إن المتتبع للشأن التربوي بالمغرب ، و الإصلاحات التي تمر عبرها المنظومة التربوية لا بد له أن يتوقف قليلا عند فئتين تعتبران من أهم عناصر هذه المنظومة بعد التلاميذ و الأساتذة ، ألا و هما هيئة الإدارة التربوية و هيئة التفتيش اللتان تساهمان في التدبير الإداري و التربوي للمؤسسات التعليمية ، كما يساهمان في تنزيل الإصلاحات التي تقوم بهما الوزارة الوصية على القطاع على أرض الواقع، و لا أحد يجادل في أهميتهما التربوية الواضحة رغم ما يقال عنهما في بعض الأحيان من كونهما مجرد عيون الوزارة التي تترصد هفوات الأساتذة. ونحن نتحدث عن "الاتفاق التاريخي" بين الحكومة الحالية و النقابات الأكثر تمثيلية و الآثار التي ترتبت عنه ، و التي لم تكن إيجابية لدى أغلبية شرائح قطاع التعليم رغم التحفيزات البراقة التي تخفي وراءها غابة من المشاكل بدأت تظهر ملامحها من خلال الوقفات الإحتجاجية التي تنظمها عديد من الفئات أمام الوزارة الوصية أو البرلمان و التي تطالب بالإنصاف و جبر الضرر و التي تنذر بموسم دراسي ساخن على إيقاع الإعتصامات و الإضرابات . و قد تجسد الأمر بوضوح في الأسيام الماضية حيث الإضرابات تتوالى منذ شهرين تقريبا. إذا حاولنا شرح مطالب كل فئة على حدة فلن يسعفنا المقال ، لذا سأكتفي بالحديث عن فئتين هما فئة المتصرفين التربويين المكلفين بالإدارة ،و فئة هيئة التفتيش اللتان تعتبران الفئتان اللتان تعول عليهما الوزارة في تنزيل مخططاتها التربوية و الإدارية من خلال تفعيل المذكرات الوزارية و الأكاديمية و الإقليمية أو التنزيل السليم للإصلاحات التي تقوم بها ، على سبيل المثال لا الحصر :" مشروع المؤسسة المندمج" " طارل" تفعيل الحياة المدرسية ، المدارس الرائدة....... و لا أحد سيجادل أن لتحقيق الأهداف من هذه المشاريع التربوية ، لا بد أن تتكامل جهود هاتين الفئتين من أجل العمل المشترك الرامي إلى جعل مصلحة الوطن و التلميذ فوق كل اعتبار, إلا أنه في الواقع ، توجد عدة اختلالات قانونية بين مهام هاتين الفئتين لابد للدولة في شخص وزارتها في التعليم أن تجد لها حلولا آنية كي لا نجد أنفسنا في تضارب للمهام و المسؤوليات تؤثر على السير العادي للمؤسسات التعليمية والتي ظهرت شراراتها الأولى الموسم الماضي ب: 1" مديرية شيشاوة " حيث كانت هناك وقفات للأطر الإدارية و مديري المؤسسات التعليمية ضد بعض تصرفات هيئة التفتيش 2– بلاغ المكتب الإقليمي للنقابة الوطنية للإدارة التربوية بالنواصر،3 فيديو المفتش التربوي بسطات..... و غيرها من الحالات التي لن نقول أنها معزولة ، بل الأكيد أنها تخفي العديد من الأسرار التي لم يتم البوح بها. و لكي نفهم الموضوع في شموليته ، لابد لنا أن نرجع بذاكرتنا إلى أيام الوزير " محمد الوفا" الذي كان من الوزراء الأوائل الذين طالبوا بتحديد مهام فئة التفتيش و التدقيق فيها ،و نتذكر جيدا مطالبته إياهم بتحديد البرنامج السنوي لمهاهم التكوينية عند بداية كل سنة دراسية،وكذا تحديد ساعات اشتغالهم الأسبوعية مع نشرها في المديريات، و لا بد للمتتبع للشأن التربوي بالمغرب أن يتذكر أيضا الزوبعة التي أثارها هذا القول عند فئة المفتشين التي ناضلت من أجل أن لا يتحقق هذا الأمر ، و قد كنت كتبت مقالا حينها في جريدة الأحداث المغربية تحت عنوان" قررات الوفا و محاربة التماسيح" بتاريخ 30 10 2012. وهذا الأمر ينسف شعار الحكامة و الشفافية التي يتغنى بها بعضهم. فالشفافية يجب أن تبدأ من نفسك إذا أردت تطبيقها على الآخرين. لنصل بعد شد و جذب إلى قرار لوزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي رقم 17-3521 الصادر في 20 من ربيع الثاني 1441 (17 ديسمبر 2019) بشأن تدقيق وتفصيل المهام المسندة لأطر التفتيش المنصوص عليها في المرسوم رقم 854-02-2 الصادر في 8 ذي الحجة 1423 (10 فبراير 2003) بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية. و رغم أن هذا القرار يحدد بصفة مدققة مهام فئة التفتيش بكل هيئاتها إلا أن البعض لا زال لم يستسغ حذف بعض المهام من تحت وصايتهم و نذكر بالخصوص قضية سحب مراقبتهم لعمل المتصرفين التربويين لأن هؤلاء الأخيرين في تكوينهم الأساس و صفتهم الإدارية لا تسمحان للمفتشين بالمراقبة ، هذا الأمر لم يكن موجودا عندما كانت الإدارة التربوية تمنح عن طريق الإسناد لأن المكلف بالإدارة وقتها لا تتغير وضعيته الإدارية بل كان يبقى أستاذا مكلفا بالإدارة و يحق لهم تكوينه، بينما لا يمكنهم ذلك مع المتصرف التربوي لأنه إطار تخرج من بعد المرور بتكوين أساس بعيد عن اختصاصات المفتشين و وضعيته تختلف عن الإسناديين. هنا لابد من التذكير أن هذا الإطار" الإسناد" لم يعد موجودا بعد المستجدات التربوية الأخيرة و جميع المكلفين بالإدارة أصبحوا متصرفين تربويين، خاصة بعد تغيير وضعيتهم القانونية. لذا و لكي ترى البعض من المفتشين ،- هذه التسمية " مفتش" يجب أن تنقرض من القاموس و الميدان التربوي لأن تحيل على وزارة الداخلية -، يتحايلون على الوضع من خلال المشاركة في لجن الإفتحاص التي تشكلها المديريات أو الأكاديميات لإبراز قوة هيئة التفتيش على حساب هيئة المتصرفين التربويين مما يجعل في بعض الأحيان الإصطدام حتميا بينهما و التضارب في الإختصاصات إشكالا قانونيا ، لذا على الوزارة التدخل العاجل لإيجاد حل له و إلا سنشهد احتقانا تربويا بين هاتين الفئتين في القادم من الأيام. وما يدفع بالمتتبع للشأن التربوي ببلادنا للتشكيك في النوايا هو كون الصراع يحتدم في الغالب في الإبتدائي بسبب التداخل في المهام بين المدير و المؤطر التربوي ، لأن المدير هو المدبر الإداري و التربوي و المالي للمؤسسة ، بينما في الإعدادي و الثانوي فالشق التربوي غالبا لا يكون من اهتمامات المدير بسبب كثرة المواد و التخصصات الدراسية و كذا وجود طاقم إداري يساعده في الأمور المالية من مقتصد و غيره. لذا ترى بعضا من المفتشين -و لا أعمم -هنا تقوم ببعض التصرفات التي تسيء إلى القطاع من قبيل التدخل في الأمور التي تدخل في صميم عمل المديرين و لا تراعي اختصاصاتهم التي يحددها القانون بل يلجؤون إلى العرف و ما كان متوافقا عليه قديما بينما أنه في المستجدات الجديدة بينما الواجب الإحتكام إلى الضوابط القانونية و إلا فكل فئة ستغني على ليلاها. لكل هذا فمن الضروري على هيئة المتصرفين التربويين أن يكون أهم مطلب لها في النظام الجديد الذي تستعد الحكومة و النقابات إلى تجويده بعد تجميد العمل به حاليا إلى أمر أساسي و مهم ألأ وهو التأكيد على استقلالية الإطار و الترافع من أجل تحصينه، وأول الأمور هو التوقف عن عمليات الإقرار في المنصب بعد النجاح في امتحان التخرج من مراكز التكوين ، و لتأخذ العبرة من هيئات أخرى في الميدان التربوي التي لا تحتاج إلى أي لجنة لإقرارها في المنصب بعد امتحان التخرج . أمر آخر لا بد من التفكير به جيدا، و هو تحديد و تفصيل المهام المنوطة بالمتصرفين التربويين بصفة واضحة مع التقليص منها أو الزيادة في التعويضات عنها، و الأمر الأهم هو تضمين هذه الزيادات في التعويضات عن الإطار و ليس مجرد تعويض عن مهام إذا أرادت الوزارة أن يكون هذا الإطار جذابا للمنتمين إليه أو يريدون تغيير إطارهم إليه كما أن الوزارة مطالبة بتحديد الخط الفاصل بين اختصاصات الهيئتين بشكل واضح و لا يمكن لجهة منهما أن تكون وصية على الأخرى، فلكل مجال اشتغاله، أما تلك التسمية الجديدة التي تفطن إليها بعض أتباع نقابة معينة لاستمالة شريحة من موظفي القطاع و الركوب عليها من طرف المفتشين للمطالبة بحق ليس من اختصاصهم فلن تزيد الوضع إلا تأزما . الصراع بين الهيئتين لا زال مستمرا و الإشارات الملتقطة تؤكد أننا سنشهد توثرا نحن في غنى عنه، و إذا كان البعض يتغنى بالحكامة فإن التوصيفات التي يحملها المخيال التعليمي للفئتين ليست بتلك الصورة الوردية التي يريد البعض تجميلها بعنتريات دونكيشوتية . الوقت ليست وقت مزايدات و الكل مدعو إلى نبذ الخلافات جانبا من أجل إنقاذ الموسم الدراسي الحالي، و على الحكومة في شخص وزارتها أن تكون يقظة و حذرة من أن تنفلت الخيوط من بين أيديها تباعا.