حظي ملف الأطر العليا المعطلة باهتمام خاص من طرف الحكومات السابقة التي لم تكن خلال تدبيرها للشأن العام تدخر جهدا من أجل الاستجابة للطلبات المتزايدة التي كان يشهدها سوق الشغل وذلك إيمانا منها بأهمية تشغيل تلك الكفاءات في تحريك عجلة التنمية الإقتصادية وفي ترسيخ الإستقرار الاجتماعي . لكن يلاحظ من خلال رصد آلية تعامل الحكومة الحالية مع هذا الملف أنها لا توليه العناية اللازمة رغم حساسيته ووزنه ، ذلك أنه ومنذ تولي حكومة بنكيران تدبير الشأن العام لم تضع هذا الملف في سلم أولوياتها ولم تبادر إلى تقديم أية استراتيجية واضحة المعالم للتعاطي مع ملف الخريجين الجامعيين الذين تتراكم أعدادهم كل سنة ، كما أنها لم تؤسس لحوار هادف وبناء مع ممثلي الأطر العليا التي تفاقم منسوب غليانها واحتقانها خلال السنة الجارية ، بل الأدهى والأمر من ذلك هو أنها أقدمت على التراجع عن تنفيذ التزام الحكومة السابقة بتوظيف الدفعة الثانية من الأطر العليا المعطلة المعنية بمحضر 20 يوليوز 2011 رغم أن ذلك التراجع يشكل خرقا سافرا لمبدأ ديمومة المرفق العام ، وهو الخرق الذي من شأنه أن ينزع ثقة المواطن في تعهدات الدولة والتزاماتها التي تتميز بالإستمرارية. وغير خاف أن هذه السياسة التي تعتمدها حكومة بنكيران في التعاطي مع ملف الأطر العليا بقدر ما ساهمت في إذكاء لهيب احتجاجات حاملي الشهادات العليا المعطلين في شوارع الرباط وغيرها من شوارع المدن المغربية بقدر ما عمقت من الخلاف القائم بين الطرفين الرئيسيين داخل التحالف الحكومي ، وذلك بسبب جنوح المكون الأساسي داخل الأغلبية الحكومية نحو الهيمنة والإحتكار والتفرد في اتخاذ القرار بشأن هذا الملف خصوصا وبقية الملفات عموما.ولعل سجل التصريحات النارية والخرجات الإعلامية الجريئة التي بات يطلقها من حين لآخر الأمين العام لحزب الميزان السيد حميد شباط والتي تطفح بعبارات الإستنكار والنقد الموجهة إلى السيد بنكيران ووزرائه بخصوص ملف أطر محضر 20 يوليوز يؤشر على حدة الخلاف المتفاقم بين قادة الطرفين الأساسيين داخل الأغلبية الحاكمة ، وهو الخلاف الذي يمكن أن يؤدي في حال تفاقمه إلى إحداث مزيد من التصدع في جسم التحالف الحكومي . وحري بالذكر أن السيد شباط كان قد أطلق خلال العديد من المناسبات تصريحات تنتقد موقف المكون الأساس داخل التحالف الحكومي من ملف معطلي " المحضر إذ صرح على سبيل المثال لا الحصر في إحدى المناسبات بأن "عدم تنفيذ محضر 20 يوليوز يشكل نقطة سوداء في حياة حكومة بنكيران" ، وبأن موقف بنكيران من المحضر المذكور " سيظل وصمة عار على جبين الحكومة حتى يوم القيامة " ، كما صرح في مناسبة أخرى بأن " حزب الإستقلال لن يسكت عن عدم تنفيذ الحكومة لمحضر 20 يوليوز" ، وأردف في مناسبة ثالثة قائلا "آن الوقت لتنفيذ محضر 20 يوليوز ويجب الإلتزام بذلك".ويذكر أنه سبق للسيد عادل بنحمزة النائب البرلماني والقيادي الإستقلالي أن صرح في نفس الإطار قائلا " على حكومة بنكيران الإلتزام باتفاق 20 يوليوز سياسيا وأخلاقيا"، كما صرح في السياق ذاته بأنه " لو كان عباس الفاسي قد أكمل ولايته لالتزم بتنفيذ اتفاق 20 يوليوز" . كما تجدر الإشارة إلى أن السيد عبد السلام البكاري مستشار الوزير الأول السابق الذي كان مكلفا بملف تشغيل الأطر العليا قد صرح خلال كلمته في الندوة العلمية التي نظمتها كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية أكدال بالرباط يوم 6 ماي الجاري بأنه قدم استقالته لرئاسة حكومة بنكيران بسبب رفض هذا الأخير تطبيق محضر 20 يوليوز. وعلى غرار التصريحات السالفة، سبق للسيد عبد الله البقالي عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال أن قال خلال برنامج تلفزي "بأن الحكومة مطالبة بتجسيد استمرارية العمل الحكومي وبأن تفعيل محضر 20 يوليوز يعد أمرا أساسيا ". ويبدو من خلال سرد التصريحات السابقة التي تعتبر غيضا من فيض أن أعضاء حزبي المصباح والميزان لا يتقاسمون نفس الرؤية بخصوص ملف معطلي محضر 20 يوليوز الذي بات بحسب العديد من المتتبعين ورقة وازنة يستغلها السياسيون لاعتبارات معينة . ذلك أنه في الوقت الذي يتشبث فيه أعضاء حزب الإستقلال بالمطالبة بتنفيذ محضر 20 يوليوز متحججين في ذلك بقانونيته التي لا غبار عليها ، نجد بعض قادة حزب المصباح يصرون على تعطيل ذلك التنفيذ بحجة واهية، رغم أن ذلك الإصرار قد كلفهم فاتورة باهضة الثمن من شعبيتهم ومصداقية خطابهم . ويبقى الضحايا هم الأطر العليا المعطلة المشمولة بمقتضيات ذلك المحضر الذي تعزز حضوره في الآونة الأخيرة بشكل ملفت في وسائل الإعلام بمختلف أصنافها وفي مواقع التواصل الإجتماعي ما جعله مبعث حرج للطرف الأساسي داخل التحالف الحكومي بسبب تنامي أصوات الفاعلين السياسيين وهيئات المجتمع المدني المطالبة بإحقاق حق ذوي المحضر من جهة ، وبسبب تفاقم معاناة هؤلاء الضحايا في شوارع الرباط من جهة أخرى. ويبقى الأمل معقودا على صحوة ضمير صانع القرار داخل الأغلبية الحكومية ليعيد الحق إلى أصحابه الذين سحقهم الترقب واستبد بهم الإنتظار لأكثر من سنتين .