وأخيرا استطاع الشعب المصري أن يثبت للعالم أن ثورته المجيدة لم تفشل ،وأن دماء شهدائها لم تذهب هباء وان إرادة الشعب ما زالت حية ،بالرغم من بعض المحاولات اليائسة التي حاولت لمرات عدة إجهاض ثورة 25 من يناير التي أعادت للشعب المصري الديمقراطية والكرامة . بعد طول انتظار وبعد محاولات لإفشال مسلسل الإصلاح الحقيقي في مصر، أبان المصريون عن قوة إرادتهم وصوتوا لصالح الدستور بالأغلبية إيمانا منهم أن الشعب المصري على مر التاريخ لم يشهد دستورا متطورا بهذا الشكل ،حيث أكدوا عن وعيهم وأثبتوا للعالم أن مصر يمكن أن تكون نموذجا يحتدى به في الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان. مصر اليوم أكثر من أي وقت مضى أبانت عن قدرتها على صنع المفاجآت ،فبعد أن فاجأت العالم بإزاحة نظام ديكتاتوري كان قد أعاث في أرض مصر فسادا عادت، لتعطي شعوب العالم دروسا في الديمقراطية في مرحلة ما بعد الثورة التي أعادت لمصر الفرصة لتقول كلمتها ودورها في المنطقة والعالم بأسره. نقول إن المؤامرة التي كان تدبيرها يتم في الخارج ممن لديهم مصلحة في إجهاض الثورة قد فشلت ،وفشل معها حلم المتآمرين الذين أرادوا لمصر الفتنة واللاستقرار،فنتيجة الاستفتاء على الدستور التي قاربت الثلثين لم تأت من فراغ ولم تأت عبر رواية التزوير التي تعود الشعب المصري مشاهدتها قبل الثورة ،بل كانت بإرادة الشعب المصري الذي أراد الحفاظ على الثورة ومكتسباتها، التي انتقلت بالشعب المصري من غياهب الديكتاتورية إلى عهد معانقة الحرية بامتياز. لأول مرة يمكن القول أننا أمام دستور بكل ما تحمله الكلمة من معنى والذي يمكن أن نسميه ببداية العهد الجديد ،عهد الدساتير الحرة عكس تلك الدساتير التي كانت تعدها الأنظمة في جنح الظلام بعيدا عن أعين الشعب ،فالدستور الذي قدم للشعب المصري عبر استفتاء لم تشهد مصر مثيلا له عبر التاريخ ،وإن كان البعض يحاول إخفاء الشمس بالغربال حيث يحاول اعتبار الدستور الجديد مثيلا لتلك الدساتير السابقة التي هي عبارة عن رزم من قوانين التي كان النظام يسنها من أجل أن يحقق لنظامه الاستمرار والاستقرار . بعد أن فشل المتآمرون على الثورة في إقناع المصريين للتصويت ضد الدستور، حاولوا للمرة الثانية التشكيك في نزاهة الاستفتاء، لكن مصر التي عودتنا أن تسقط الفساد ورموزه بطريقة حضارية ،عادت لتوجه سهام الهزيمة لهؤلاء عبر صناديق الاقتراع التي شهد العالم على نزاهتها وأبانت عن قدرتها للتصدي لكل المحاولات المغرضة التي أرادت العودة بمصر إلى غياهب الفتنة . بعض دول الخليج هي الأخرى أصيبت بخيبة أمل بعد أن صوتت الأغلبية لصالح الدستور،حيث كانت تتمنى أن تستمر الأزمة خدمة لأهدافها التي على ما يبدو قد كشفت عنها إرادة الشعب المصري ،فهذه الدول التي طالما اعتبرت ملاذا آمنا للفلول وصانعي الفتن بقيت في حيرة من أمرها بعد أن فشلت كل محاولاتها للوقوف كحجر تعثر أمام التغيير الذي بلا شك سينتقل إليها عاجلا أم آجلا . قبل إعلان نتائج الاستفتاء على الدستور ،كنا نترقب ما ستؤول إليه هذه الأخيرة ،والتي لولا الشعب المصري الذي فطن تلك المؤامرات وأفشلها لكانت النتائج كارثية على مصر وشعبها ،ولربما دفع بمصر إلى الانتقال إلى الفوضى التي كان أعداء الثورة يخططون لها منذ سقوط النظام البائد. بعد فترة انتقالية طال أمدها والتي كانت بمثابة وبال على الشعب المصري والتي هددت بشكل كبير اقتصاده وأمنه استطاع المصريون إنقاذ مصر التي كانت على شفا كارثة قد تصيب البلاد بالشلل الكامل ،ووقفوا سدا منيعا أمام كل المؤامرات التي لا تريد لمصر أن تعانق الحرية والديمقراطية ،لأن من مصلحتهم أن تبقى الدولة المصرية غير مؤهلة للعب دورها الأساسي في المنطقة والعالم وهذا من مصلحة الأعداء الذين يحاولون الكيد لمصر ولأبنائها. الرئيس مرسي الذي تحاول زمرة النظام السابق والمعارضة شيطنته والتي كانت تخطط للانقلاب عليه هو أعطى نموذجا للعالم في الديمقراطية وحرية التعبير ، منذ توليه الحكم لم نسمع عن أي تجاوزات في حق معارضيه عكس ما كان يحدث في عهد مبارك الذي كان قد وضع كل معارضيه في غياهب السجن وأغلق باب الحريات ،بل اعتبرها أمرا محرما شرعا لا يجوز الحديث عنه. وإن كانت أغلبية الشعب المصري قد صوتت لصالح الدستور فهذا لا يعني أن الدستور هو كتاب منزل أو قرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ،بل هناك نقط ومواد يختلف عليها المصريون لا بد وأن يتم اللجوء إلى الحوار من أجل التوافق عليها ،وهذا ما أكد عليه رئيس الجمهورية محمد مرسي في خطابه بعد نتائج الاستفتاء على الدستور. كلنا أمل في أوطاننا العربية والإسلامية أن تنعم علينا الثورات بتجربة مصر، وكلنا أمل أن تنعم علينا الحياة السياسية بانتخابات نزيهة وشفافة، شبيهة بالتي وقعت في مصر، وأن نعانق الديمقراطية الحقيقية التي نحتكم فيها إلى صناديق الاقتراع وليس الديمقراطية التي يتدخل فيها الحاكم والتي غالبا ما تكون نتائجها لصالحه ،هنيئا لك أيها الشعب المصري بدستورك الجديد وهنيئا لك بحكمتك التي أفشلت كل المؤامرات ضد مصر. [email protected]