مرت أكثر من عشرة أيام والآلة الإسرائيلية تُمْعِن في الشعب الفلسطيني الأبي تقتيلا وتنكيلا وتهجيرا؛ ورغم أن الجزائر مع فلسطين ظالمة أو مظلومة، لم يخرج من الدولة "القارة" مواطن جزائري للتنديد بالمجازر الوحشية، إلى أن خرج مجلس الدولة الفرنسي برفض قرار الحكومة الفرنسية القاضي بحظر المظاهرات المساندة لفلسطين، أنذاك فقط خرج العسكر الجزائري بزي مدني ليتظاهر بأنه يتظاهر مع فلسطين الظالمة أو المظلومة. لا أحد يستطيع أن ينفي، أو حتى أن يشكك، في أن الجزائر ليست دولة بالمعنى الحقيقي للدولة، فقراراتها ومواقفها وكل جزئية من تفاصيل حركاتها وسكناتها إنما يصدر من قصر الإليزيه "رضي الله عنه"؛ وبالتالي، فإن الجزائر بطبيعة الحال مع إسرائيل ظالمة أو مظلومة، وإلا كيف نفسر كون الرئيس تبون، في هذه الآونة التي تحتاج إلى مواقف حازمة، لا يظهر إلا مرة واحدة وهو يستقبل سفير الدولة الفرنسية التي تساند إسرائيل قلبا وقالبا؟ وكيف نفسر أن الخارجية الجزائرية ابتلعت لسانها بعد قصف مستشفى المعمداني؟ بل كيف نبرر غياب الجزائر عن القمة العربية-الغربية التي أقيمت في مصر؟ إن لم يكن الخوف الشديد من إصدار المواقف الجريئة التي لا توافق عليها الجمهورية الفرنسية المالك الحقيقي لعقار الجزائر. حينما فاز المنتخب الجزائري على نظيره المغربي في مباراة لكرة اليد خرج تبون "رضي الله عنه" بمليون ونصف تبريكة لمنتخبه المغوار؛ إلا أنه توارى عن الأنظار حينما قتَّلت إسرائيل بضعة آلاف من الفلسطينيين وجرحت عشرات الآلاف أغلبهم نساء وأطفال، ومازالت اللائحة مرشحة لاستقبال المزيد؛ مما يدل على أن مباراة ينتصر فيها على "المروك"، أفضل لدى الرئاسة الجزائرية مليون مرة من فلسطين ومن القدس والأقصى ومن قضايا الأمة جمعاء. لم يقف العهر والجبن والنذالة والانحطاط لدى الجزائر عند الموقف غير المبالي بالقضية الفلسطينية؛ بل صارت المنقذ الأول للكيان الصهيوني الغاشم، والعون الرئيسي له لقتل الأطفال الفلسطينيين وتهجيرهم؛ فحينما وقَع هذا الكيان في أزمة غاز خانقة بعدما رفضت مصر تزويده به؛ لم يجد من ينقذه من هذه الورطة غير القوة الضاربة التي نشرت الإسلام في أوروبا، والتي كانت مهد كل ديمقراطيات العالم، على حد تعبير تبون. ومع ذلك كله، علينا أن لا نتسرع في الحكم على الجزائر، وأن نحسن الظن بها، فلعلها تريد بما فعلته أن تنشر الإسلام في غزة.