تستحق الرجاء العديد من الأسماء، فهي خضراء البيضاء أو الرجاء الشعب...الخ، كلها تسميات تجوز على فريق يعيش على أمجاد ماضيه، يجد في الماضي متعة كروية وكؤوس قارية، هذه الكؤوس ونظرا لسنوات الجفاف المتوالية أصبحت ذكرى غير قابلة لنسيان. فلم تعد الرجاء ذلك الفريق الذي يرهب الفرق الأفريقية، لقد أصبحت الآن فريقا جد متواضع، وقد يجد صعوبة في تخطي الهلال السوداني أو ما شابه ذلك. لكن رغم هذا الحاضر المتواضع للرجاء فلها من الماضي ما يستحق الذكر واستطاعت في زمان ما أن تكسب قلوب عشاق الكرة، فاستحقت اسم رجاء الشعب في الماضي، واستحق هذا الشعب في يومنا هذا اسم شغب الرجاء. يكاد يتفق جل المتتبعين للجماهير المغربية العاشقة للكرة المستديرة على حقيقة واحدة، هي أن الجمهور المغربي أصبح يفسد الحضور أكثر مما يضفي عليه جمالية، ومن بين الجماهير التي استطاعت أن تلفت الانتباه مؤخرا نذكر جمهور الرجاء، هذا الجمهور الذي يستحق اسم " الحراكة". فاذا كانت الكرة اقتصاد والهدف منها هو تحريك الأموال الراكدة، فإن معظم هذا الجمهور في أغلب تنقلاته يعتمد على بركة المتضامنين والسفر دون تذاكر في القطار. لقد أفلح جمهور الرجاء اكثر من مرة في فرض نفسه على كل المحطات الطرقية ومحطات القطار، التي تدعي التنظيم والمراقبة لتجد نفسها مخرطة بطريقة لا واعية في البحث عن مقصورات مجانية لتخليص المدينة المستقبلة من جمهور قد يعبث بأمن بالمدنية. لا زلت اتذكر كيف عبث جمهور الرجاء بالمحلات التجارية في مدينة تطوان، التي اعتقدت في البداية أنها ستجني أموال طائلة من الجماهير القادمة الى الحمامة البيضاء، لكن صدمتها كانت قوية، عندما اكتشفت أن هذا الجمهور نهب كل شيء، فضاع الربح ورأس المال وفسدت التجارة مع شغب الرجاء.ونظرا لهذه الاعتداءات المتكررة على الممتلكات الخاصة والعمومية بدأت المرافق التجارية تفضل إقفال أبوابها بدل تحريك العجلة الاقتصادية، فغالبا ما تعبث الجماهير الرجاوية وغيرها من الجماهير، ولعل الكل يتذكر ما قام به جمهور الجيش الملكي في شوارع مدينة البيضاء، هذا دون الحديث عن المعانات الأسبوعية لمدرجات الملاعب مع الكائنات المخربة ، وعن الطرق التي تلج بها الى الملاعب ما بين التسلل والتوسل. طبعا كل هذا لا يقال على كل جماهير الرجاء ففي جماهير الرجاء من يستحق احترام والتشجيع. رغم هذا الملاحظات السلبية على شعب الرجاء، فهو جمهور يمتع بلوحاته الفنية وباستعراضاته الجنونية، إنه جمهور عاشق للكرة وللفريق، لكنه وللأسف لم يتعلم يوما أن التشجيع ثقافة وفن، وأن الرياضة تجارة وسياسة. لذلك كان من العادي جدا أن يهتف جمهور الرجاء، لأنه لا يؤمن بشيء اسمه النظام والاحترام، ببساطة لأنه ليس جزء من ثقافته وسلوكه فلم يتعود على احترام الآخر سواء في المنزل أو المدرسة أو في الشارع. فالاحترام ممارسة يومية، وتقدير الآخر ثقافة اجتماعية يتربى عليها الفرد، لذلك كان توقعي صحيحا وأنا أرى شغب الرجاء، فهو لا يقوى على صمت دقيقة واحدة في حياته، فالمغاربة مثل باقي العرب ظاهرة صوتيه لا تكف عن إزعاج الوجود بصوتها، فجمهور الرجاء ببساطة لا يعرف من هو "نلسون مانديلا" حتى يقف له احتراما وتبجيلا. طبعا لو كان رونالدو أو زيدان كان من الممكن أن يصمت الجمهور لأنه يعرف من هو رونالدو ومن هو زيدان، لكن مانديلا طبعا ينتمي الى مجال السياسة وبين المغاربة والسياسة قطيعة أبدية منذ الطفولة فعندما نكون صغارا وجاهلين بالسياسة نحبها أحيانا ونذهب ضحيتها، وعندما نكبر نهجر السياسة وتقتلنا، فعذرا لجمهور الرجاء فهو لم يدرس يوما ما في مقررات الوزارة لامانديلا ولاجيفارا، لكن لا يغفر لجمهور بجهله لقانون الفيفا. فجمهور الرجاء أفلح في تقديمنا الى الجمهور العالمي ككائنات لا تعرف الاحترام ولا التقدير، ولا تؤمن بالاختلاف ولا تقوى على الاعتراف برجل قدم الكثير الى القارة السمراء، واستحق جائزة نوبل للسلام. فعدم احترام دقيقة الصمت يكشف بالملموس على أن المغرب لم يقطع بعد مع ثقافة الغوغاء والاندفاع، وأننا لم نتعلم بعد كيف نكون إنسانا باحترامنا للإنسان، فأكدنا للعالم أننا لازلنا مجتمع بدائيا وفلكلوريا، ومن الممكن في الأيام المقبلة أن نصبح وجهة للأنتربولوجين الذين سيغيرون وجهتهم من مدغشقر البعيدة الى المغرب القريب، فهو مجتمع خصب ويستحق الدراسة. هذه الرؤية الفلكلورية لم يقدمها جمهور الرجاء وحده بل سبقه في ذلك حفل الافتتاح، الذي قدم بالملموس أننا لازلنا لا نميز بعد بين تنظيم حفل الزفاف وحفل إفتتاح كأس العالم للأندية. وبما أننا لم نكتشف جديدا يذكر ولم نخترع شيئا يشكر من الممكن أن نقدمه للإنسانية ولكل متتبع لحفل الافتتاح، اقتصر منظموا الحفل على تقديم شيء يتقنه المغاربة هو الرقص والضرب على الدفوف شيء الوحيد الذي لا يستطيع تعلمه ولوج المدرسة أو المرور عبر مختبر التجارب.
فلحنا في تنظيم كأس العالم للأندية، ليس لكوننا البلد الأجمل، بل البلد الوحيد الذي أراد أن يعوض خيبة أمل كأس العالم بكأس الأندية، وبما أن هذه العرس القاري يكلف أكثر مما يمكن أن تجني منه من أرباح، لم تقدم أي دولة ترشيحها لاستضافة مونديال الأندية غير المغرب. لكن فشلنا في تقديم صورة عن مغرب متقدم ومزدهر، وعن مجتمع يحترم حقوق الإنسان ويقف دقيقة صمت ترحما على فقيد القارة السمراء، فاستحقنا اعجاب وتعجب الجماهير العالمية، وسنفلح في القريب العاجل في استقطاب العديد من الأنتربولوجين الباحثين عن مجتمعات من الممكن أن تثبت نظريتهم حول الإنسان البدائي، بعدما فشلنا في استقطاب عدد مهم من السياح الأجانب.