لقد ضربت حمى برامج اكتشاف المواهب كل المجتمعات العربية ، إذ تعددت و تشابكت الأفكار إلى حد التطابق دعايتها تحاصرنا أينما ولينا وجهتنا ، بعد أن انفجرت كالبركان الهادر في وجه كل الشباب العربي حتى بات لا يطيق صبرا للحاق بركبان هذه السفينة لإبراز موهبته الدفينة دون أن يسأل عن الوجهة التي تبحر إليها ؟ ما هي الأحلام التي تنتظره عند رسوها؟ لقد أضحى المجتمع العربي في خضم هذه القرون الأخيرة و كما يظهر جليا للعيان مكبا لكل الأفكار الغربية مهما كانت طبيعتها أو الهدف من ورائها ، لم نعد نتمتع بملكة الإبداع و الاختراع الهادفة بل أصبحنا نركض وراء كل جاهز ، نقلد و ننسخ كل ما تقع عليه أبصارنا أو تلتقطه أسماعنا ، تزيغ مقلتينا عند رأيتها لكل ضوء ساطع نقتفي أثره بإستعمال كل السبل المتاحة و الممكنة ، فبعد أن كنا مجتمع يبحث عن الرقي و يسعى إلى التقدم و الإزدهار بالتشجيع على التحصيل العلمي قصد الوصول إلى أعلى المستويات الثقافية المشرفة, غدونا مجتمع مغنى و رقص ، نبحث في ظل تقاعسنا و كسلنا عن كل سهل لا تعترضنا مشقة في إدراكه, قد يرى البعض أنني أغالي فيما أكتب ، إلا أن ملاحظة ما يجري داخل الساحة العربية لخير دليل على مصيبتناالعويصة هذه ، فبمجرد أت تحط الرحال إحدى قوافل إكتشاف المواهب ببقعة من بقاع العالم العربي إلا و تسترعي انتباهنا تلك الجموع الغفيرة من الشباب الذي يهب من كل صوب و حدب ، يخال أن كل أحلام طفولته و مراهقته تقدمها له هذه القافلة ، متناسيا أن وهج الأسابيع التي سيعيشها وسط تلك الأضواء البراقة سيخبو مع إسدال الستارة على الحلقة الأخيرة ، ليجد نفسه وسط دائرة مغلقة تتآكله الحسرة على ما ضاع من وقته و جهده في وهم تنطفئ شرارته بسرعة البرق لتختفي تلك الوعود الجميلة التي قابله بها حكام ذاك البرنامج معدوه و الساهرون على إخراجه ، ليتساءل في آخر المطاف حول مصيره و كيف غرته الأماني الكاذبة ؟ لما لم يضع نصب أعينه أن مخرجو هذه البرامج الوهمية قبل أن يفكروا بمصلحته فكورا أولا في جيوبهم ، و جعلوا فكرهم الرأسمالي الذي يعد الربح هدفه الحقيقي يطفوا و يطغى على مجهوداتهم في إنجاح هذه البرامج ، أما حكامها فبعد أن أصيبت أعمالهم بالكساد التام لغيابهم الفني لم يعودوا يحققون دالك الدخل الهائل من وراء بيع أسطواناتهم و بعد أصبح عالم الفن و المغنى يعج بكل من هب و دب ، فقد وجد الأغلبية منهم أن انضمامهم إلى لجنة التحكيم هو طوق النجاة الوحيد الذي سيمكنهم من البقاء في طريق الشهرة بطرق مضاعفة صامدين في وجه هذه العاصفة الهوجاء التي بدأت تقتلع جدورهم الدفينة بالأرض . لما نقلد و ننسخ كل ما يقدمه لنا الغرب ؟ لما لم نعد نبتكر كما كان أجدادنا ؟ لما أصبح الكسل والاتكال على الغير هو ملجئنا ؟