كشف تقرير صدر أخيراً عن مندوبية وزارة الصحة بمدينة الدارالبيضاء، العاصمة الاقتصادية للمغرب، عن أرقام بدت "صادمة" للكثيرين، حيث تم تسجيل حوالي 3000 مختل عقلياً يتجولون بكل حرية في شوارع أكبر مدينة في البلاد يتخذونها ملجأ لهم ليلاً ونهاراً. وأكد مراقبون أن تواجد هذا العدد المهول في شوارع البيضاء وحدها يعد مساساً بالأمن والاستقرار الاجتماعيين لملايين المواطنين المغاربة. وأفاد تقرير صادر عن وزارة الصحة بالدارالبيضاء بأن عدد الذين يعانون من الأمراض العقلية في هذه المدنية يبلغ حوالي 21 ألف مختل عقلي، من بينهم حوالي ثلاثة آلاف يتجولون في أزقة وشوارع المدينة دون أن يحظوا بمتابعة صحية في مراكز العلاج المتخصصة للأمراض العقلية. وكان المجلس الوطني لحقوق الإنسان قد دقّ ناقوس الخطر في تقرير ميداني له قبل أسابيع قليلة بخصوص أوضاع المختلين عقلياً في المغرب، الذين يغيب عنهم التكفل والحماية، مسجلاً وجود اختلالات في مؤسسات الطب النفسي في مجمعاتها القديمة، التي يعمّها سوء التجهيزات. وقال الدكتور عمر الدوكش، معالج أمراض نفسية وعقلية، ل"العربية.نت" إن الحديث عن حوالي 3 آلاف مختل عقلي يعيشون في شوارع الدارالبيضاء وحدها، دون احتساب آخرين يعدون بالمئات في باقي المدن المغربية، هو بمثابة قنبلة موقوتة تستوجب التساؤل عن مدى قوة وصلاحية النظام الصحي المخصص لهذه الفئة من المرضى في البلاد. ضعف فادح في العناية بالمرضى العقليين ولفت الدوكش إلى أن "المغرب يعاني بشدة من ضعف فادح في مجال العناية بالمرضى العقليين، وما يستلزم ذلك من نقص واضح في عدد الأطباء ذوي الاختصاص ومراكز العلاج المؤهلة، والبنية التحتية الكافية لإيواء هؤلاء المختلين عقلياً"، مشيراً إلى أن "المرض العقلي لا يختلف في شيء عن سائر الأمراض، بل هو أشدّها حاجة للعناية والرعاية لكون الداء يصيب عضواً حيوياً في جسم الإنسان". واستطرد الأخصائي بأن الإحصاءات الرسمية الأخيرة، التي تشير إلى توفر 27 مؤسسة حكومية لمعالجة الأمراض العقلية في البلاد، وضم القطاع العام لحوالي 170 طبيباً نفسياً فقط، هي أرقام صادمة ولا ترقى إلى مغرب القرن الواحد والعشرين حيث التركيز على الإنسان كقاطرة للتنمية البشرية. ومن جانبه حمّل الدكتور خالد السموني الشرقاوي، مدير المركز المغربي لحقوق الإنسان، المسؤولية للقطاعات الوزارية المعنية إزاء هذه الشريحة من المرضى، مضيفاً أن المُصاب بخلل عقلي يجب أن يكون مكانه في المستشفى أو في المراكز الاجتماعية المتخصصة، وليس في الشارع العام وسط المواطنين. وأردف الشرقاوي بأن تواجد أعداد كبيرة من المختلين العقليين في الشارع يهدد الأمن والاستقرار الاجتماعيين للناس، حيث هناك احتمالات واردة في حدوث اعتداءات على أطفال أو نساء، مثلما حدث منذ فترة عندما اعتدى مجنون على ابن أخيه في مدينة برشيد، والاعتداء بالسلاح الأبيض الذي سبق أن تعرّض له قائد في مدينة سلا، وحالات أخرى عديدة كان أبطالها مختلون عقليون. وشدّد الناشط الحقوقي على أن لهذه الفئة من المرضى حقوقاً لا ينبغي المساس بها، ومن ذلك الأخذ بأيدهم والاعتناء بهم خاصة من الجانب المعنوي، باعتبار أن هناك حالات من الإصابة بالخلل العقلي يمكن علاجها لأن منشأها هو مجرد الإهمال ونقص في الرعاية الأسرية والاجتماعية.