري ينهج نفس النهج الصيني والروسي في التعتيم الإعلامي على جرائمه ، كما أنه ينهج نفس الأسلوب الذرائعي الصيني والروسي لتبرير استعمال العنف ، ذلك أن ثورة الشعب السوري ضد الاضطهاد صارت بفعل ذرائع النظام مجرد شغب عصابات إجرامية كما أن ثورة الشعب الشيشاني المسلم كانت مجرد ثورة عصابات إجرامية في نظر الروس . ومع وجود الفيتو وصمة العار بيد الصين وروسيا يفرض الصمت على العالم تجاه ما ترتكبانه هي والنظام السوري من جرائم ضد الإنسانية تماما كما أن الفيتو الأمريكي يمنع إدانة العالم لجرائم الكيان الصهيوني والاحتلال الأمريكي للعراق وأفغانستان وهي جرائم لا مثيل لها في تاريخ البشرية . وسكوت العالم اليوم على فظائع النظام السوري مقابل إدانة فظائع النظام الليبي كشف طغيان منطق مصالح دول الفيتو على منطق العدالة والحق والمبادىء الإنسانية . ولقد صار العالم كما كان في فترات تاريخية بغيضة عالم يسوده قانون الغاب الذي يسحق فيه الضعيف أمام قوة القوي ، ويصير ذلك أمرا واقعا ، وقيمة من قيم عالم منحط الأخلاق . فروسيا والصين بالأمس لوحتا ضد إدانة النظام الليبي بالفيتو، وبعد مفاوضات وسمسرة سياسية مكشوفة تحولتا بين عشية وضحاها من التلويح باستعمال الفيتو لحماية النظام الليبي إلى نزع الشرعية عنه. ونفس السيناريو يتكرر مع النظام السوري فالمفاوضات والسمسرة جاريان على قدم وساق من أجل الابتزاز عن طريق الفيتو قبل توقيع الصفقات الضامنة للمصالح المكشوفة. ويحدث هذا أمام أنظار العالم وقد تجاوز عدد ضحايا الشعب السوري الألف ضحية ، ومائة ألف مضطهد في المعتقلات الرهيبة . ولقد شاهد العالم تنكيل أفراد الجيش السوري بالأسرى المدنيين بما فيهم الأطفال والشيوخ والنساء دون تحريك ساكن لأن شبح الفيتو جاثم على صدر هذا العالم الساكت سكوت الشيطان الأخرس . وعلى شعوب العالم الثالث وتحديدا الشعوب العربية التي لا زالت تثق في دول الفيتو أن تبحث عن خيار يخلصها من نير هذا الفيتو الذي هو شكل بغيض من أشكال الاستعمار حل محل استعمار قوة السلاح . فالفيتو الروسي الصيني مع النظام السوري كما هو حال الفيتو الأمريكي مع الكيان الصهيوني هو منع الشعب السوري والفلسطيني من الحق في الحياة ، وفي الدفاع عن النفس ، وهو في نفس الوقت شرعنة استعمال النظام السوري والكيان الصهيوني للقوة ضد شعبين بائسين ، وهو تسليح وتشجيع على التسليح وعلى استعمال الأسلحة المحرمة ضد المدنيين العزل. وعلى الشعوب العربية أن تعلم أن جذري الفيتو الروسي والصيني هو عين جذام الفيتو الأمريكي لهذا لا بد أن تعول على الله عز وجل ناصر الشعوب المستضعفة وعلى إرادة أبنائها وعلى سلاح التضحية بالدماء من أجل غسل عار الفيتو الذي أهان الأمة العربية أكبر إهانة وأبشعها بحيث لا توجد أمة في هذا العالم لقيت ما لقيته الأمة العربية من إذلال بسبب الفيتو مما جعلها ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية أكبر غنيمة وزعتها القوى العسكرية العالمية التي خرجت منتصرة في حربها ، وكأن الأمة العربية مسؤولة عن جرائم النازية والفاشية ، فهي التي اقتطعت أرض فلسطين منها لتعطى لليهود بذريعة المحارق النازية ، وكأن هذه المحارق والتي تحيط الشكوك حول التضخيم من شأنها كما كشف ذلك الخبراء كان الفلسطينيون يسعرون نارها لهذا تم القصاص منهم ومعاقبتهم ، وكان الأولى والأجدر أن يقام الكيان الصهيوني فوق الأرض الألمانية التي يزعمون أنها كانت مسرح المحارق المنفوخ فيها لحاجة في نفس يعقوب . والفيتو الروسي ضد الشعب السوري يعني معاقبة هذا الشعب الذي تربطه عقيدة الإسلام بالشعب الشيشاني حيث يعتبر قمع النظام السوري الشمولي للشعب السوري المسلم مقابلا لقمع النظام الروسي الشمولي للشعب الشيشاني المسلم . فقدر المسلمين في هذا العالم أن يتجرعوا مرارة الفيتو مرة بالطعم الصيني الروسي ، ومرة بالطعم الأمريكي الأوروبي الغربي ، وأن يظلوا ضحايا مصالح دول الفيتو وأفضل غنائمها بعد حرب عالمية لا ناقة فيها للمسلمين ولا جمل،والتي كان بسببها الحقيقي ما حبا به الله عز وجل أرض المسلمين من خيرات أسالت ولا تزال تسيل لعاب دول الفيتو التي لا قيم لها إلا قيم المصالح المكشوفة والقذرة .