فتح المسلمون الأندلس عام 92 هجرية الموافق لِ711ميلادية، وأقاموا فيها ثمانية قرون، بنوا خلالها مجدا وحضارة أضاءت الطريق للنهضة الأوروبية فيما بعد، لقد انتشر الإسلام في الأندلس بعد فتحها من طرف المسلمين، في عهد خلافة الأمويين التي تعتبر من أكثر دول العالم علما ومدنية وتحضرا، واستقطبت الباحثين عن العلم والمعرفة من مختلف بقاع أوروبا والعالم. لكنهم أضاعوها بسبب الصراعات وحياة التَّرَف واللهو، وكانت غرناطة آخر جواهر الأندلس التي فُقِدت عام 1492 للميلاد. • نتيجة الفوضى السياسية التي أعقبت سقوط الخلافة الأموية، انقسمت الأندلس منذ سنة 422ه/ 1031م، إلى دويلات صغيرة،(22 دويلة) يحكمُها ما يُسمى ب"ملوك الطوائف". نَشبت بين هذه الدويلات نزاعاتٌ و حروب طاحِنَة ، مما ادّى إلى ضعفها و انحطاطِها، و قد استغلّ النصارى الإسبان ، هذا الضعف الإسلامي، فوحّدوا صفوفهم من أجل مٌجابهة هذه الدويلات الضعيفة و التي وصلت حضيض الحضيض بفعل تشرذُمها و تشتُّتِها جرّاء الصّراع على السلطة و حبّ كراسي و عروش الحُكم.. • انتصر الإسبان على المسلمين في الإقليم و انتهى بهم الأمر إلى الاستسلام.. • انتهى وجود المسلمين بالأندلس مع سقوط مدينة غرناطة عام 1492 التي كانت أخر معاقل المسلمين بعد حوالي أربعة قرون من حروب شنتها ممالك الشمال المسيحية على الثغور الأندلسية فيما سُمي بحروب الاسترداد.. • و حول انهزام المسلمين في الأندلس أمام جيوش الإسبان و خروجهم منها أذِلّة يجرّون أذيال الخيبة و الاستسلام و الانكسار جاءت قصيدة الشاعر الأندلسي أبي البقاء الروندي التي يقول فيها: يا مَنْ لذلةِ قومٍ بعدَ عزَّتِهِم أحالَ حالهُمُ كفرٌ وطُغيانُ بالأمسِ كانوا ملوكًا في منازِلِهِم واليومَ همْ في بلادِ الكفرِ عُبدانُ فلو تراهمْ حيارى لا دليلَ لهمْ عليهِمُ منْ ثيابِ الذلِّ ألوانُ ولو رأيتَ بكاهُم عندَ بيعِهِمُ لهالَكَ الأمرُ واستهوتْكَ أحزانُ لمِثلِ هذا يذوبُ القلبُ من كمدٍ إنْ كانَ في القلبِ إسلامٌ وإيمانُ • فما أشبه الأمس باليوم، من حيثُ تشتت كلمة المسلمين و انبطاحهم لقوى الكفر و العُدوان و طُغاة العالَم... لقد أخذت أمريكا بزمام الأمور في المنطقة الإسلاميّة و العربيّة، و شرعت في تنفيذ مُخطّطاتِها الجهنّميّة، و بتعاوُنٍ مع الدول الغربيّة الاستعمارية.. فقد تدخّلت في العديد من البلدان العربيّة و الإسلاميّة عسكريّاً، فَدَمّرتها و أعادتها إلى الوراء قروناً عدَداً، كان تَدخُّلها في العراق مأسةً عظمى، حيث قامت خلاله بقتل و جرح للمدنيّين العُزَّل بعشرات الآلاف، كما شرّدت من الشعب عشرات الآلاف، فرضت حصارها، بعد الحرب الأولى حصاراً خانِقاً على الشعب العراقي فانتشرت بذلك المجاعة التي نتج عنها وفاة العديد من المواطنين من أطفال و نساء و شيوخ أبرياء، و بتدخّلها الثاني قضت على الحكم في العراق و نَحّت رئيسها، و حكمت عليه بالإعدام، لا لشيء سوى أنّه عمل على تطوير بلده في جميع الميادين و المجالات و حقّق لشعبه ما يصبو إليه من رُقي و ازدهار و رغَد العيش، رغم عِلّة حكمه الدكتاتوري، قد قام الرئيس صدّام حسين بتكوين عدد كبير من العلماء العُظماء في جميع صُنوف العلوم الحديثة، و الذين تمّ اغتيال العديد منهم و تهجير الآلاف منهم خارج وطنهم. لقد تركت أمريكا و الغرب العراق يتخبَّط في مشاكل عويصة بعد نهاية الحرب و لا يزال يعيش في فوضى عارمة إلى اليوم.. لقد رأت أمريكا في النظام العراقي تهديداً لمصالحها في المنطقة، نظراً لتفوُّقه على جميع دول المنطقة، من حيثُ التنمية البشريّة و الاقتصادية و الصناعيّة، خاصّةً منها الصناعات الحربيّة و التكنولوجيّة الحديثة، ممّا أثار مَخاوِف أمريكا و الغرب في بَسْط العراق سيْطَرتِه على الأنظمة في المنطقة و حِرمانها من الثروات البتروليّة و الغازيّة التي تنهَبُها بِطُرقٍ مختلفة و مُتنوّعة... • كما تدخلت أمريكا، قبل العراق، في أفغانستان تدخُّلاً أسهمَ في تدمير جميع مقوّمات الحياة فيها مِمّا نتج عن ذلك من فوضى سياسية و مشاكل اجتماعيّة عويصة، ساهمت في استحالة أيّ تقدُّم أو تطور أو ازدهار لهذا البلد، بالإضافة إلى تدخّلها في شؤون اليمن، الشيء الذي أدّى إلى حرب أهلية ذهب ضحيتَها الآلاف من أبنائه العُزّل بين قتيل و جريح، و لا يزال البلد يئنّ تحت وَطْأة الفقر المُدقع و البؤس الشديد، و لا تزال الفوضى السياسية قائمة فيه إلى اليوم. علاوة على العديد من التدخلات العسكرية الأمريكية و الغربيّة في شؤون الكثير من البلدان، الإسلاميّة و العربيّة، إمّا مباشرة أو عن طريق حلفائها في المنطقة.. • و المصيبة و الكارثة و الفضيحة الكبرى هو الصّمت الرّهيب للعرب و المُسلمين إزاء الإبادة الجماعيّة للشعب الفلسطينيّ في قطاع غزة من طرف الكيان الإسرائيلي بمساعدة الولاياتالمتحدة الأمريكيّة و معظم الدول الغربيّة التي تمُدّ إسرائيل بالمال و السلاح.. ترتكب إسرائيل أبشع الجرائم في حقّ المدنيّين الفلسطينيّين المسلمين العُزّل الذين تدُكّهم ألياتها الحربيّة ، فَفي كل يوم يَقوم الكيان بمئات المجازر البَشِعة في جميع ربوع القطاع يذهب ضحيتَها يوميّاً المِئات من المواطنين بين شهيدٍ و جَريح، كلهم أطفال و نساء و شيوخ، و من بقي منهم على قيد الحياة، فهم يعيشون حياة مُزرية بسبب الحصار المطبق على القطاع؛ فلا طعام و لا ماء و لا دواء و لا وَقود، حصار خانق ساهمت فيه بعض الدول العربية بصمْتِها و إذعانها لِما يقوم به الكيان الصهيوني من إبادة جماعية للشعب الفلسطينيّ و تجويع من بقي منهم حيّاً.. في ظل الصمت المُطبق لِملياريْن و نصف مليار مسلِم استمرّت إسرائيل في مجازِرها اليوميّة في حقّ الشعب الفلسطينيّ البريء الأعزل.. • إنّ تَشرذُم العالم الإسلامي اليوم و تشتُّت شمله و انبطاحه أمام غطرسة أمريكا و الغرب يُذكِّرنا بملوك الطوائف في الأندلس الذين كانوا يتنازعون فيما بينهم على المُلك و السلطان، مما نتجَ عنه ضعفهم و هَوانُهم و فشلهم في إدارة و تدبير شؤون البلد، الشيء الذي أدّى إلى انهزامهم أمام نصارى الإسبان، و بذلك انتهى حكمهم للبلاد بطردهم و إنهاء وجودهم في الأندلس، حيث خرجوا منها و هم يجرّون ذُيول الذّلّ و الخزي و المَهانة و التحقير..