لم يستطع المغربي ناصر بن عبد الجيل٬ وكغيره من هواة تسلق الجبال٬ أن يقاوم طويلا إغراء جبل إفرست٬ أعلى قمة جبلية في العالم٬ لينطلق في مغامرة ينشد فيها بلوغ قمة جبال الهملايا التي لم يستطع التغلب عليها إلا حوالي 4000 متسلق على مدى تسعين عاما. لا شيء كان يدل على أن هذا الشاب البيضاوي٬ الحاصل على شهادة (الإم بي إي) من المعهد الأوروبي لإدارة الأعمال٬ والمدرسة العليا للتجارة بباريس٬ سيكون من المهووسين برياضة تسلق الجبال٬ ليتخلى عن تميزه المهني٬ ويمضي نحو تحقيق حلمه الذي ظل دفينا في أعماقه طيلة سنوات٬ في تحديات متتالية استطاع التغلب عليها واحدا تلو الآخر. كانت بداية المغامرة بمعسكر جبلي بالتبت٬ الوجه الثاني للإفرست٬ حينما كان ناصر يرقب٬ مندهشا٬ نزول مجموعة من المتسلقين من أعلى الجبل. عشقه للتسلق صار بلا حدود٬ حتى وظيفته الراقية كمدير للاستثمارات بشركة للاستثمار بالعاصمة الاقتصادية للمملكة٬ لم تمنعه من أن يكرس وقته كاملا لتحقيق حلمه بخوض مغامرة تسلق القمم العالية٬ بما فيها تلك القمة بسلسلة الهملايا٬ التي توصف بكونها سقف العالم٬ والتي يصل علوها إلى 8848 مترا. حلم وعشق وهوس٬ جعل المتسلق المغربي الشاب ينخرط في ممارسة رياضات تساعده على بلوغ الهدف المنشود٬ خاصة رياضة العدو حيث شارك في ملتقيات دولية مهمة منها ماراطون باريس (195ر42 كلم)٬ ونيويورك٬ والبندقية٬ طامحا ليس فقط إلى أن يمضي بعيدا٬ بل أن يصل إلى الأعلى ويقهر أشد المنحدرات وأكثرها صعوبة. ناصر٬ الذي أطفأ شمعته الرابعة والثلاثين في شهر دجنبر الماضي٬ لن تكون رحلته هذه الأولى في عالم التسلق٬ إذ سبق وأن تسلق جبال "مون بلان" أعلى قمم جبال الألب بأوروبا (4810 متر)٬ و لنكونكاغوا في الشيلي (7962 متر) سنة 2005٬ وماكينلي بالولايات المتحدة (6194 متر) سنة 2007٬ تحدوه في ذلك الرغبة في تحدي أعلى القمم الجبلية بكل قارة. تسلق الإفرست٬ تحدي جديد يخوضه ناصر ليصبح أول مغربي يبلغ هذه القمة٬ ويرفع فيها العلم الوطني٬ ليكون بذلك قدوة للشباب المغربي حتي يتقدم ويتجاوز كل المعيقات لمواجهة تحديات وإكراهات الواقع اليومي٬ ولا يستكين للمثبطات كيفما كانت. المغامرة ستنطلق يوم الجمعة٬ برحلة جوية عبر لندن ونيودلهي نحو كاتماندو٬ ليصل إلى لوكلا٬ في عمق السلسلة الجبلية٬ على متن طائرة خفيفة٬ قبل أن يحط بأعالي السفح الجبلي عبر رحلة على الأقدام تستغرق عشرة أيام٬ يلتحق بعدها بالمعسكر الجبلي الرئيسي٬ نقطة الانطلاق نحو الحلم الكبير٬ وحيث يمكنه الاستمتاع٬ لأيام معدودة٬ بروعة الطقس الذي يميز هذه المنطقة طيلة الفترة ما بين شهري أبريل ويونيو. رحلة التسلق ستكون صعبة وطويلة تمتد لأسابيع في ظل ظروف مناخية قاسية٬ ما يستلزم استعدادات كبيرة٬ إذ لابد في مثل هذه المغامرات من المعاناة في سبيل الانتصار٬ وهي الاستعدادات التي بدأها ناصر منذ ثلاثة أشهر بمحطة أوكايمدن وجبال الألب واسكتلندا. وعلى الرغم من أن الأمر مختلف بالنسبة لتسلق الإفرست٬ إلا أنه من الضروري "الاستعداد٬ واكتساب اللياقة اللازمة لمواجهة ذروة هذا المرتفع الجبلي الذي طالما أبهر العالم". وسيقوم بن عبد الجليل بتقسيم الرحلة على أشواط٬ تبدأ برحلات إيابا وذهابا طيلة ثلاثة أسابيع بين المعسكر الرئيسي والمعسكرات الوسيطة المقامة على امتداد هذا المرتفع الجبلي لضمان تكيف أمثل مع الظروف المناخية بالمنطقة. وبعدها سيعاود النزول للمخيم الموجود بسفح الجبل لاسترجاع الأنفاس٬ وأخذ قسط من الراحة لبضعة أيام٬ ثم ينطلق في مرحلة نهائية لمغامرته هذه٬ التي سيكون فيها المتسلق المغربي مرفوقا بفريق يضم 15 متسلقا من بريطانيا والنرويج٬ ليبلغ سقف العالم نحو منتصف مايو المقبل.