مزرعة الحيوان و حلم الثورة عندما سأل أحد الصحفيين إلياس العماري عن مشكلته مع بنكيران أجابه أنه يخطط منذ أيام لإعادة قراءة كتاب " حظيرة الحيوانات " لجورج أورويل ليحاول فهم بنكيران. هذا الجواب بدا لي مبهما و غامضا و لم أفهم ما الذي قصده هذا السياسي المثير للجدل بهذا الجواب المقتضب و الغير المفهوم بالنسبة إلي و ربما بالنسبة لكثير من القراء و خاصة أنني لم أكن على اضطلاع بكتاب " مزرعة الحيوان" لجورج أورويل. و لهذا وجدتني دون أن أدري أبحث عن هذا الكتاب لأقرأه و لأحاول أن أفهم بنكيران كما رآه إلياس العماري و كما أرادنا أن نفهمه. الكتاب من الكتب السياسية العميقة و الجادة و السهلة في آن واحد. و هو عبارة عن قصة قصيرة مغزاها هو كيف يمكن أن تتحول الثورة من حلم إلى كابوس. عبقرية المؤلف تتجلى في نظري في قدرته على الوقوف على بعض التفاصيل الدقيقة و البسيطة التي لا نعيرها اهتماما و لكنها تكون سببا في تغيير مجريات الأحداث رأسا على عقب. و لهذا ارتأيت تلخيص هذا الكتاب و تقديمه للقراء عبر سلسلة من المقالات المقتبسة منه و الهدف منها هو فهم واقعنا السياسي و الاجتماعي و تحليله بعيدا عن الشعارات الجوفاء و العاطفية التي تكون في الغالب مبنية على مشاعر ذاتية هي مزيج من الإحساس بالظلم و الحقد و الاعتقاد الراسخ بأن ما نشعر به هو الحقيقة المطلقة. فأحداث هذا الكتاب، تدور في مزرعة يمتلكها شخص مخمور يدعى مستر جونز، كان يتعامل بقسوة مع حيوانات مزرعته. و في إحدى الليالي، قرر الخنزير العجوز و الحكيم "ميجور" أن يجتمع مع كل الحيوانات ليحكي لهم عن منام رآه. كان الخنزير العجوز " ميجور " محترما من طرف جميع حيوانات المزرعة و لهذا جميع الحيوانات كانت مستعدة للتضحية بساعة من نومها للسماع إلى ما سيقوله الخنزير ميجور. كان أول من وصل إلى الاجتماع الكلاب الثلاث ، تبعتها الخنازير التي جلست على الفور في المقدمة قبالة المنصة، ثم الدجاج و الحمام، تلتها الأغنام و الأبقار التي استلقت وراء الخنازير و هي تجتر غذائها. بعد ذلك وصل حصانا العربة: كلوفر و بوكسر، هذا الأخير لم يكن ذكيا و لكن الجميع كانوا يكنون له الاحترام لثبات شخصيته و قدرته الهائلة على العمل. بعد الجياد وصلت العنزة البيضاء، ثم الحمار بنجامين أكبر الحيوانات في المزرعة و أسوأها مزاجا كما أنه كان نادرا ما يتكلم. بعد ذلك دخلت أفراخ البط الصغيرة التي سرعان ما استغرقت في النوم. و في الأخير جاءت موللي المهرة البلهاء البيضاء الجميلة و هي تتبختر بخفة و دلال و تمضغ حبة السكر فأخذت مكانا في الواجهة و هي تأمل أن تجذب الانتباه إليها. حضرت جميع الحيوانات باستثناء موسى الغراب الأسود الأليف الذي كان نائما في مسكنه. الخنزير الحكيم لم يشأ أن يبدأ كلامه، حتى يتأكد أولا بأن جميع الحيوانات أخذت أماكنها و أوضاعها المريحة. فهو يعرف مثلا بأن الخنازير تعجبها السلطة و لهذا تتسابق لتكون في المقدمة و يدرك أن الأبقار و الأغنام يعجبها أن تجتر طعامها ملتفة وراء الخنازير، كما أنه يعرف أن فراخ البط الصغيرة بهمها فقط تسجيل حضورها في الاجتماع و لا تجد أدنى خجل في النوم بعد ذلك، و يعرف أن المهرة البلهاء موللي لا يهمها أن تكون في المقدمة و لكن يعجبها أن تكون في الواجهة فهي لا تريد السلطة و لكن في نفس الوقت تريد أن تكون قريبة منها لتنال عطفها و امتيازاتها و هداياها. و هكذا بعد أن ألقى الخنزير العجوز نظرة فاحصة على جميع الحاضرين، ترنح و بدأ في الحديث. بيد أنه بدل أن يسرد الحلم الذي رآه و الذي من أجله دعا إلى عقد هذا الاجتماع، أخذ يلقي خطبة رنانة يرثي من خلالها حال الحيوانات في ظل الاستغلال و الاستبداد الذي تتعرض له على يد مستر جونز صاحب المزرعة، حيث العمل الشاق المتواصل المقرون بالجوع الدائم و الطعام القليل مؤكدا انه لا يوجد حيوان يعرف معنى السعادة و الراحة. و هكذا أخذ الخنزير ميجور يحرض الحيوانات على التمرد ضد الإنسان، هذا الكائن الأناني و العدو الرئيسي لجميع الحيوانات، مشددا على أهمية الثورة لاسترداد الحرية و التخلص من سيطرة الإنسان المستبد ليصبح إنتاج الحيوانات ملكا لهم فيصبحوا أثرياء و أحرار طالبا منهم أن يتذكروا أن جميع البشر أعداء و كل الحيوانات أصدقاء. سمعت الفئران هذه الخطبة الملتهبة فصدقت كلام ميجور فخرجت من جحورها فلمحتها الكلاب بغتة فعادت الفئران إلى جحورها و رفع الخنزير ميجور قدمه من أجل أن يعم الهدوء في القاعة. فطلب من جميع الحيوانات أن يصوتن فيما إذا كانت بعض الحيوانات كالفئران و الأرانب أصدقاء أم أعداء فصوت الأغلبية بأنهم أصدقاء باستثناء الكلاب الثلاث و القطة ليكتشف فيما بعد أنهم صوتوا للجانبين معا. بعد ذلك طلب منهم ميجور أن يتذكروا أن الإنسان هو العدو الوحيد للحيوانات و عليه كل من يمشي على قدمين فهو عدو و كل من يمشي على أربع فهو صديق و بأن الحيوانات لا يمكنها أن تتشبه بالإنسان أو بأساليبه. بعد ذلك جاء دور الحلم الذي كان هو السبب الرئيسي لهذا الاجتماع و لكن ميجور سرده عليهم باقتضاب قائلا بأنه كان حلما بما ستكون عليه الأرض بعد زوال الإنسان و بأنه أثناء ذلك الحلم تذكر نشيد ثوري قديم كانت تنشده له جدته كان قد نساه و لكن عاد إليه في الحلم. فأخذ يغني بحماس النشيد الثوري " وحوش إنجلترا" و تبعته الحيوانات كلها في توحد رائع و بصوت مرتفع مما أيقظ صاحب المزرعة الذي ظن أن ثعلبا تسلل إلى مزرعته فأطلق النار ببندقيته فانفض الاجتماع بسرعة وراح كل حيوان إلى مكان نومه. ألا تجدون معي أن الخنزير العجوز ميجور كان مراوغا و مخادعا لأنه كان يدرك أنه لا يقول كل الحقيقة و لكنه يقول فقط نصف الحقيقة؟ فالخنزير العجوز كذب عندما قال لحيوانات المزرعة أنه سيحكي لهم حلما رأه لأن الاجتماع بأسره لم يكن سوى " تحريض للثورة"، أما الحلم فكان مقتضبا و ضبابيا لأنه نفسه لم يكن يعرف ما ستؤول إليه الأرض لو نجحت الثورة. كما أنه كان يدرك أن ليس كل الحيوانات أصدقاء، فالكلاب و القطط لا يمكنها أن تتصاحب مع الفئران، و مع ذلك تظاهر بأن هذه القضية ستكون محسومة عبر التصويت. و للمرة الثالثة يراوغ لأنه استنتج أن الكلاب و القطط صوتت للجهتين معا، و هذا يعني أنه أدرك أن الحيوانات جاهلة و بأنها لم تفهم القصد من التصويت و مع ذلك اعتبر أن النتيجة محسومة. كنت ما زلت تحت تأثير كتاب " مزرعة الحيوان" أفكر مليا في حلم " ميجور" عندما رأيت مقالا في الصحف الإلكترونية يتحدث عن حلم المغرب الأخر، مغرب 2018 و عن حلم الثورة الكامونية، المقال حماسي و مكتوب بعناية و لا أعرف لماذا و أنا أقرأه تخيلت الخنزير العجوز "ميجور" و هو يخطب في مزرعة مستر جونز. هل لأن ميجور لخص مآسي الحيوانات في القضاء على الإنسان؟ و المقال لخص مآسي المغاربة في القضاء على المخزن؟ هل لأن المقال يراوغ و يخادع و لا يقول كل الحقيقة تماما كميجور؟