على عكس ما ظل يدعيه كابرانات الجزائر ومعهم عبد المجيد تبون الرئيس المعين، عن مناصرتهم للقضية الفلسطينية واستعدادهم الدائم للدفاع عن حقوق الفلسطينيين ودعمهم اللامشروط، وما يرفعونه من شعارات مثل "نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة"، حتى أن السفير الفلسطيني وصفه قبل أيام ب"رسول القضية الفلسطينية"، فإنهم سرعان ما أصيبوا بالخرس وافتضح أمرهم ومن يدور في فلكهم من إعلام موجه أمام ما يتعرض إليه "الغزاويون" العزل من عدوان همجي على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي، حيث التهجير والقصف العشوائي بالصواريخ والتدمير، وسط وقوع آلاف الضحايا والشهداء من الأطفال والنساء والشيوخ المدنيين الأبرياء. ذلك أن الحكومة الإسرائيلية الفاشية بقيادة المتطرف بنيامين نتنياهو لم تقو على استساغة الهجوم الذي نفذه صباح يوم السبت 7 أكتوبر 2023 مقاتلو حركة "حماس" وفصائل فلسطينية أخرى على مستوطنات غلاف غزة تحت عنوان "طوفان الأقصى"، دون أن يجديها نفعا ذلك الزخم من الأجهزة الأمنية والاستخباراتية والأسلاك الشائكة وغيرها في الحيلولة دون إطلاق آلاف الصواريخ وتوغل المجاهدين عبر البر والبحر والجو، وتفادي ذلك الكم الكبير من القتلى والجرحى والأسرى الإسرائيليين، الذي جاء ردا على سياسة إسرائيل المتسمة بالعدوانية والعنصرية، والقتل والتدمير والاعتقال العشوائي، والاستيطان ومصادرة الأراضي واعتداءات المستوطنين وتدنيس المسجد الأقصى وغيرها من الاعتداءات الهمجية المتواصلة على مدى السبعة عقود الماضية، ناهيكم عن الحصار المضروب على قطاع غزة لمدة 16 سنة، أذاق خلالها جيش الاحتلال الصهيوني أزيد من مليوني فلسطيني كل أنواع الذل والقهر والتجويع... فما كان إلا أن سارعت تل أبيب في أجواء من الغضب والرغبة في الانتقام إلى الرد العاجل من خلال حشد آلاف الجنود الرسميين والاحتياطيين وإطلاق عملية ما أسمتها "السيوف الحديدية" بهدف تدمير غزة، حيث لم يتأخر الجيش الإسرائيلي في شن غارات جوية مكثفة على القطاع أدت إلى تهجير آلاف المدنيين الأبرياء، ومازالت الغارات مستمرة في دك البيوت على رؤوس أصحابها، ولم يسلم من القصف الجنوني لا مدارس ولا دور العبادة ولا مستشفيات وسواها، حيث يصر الجيش الإسرائيلي على ملاحقة عناصر المقاومة الفلسطينية إلى آخر مقاتل في صفوف المقاومة من أجل تصفية القضية الفلسطينية... وبالعودة إلى نظام الكابرانات، نجد أنه لم يقف عند حدود الصمت المطبق أمام ما يجري من تطهير عرقي وإبادة جماعية للغزاويين أمام أنظار العالم، وإنما تعداه إلى ما هو أفظع وأسقط عنهم تلك الأقنعة، التي ظلوا يرتدونها للتضليل والاتجار بالقضية الفلسطينية ليس إلا، حيث أنه وفي الوقت الذي كانت فيه الوقفات الاحتجاجية تندد بالعدوان الإسرائيلي الهمجي، والمسيرات التضامنية تجوب شوارع المدن والعواصم في العالمين العربي والإسلامي للمطالبة بوقف الاعتداءات الصهيونية، وفي مقدمتها الرباط التي غصت شوارعها بآلاف المتظاهرين حاملين أعلاما فلسطينية ويرددون الشعارات الداعة للشعب الفلسطيني الجريح، كما في تونس والأردن ومصر وتركيا وغيرها، كان الحصار مضروبا بشدة على الشعب الجزائري الشقيق، الذي أبى نظامه العسكري إلا أن يمنعه من الخروج للتعبير عن تضامنهم مع إخوانهم الفلسطينيين في هذه الظروف العصيبة التي يمرون منها تحت النيران الحارقة، خوفا من أن تنقل تلك الوقفات والمسيرات إلى احتجاجات شعبية ضد سياسات العصابة الحاكمة ويعود الحراك الشعبي الجزائري إلى توهجه من جديد. فالنظام العسكري الجزائري لا يتقن من شيء سوى القمع والمنع، وهكذا تم اختطاف عشرات النشطاء الجزائريين ومنع أي تجمهر للاحتجاج تضامنا مع الشعب الفلسطيني أمام العمليات العسكرية الإسرائيلية المتواصلة بلا أدنى رحمة، وهو الأمر الذي يتعارض مع يدعيه الرئيس "تبون" من نصرة فلسطين "ظالمة أو مظلومة"، لا لشيء سوى أنه يحرص بإيعاز من الحاكم الفعلي "شنقريحة" على الظهور بمظهر المنقذ للشعوب المضطهدة، ومحاولة لفت الانتباه عن الفساد المستشري في البلاد وما يرتكبه الكابرانات من فضائح، والأهم من ذلك ألا يفسح المجال لأي تظاهرات سلمية حتى لا تتحول إلى مسيرات معارضة لحكم العسكر. ولا أدل على ذلك أكثر من اعتقال علي بلحاج القيادي في الجبهة الإسلامية للإنقاذ، الذي رغم كبر سنه قرر تحدي منع السلطات تنظيم وقفة احتجاجية أمام سفارة واشنطن، معتبرا أن قرار "منع الشعب الجزائري من التظاهرة نصرة لفلسطين، يعد جريمة كبرى"، ومعبرا عن رفضه إعلان الإدارة الأمريكية عن دعمها للجيش الإسرائيلي وإرسال حاملة الطائرات "جيرالد فورد" إلى المنطقة. ترى أين نحن من حديث الرئيس "تبون" أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك قبل أيام عن سعي بلاده إلى "دعم القضية الفلسطينية، لتمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه غير قابلة للتصرف. وعن مبادرة بلاده إلى توحيد الفصائل الفلسطينية، وتمسكها بإنهاء الاحتلال الذي يعد السبب الجوهري لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط"؟ إن ذات الرئيس الجزائري اكتفى فقط بإصدار بيان باهت حول تطورات الحرب على قطاع غزة، حيث أنه تحاشى إدانة الاعتداءات الإسرائيلية أو التعبير عن مساندة المقاومة الفلسطينية وجميع الفصائل، معلنا عن "تجديد تضامن بلاده الكامل حكومة وشعبا مع الشعب الفلسطيني الشقيق، وشدد على أن هذه التطورات تذكر الجميع بأن السلام العادل والشامل كخيار استراتيجي، لن يتأتى إلا من خلال إقامة دولة فلسطينية مستقلة، ذات سيادة، عاصمتها القدس الشريف وفقا لمرجعيات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية" ونسي أن يختمه بعبارته الشهيرة "تحيا الجزائر".