عقب بدء غزو روسيالأوكرانيا في فبراير/ شباط العام الماضي، تعطلت طرق تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود ما أدى إلى تكدس كميات كبيرة من الحبوب بلغت 20 مليون طن في موانئ البلاد. وعلى وقع ذلك وفي ضوء ارتفاع أسعار المواد الغذائية على مستوى العالم، أقدم الاتحاد الأوروبي في مايو/ أيار الماضي على إنشاء ما عُرف ب "ممرات التضامن" لضمان قدرة أوكرانيا على تصدير الحبوب عبر أراضي بلدان التكتل مع تعليق الرسوم الجمركية على المنتجات الأوكرانية. وبعد فترة وجيزة، تزايد تدفق الحبوب الأوكرانية عبر أراضي بلدان الاتحاد الأوروبي خاصة بعد أن اتهمت كييف موسكو بعرقلة تصدير الحبوب عن طريق البحر بموجب اتفاق تصدير الحبوب بوساطة أممية وتركية. لكن ذلك دفع المزارعين في بولندا إلى الاحتجاج على دخول الحبوب الأوكرانية إلى بلادهم وإغراق الأسواق المحلية بها، رغم أنه كان من المفترض أن يتم بيع هذه الحبوب خارج بلدان الاتحاد الأوروبي. وإزاء تزايد سخط المزارعين، أعلنت بلغاريا والمجر وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا، وهي الدول التي تحد أوكرانيا من الغرب، فرض قيود على استيراد الحبوب الأوكرانية فانتقدت المفوضية الأوروبية هذه الخطوة، لكنها قالت إنها ستعمل على تقديم حزمة جديدة من المساعدات للمزارعين المتضررين من "ممرات التضامن" وللخروج بإجراء مشترك. وقد تزامن هذا مع إشارات من بولندا ورومانيا بقرب رفع القيود المفروضة على الحبوب الأوكرانية. حظر واردات الحبوب الأوكرانية.. أين المشكلة؟ يرى خبراء أنه في حالة فرض حظر على واردات الحبوب الأوكرانية عبر الممرات الأوروبية المؤقتة، فإن هذا سوف يؤدي إلى رفع أسعار المواد الغذائية على مستوى العالم مرة أخرى خاصة وأن صادرات أوكرانيا تمثل 10 بالمائة من صادرات القمح العالمية و15بالمائة للذرة و13بالمائة للشعير، بحسب بيانات المفوضية الأوروبية. وقد تسبب وقف تصدير أوكرانيا للحبوب عبر البحر الأسود مع بدء الحرب في رفع أسعار المواد الغذائية إلى مستويات قياسية في فبراير/ شباط العام الماضي مما تسبب في حالة ذعر حيال الأمن الغذائي العالمي. بيد أن الأسعار عادت مؤخرا إلى مستويات ما قبل الحرب وفقا لبيانات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو). وتزامن هذا مع الغموض بشأن مصير اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود بين أوكرانياوروسيا بواسطة أممية وتركية، وسط مؤشرات بأن روسيا قد تتوقف عن الالتزام بتسهيل تصدير الحبوب رغم دعوة مجموعة الدول السبع الصناعية إلى تمديد الاتفاق. موقف الاتحاد الأوروبي؟ سارعت المفوضية الأوروبية إلى التحذير من أن القرارات التي تتعلق بالسياسة التجارية داخل التكتل يجب اتخاذها بشكل جماعي، مشددة على أن القرارات أحادية الجانب غير ممكنة. وقالت الناطقة باسم المفوضية ميريام غارسيا فيرير "في هذا السياق، من الضروري التأكيد على أن السياسة التجارية تعد اختصاصا حصريا للاتحاد الأوروبي، وبالتالي فإن أي خطوات أحادية الجانب غير مقبولة. في أوقات صعبة كهذه، يعد التنسيق والمواءمة بين جميع القرارات ضمن الاتحاد الأوروبي أمرا ضروريا". ويرى خبراء أنه من الناحية النظرية يمكن أن تتعرض الدول الأوروبية التي تفرض قيودا على واردات الحبوب الأوكرانية، لعقوبات بسبب انتهاكها قواعد الاتحاد الأوروبي، لكن المفوضية، التي تمثل الذراع التنفيذي للتكتل، تبدو أكثر اهتماما بالسعي لإيجاد حل. وفي ذلك، نُقل عن مسؤول أوروبي بارز، طلب عدم الكشف عن هويته، قوله: إن المفوضية الأوروبية تدرس تقديم حزمة جديدة من المساعدات بقيمة حوالي 100 مليون يورو (110 ملايين دولار). وكان الاتحاد الأوروبي قد قدم حزمة دعم بقيمة 56 مليون يورو للمزارعين المتضررين، بالإضافة إلى خطط دعم على مستوى البلدان الأوروبية تم تمويلها جزئيا من خلال تدابير تخفيف قواعد المساعدات الحكومية في الاتحاد الأوروبي. وبحسب مصادر أوروبية، فإن العمل ينصب حاليا على الخروج بإجراء مشترك من قبل الاتحاد الأوروبي بما يضمن وصول الحبوب الأوكرانية إلى الأسواق خارج الاتحاد الأوروبي كما هو مخطط. وكشف أحد المسؤولين عن أن أحد الخيارات المطروحة هو فرض حظر مؤقت داخل دول الجوار الأوكراني على الحبوب الأوكرانية التي لن يتم بيعها خارج التكتل، مما يسمح بالمضي قدما في تنفيذ "ممرات التضامن". الموقف الأوكراني شارك وزير الزراعة الأوكراني ميكولا سولسكي في سلسلة اجتماعات مع بلغاريا والمجر وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا، شدد خلالها على ضرورة التركيز على إحراز تقدم في المفاوضات التي تجرى مع كل دولة على حدة. وأقر الوزير الأوكراني بأن "المزارعين البولنديين باتوا في وضع صعب"، لكنه شدد على الصعاب التي تواجه قطاع الزراعة في بلاده. وقال "نؤكد أن المزارعين الأوكرانيين يواجهون أصعب وضع في الوقت الحالي، إذ يتكبدون خسائر فادحة جراء الحرب الروسية على بلادهم. ويلقى بعضهم حتفه خلال العمل في الحقول بسبب الألغام الروسية". ما مصير الدعم الأوروبي لأوكرانيا؟ ويرى مراقبون أن جُل الانتقادات البولندية والمجرية موجهة إلى الاتحاد الأوروبي وليس إلى الدعم الأوروبي لأوكرانيا، إذ تأتي على وقع الانتقاد الضمني لما تراه البلدان من تقاعس التكتل عن دعم المزارعين. يشار إلى أن بولندا تعد من أقوى الداعمين لأوكرانيا، لكن حزب القانون والعدالة القومي المحافظ الحاكم يواجه انتخابات تشريعية في وقت لاحق من العام ويرغب في حشد أصوات المزارعين. وفي هذا السياق، نشرت وزارة الزراعة في بولندا منشورا قبل أيام على صفحتها على موقع الفيسبوك جاء فيه "لقد أيقظنا الاتحاد الأوروبي!" ويحمل هذا الأمر في طياته نُذر خلافات قد يشهدها الاتحاد الأوروبي في حالة انضمام أوكرانيا إلى التكتل بعد الموافقة على منح كييف وضع "مرشح" لعضوية الاتحاد الأوروبي في يونيو/ حزيران الماضي رغم أن عملية الانضمام سوف تستغرق سنوات.