عبر المغرب والمملكة المتحدة٬ خلال السنة التي سنودعها٬ وانطلاقا من علاقتهما السياسية المتميزة والتي يؤطرها حوار استراتيجي دائم٬ عن إرادتهما المشتركة في المضي قدما نحو تسريع وتيرة شراكتهما الاقتصادية والتجارية وترجمتها إلى مبادرات ملموسة وعملية. وساهمت المؤهلات الاقتصادية المهمة التي يزخر بها المغرب٬ وما حققه من تقدم كبير في المجال تعزيز وترسيخ الديمقراطية٬ بفضل مبادرات وخطوات الملك محمد السادس٬ وذلك في سياق إقليمي تسوده عوامل الشك والقلق والتوتر٬ في تعزيز موقع ومكانة المملكة المغربية ٬ ضمن حظيرة الدول التي تسعى المملكة المتحدة إلى تطوير شراكتها الاقتصادية معها. فقد برز اسم المملكة المغربية ضمن قائمة محدودة من البلدان التي تسعى لندن إلى تطوير شراكاتها الإستراتيجية معها٬ حيث أكد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون رغبة بلاده في توسيع وتنويع المبادلات التجارية لبلاده مع المغرب. وفي هذا السياق٬ عين كاميرون في نوفمبر اللورد شارمان في منصب المبعوث التجاري البريطاني لدى المغرب. ويسعى اللورد شارمان٬ الذي شغل في وقت سابق منصب الناطق باسم الحزب الليبرالي الديمقراطي "الشريك في الائتلاف الحكومي" المكلف بالقضايا التجارية والصناعية٬ في مهامه الجديدة بالمغرب إلى السهر على ضمان تنفيذ مضامين الإستراتيجية البريطانية الجديدة الرامية إلى تعزيز وتقوية التعاون الاقتصادي و المبادلات التجارية بين المملكتين. وأشارت الحكومة البريطانية٬ إلى أن اختيارها للمغرب ضمن قلة قليلة من البلدان التي تسعى إلى تطوير شراكة إستراتيجية معها٬ راجع بالأساس إلى ما تتمتع به المملكة من موقع استراتيجي فريد قريب من أوروبا٬ إلى جانب كونها تشكل أرضية للانفتاح على الأسواق الدولية ولاسيما في شمال وغرب افريقيا. وشددت على أن الشراكة البريطانية المغربية ليست سوى امتداد للعلاقات السياسية والدبلوماسية العريقة بين المملكتين والتي تعود إلى أزيد من سبعة قرون. ويعد القطاع المالي٬ أحد القطاعات الرئيسية التي يمكن أن تشكل مجالا خصبا لتطوير الشراكة المغربية البريطانية. ذلك أنه انطلاقا من خبرتهم الواسعة وتجربتهم الكبيرة في المجال المالي٬ فإن البريطانيين يثمنون الجهود الكبيرة التي بذلها المغرب خلال السنوات الأخيرة من أجل جعل القطاع المالي ركيزة أساسية من ركائز الاقتصاد الوطني. ويعكس اتفاق التعاون الهام الذي تم توقيعه في أكتوبر الماضي بين المركز المالي للدار البيضاء "كازا فينانس سيتي" وهيئة حي المال والأعمال بمدينة لندن "ذا سيتي يو كي"٬ الأهمية التي يوليها كبار مسؤولي القطاع المالي في بريطانيا للمغرب٬ وذلك بالنظر للإمكانيات والمؤهلات التي توفرها المملكة في مجال الاستثمار وكذا استقرارها السياسي ومرونة اقتصادها. ويعد الاتفاق بين "كازا فينانس سيتي" و"ذا سيتي يو كي"٬ تتويجا للطموح القديم للشريكين في ترجمة تعاونهما بشكل عملي وملموس على أرض الواقع. ويعي المسؤولون على تدبير وإدارة هيئة حي المال والأعمال في لندن٬ أن شراكتهم الإستراتيجية مع الدارالبيضاء٬ توفر لعملائهم والشركات العاملة بالحي ٬ فرصا واعدة لولوج القارة الافريقية التي تسير في طريقها إلى أن تتحول إلى مركز اقتصادي يستقطب كبار المستثمرين الدوليين. ويعتبر القائمون على "ذا سيتي يو كي" أن ما تتمتع به الدارالبيضاء من موقع جغرافي نموذجي٬ وبنيات تحتية وتجهيزات حديثة وشبكة مرنة للاتصالات والمواصلات٬ وخبرة واسعة في المجال المالي٬ يجعلها "بوابة مثالية" بالنسبة لهم لولوج منطقة شمال وغرب افريقيا. وتشدد جميع مكونات هيئة حي المال والأعمال أن الظرف أضحى مناسبا أكثر من أي وقت مضى للانتقال بالشراكة القائمة بين لندنوالدارالبيضاء إلى المجال العملي من خلال خطوات ملموسة. ويؤكد كريس كيمينغ الرئيس التنفيذي لهيئة حي المال بمدينة لندن٬ أن الاتفاق الذي تم توقيعه بين "كازا فينانس سيتي" و "ذا سيتي يو كي"٬ يشكل منعطفا حاسما في تاريخ الهيئة التي تأسست سنة 2010 بهدف المساهمة في تدبير القطاع المالي الذي يعد مصدر فخر بالنسبة للمملكة المتحدة. وينطلق المسؤولون البريطانيون في قناعاتهم من رؤية جديدة تسعى إلى القطع مع التقاليد السابقة التي كانت تقوم على تركيز التواجد في الأسواق المالية التقليدية٬ والتي عصفت بها رياح الأزمة الاقتصادية الراهنة٬ من خلال إعادة التموقع والتوجه نحو بلدان واعدة تتمتع بقدرات كبيرة لتحقيق النمو. ومن هنا٬ فقد شكل المغرب٬ الذي يتقدم بخطوات كبيرة نحو رسم مستقبل مشرق وواعد٬ شريكا طبيعيا واستراتيجيا بالنسبة للبريطانيين٬ باعتباره قادرا على تمكين مستثمري المملكة المتحدة من الوسائل والآليات الضرورية لولوج السوق الإفريقي المجهول بالنسبة لهم إلى حد ما.