شهدت إحدى الإقامات السياحية الفاخرة بمراكش (وللإنصاف فهي من فئة الأربع وليس الخمس نجوم) تنظيم جمع سياحي عام لمناديب التعاضدية العامة لموظفي التربية الوطنية، حيث إستمتع المنتدبون وربما غيرهم بإقامة مدفوعة النفقات من جيوب المنخرطين من رجال ونساء التعليم، وهي عادة دأبت التعاضدية على نهجها منذ مدة ليست بالقصيرة... ما ميز الجمع الأخير المذكور (والذي إمتد بين 4 و7 يوليوز)، هو تقديم رئيس التعاضدية امحمد غيور لإستقالته، يوما واحدا قبل الجمع العام، من منصب تبوأه منذ 1987، أي لمدة تناهز 25 سنة من المسؤولية، والتي تقتضي حتما المحاسبة ، بل والمحاسبة الصارمة... خصوصا في ظل حديث جبهة داخلية عن تجاوزات تدبيرية خطيرة، وهو نفس الشيء الذي صدحت بها حناجر منتسبي نقابتين تعليميتين (النقابة المستقلة للتعليم والمنظمة الديموقراطية للتعليم) في وقفتهما بباب الإقامة الفاخرة حيث إنعقد الجمع... ورجوعا للتجاوزات فهي ليست حديث اليوم، بل وردت موثقة في تقرير للتفتيشية العامة للمالية سنة 2002، أي أنها تأخذ طابع الرسمية، وتعطي التفاصيل بالأرقام عن واقع تعيشه التعاضدية، وتدفعنا للتساؤل: ما دور الجهات الوصية التي وقفت متفرجة منذ توصلها بالتقرير؟ وهل الدرع النقابي للمسؤول وحاشيته وقف سدا منيعا أمام أي محاولة للمساءلة؟ تقرير المفتشية العامة للمالية والذي وقف على إختلالات التدبير الإداري والمالي لتعاضدية رجال التعليم، جاء مُدَقّقا ومُمَحّصا إلا أننا سنكتفي بذكر بعض هاته الإختلالات، نظرا لكثرتها... لقد تحدث التقرير عن تعويضات وأجور خيالية، وتوظيفات مبنية على العائلية والإنتماء النقابي. فالسيد الرئيس دأب على تحصيل تعويضات شهرية منذ توليه المنصب إلى حدود إنجاز التفتيش (من 1987 إلى 2002) تم تحديدها في 33450 درهم (أقول شهريا) أي ما يزيد عن 234 مليون سنتيم ( هذا فقط إلى حدود 2002)... مع العلم أن عمل الرئيس تطوعي ومجاني طبقا لما نص عليه 0نذاك ظهير 1963 الخاص بالتعاضد.التعويضات الشهرية إستفاد منها أعضاء من المجلس الإداري وتراوحت بين 1210 و49000 درهم، كما إستفاد منها رؤساء مكاتب الفروع بنسب مختلفة. وتحدث التقرير عن تعيينات عائلية مشبوهة، وبأجور خيالية وأحيانا لموظفين يمكن إدخالهم في خانة الأشباح.. وإنتقد ذات التقرير إستفادة شركة معينة بشكل تصاعدي من صفقات التعاضدية لتصل سنة 2002 فترة إجراء التقرير إلى أكثر من 40% من هذه الصفقات.. وليتم الكشف عن قرب مساهمها الرئيسي من مركز القرار بالتعاضدية... المهم، ما ورد في تقرير 2002 كثير وكثير جدا، ولو عمدت الجهات الوصية إلى إعتماده أرضية لإصلاح واقع التعاضدية حينها، وتجاوز إختلالاتها، لكان واقع التعاضدية العامة للتربية الوطنية اليوم أفضل بكثير. ورجوعا إلى الجمع الأخير بمراكش، والذي حمل رقم 49، فقد عرف كما سبقت الإشارة لذلك تنحي الرئيس السابق ليحل محله نائبه والكاتب العام للجامعة الوطنية للتعليم في ظل ظروف تتسم بالإحتقان، وبرداءة العرض الذي تقدمه التعاضدية، وأيضا بمؤشرات لا توحي بتغير كبير عن واقع 2002، ونحن نعيش 2013... خصوصا وأن تقارير لجنة مراقبة الحسابات، والتي تجاهلها الجمع تحدثت عن: إختلالات واسعة في التدبير، وعن تدني في الخدمات ... بعد كل هذا وذاك، هل ستصم الجهات الوصية والممثلة أساسا في وزارتي المالية والتشغيل أذانها عن دعوات الإصلاح، وتهب لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أموال ومصالح موظفي التعليم؟ وهل سيتم فتح باب محاسبة المسؤولين عن الوضع الحالي تماشيا مع ربط المسؤولية بالمحاسبة؟ أم أن شعار "عفا الله عما سلف" ساري المفعول حتى إشعار 0خر؟ وللإشارة فقط فجمع مراكش كان للمصادقة على تقرير 2010، وتم تحديد موعد دجنبر المقبل للمصادقة كما جرت العادة على السنة المحاسباتية 2011.. وحتما في مركب فاخر.. وفاخر جدا.. وطبعا من جيوب رجال ونساء التعليم