يشهد العالم سلسلة من الأحداث والتطورات العلمية المستمرة والمتجددة تخص مختلف المجالات، طفرات تغير حياة الإنسان كليا، ففي مجال الطب تم اكتشاف علاجات كثيرة لأمراض و اوبئة كانت مستعصية في القديم، و شملت أيضا مجال الفضاء، حيث هناك محاولات لمواجهة الاحتباس الحراري عن طريق تعتيم الشمس، لكن تبقى طفرة الهواتف هي الأقوى، فقد جعلت الإنسان قادر على امتلاك العالم والتحكم فيه عن بعد عن طريق زر صغير و اصبح لديه القدرة على اختراق الأماكن و الأزمنة بدون أدنى مجهود، و أصبحت مشكلته الوحيدة و هي حيرته بين جهاز قديم يركن وجديد يبهر بأحدث الإمكانيات. لكن بالرغم من كل هذه التطورات والابهارات، إلا أن هذا الجهاز الصغير متهم رئيسي في حدوث خلل اجتماعي عميق، فهو يعتبر السبب المباشر للقطيعة الإجتماعية التي نعاني منها في عصرنا الحالي، فالعالم فقد كل مظاهر المحبة و العواطف التي كانت تميز علاقاتنا مع بعض في القديم، فقد اصبحنا نعايد و نطمئن ونصبح على اهالينا فقط عن طريق التليفون برسائل قصيرة و أحيانا اختزلناها بما يسمى ب" الايموشن". الايموشن هذه اللغة المستجدة الغير الرسمية التي يتداولها العالم وخصوصا الشباب، هي بالنسبة لهم اختصارا للحوارات الطويلة فإيقاع الحياة المعاصرة هو من فرض عليهم هذه الطريقة للتواصل و كذلك هي المنجي الوحيد لمن لا يجيد التعبير او من لا يتقن استخدام قواعد اللغة، كما انها الطريقة الأسهل للتعبير عن المشاعر و الرد على المجاملات المفروضة علينا. بالرغم من أن تكنولوجيا التليفونات هي الأكثر استعمالا من الناس جميعا و الأكثر ابهارا لهم، لكنها تحمل على جبينها تهمة الإساءة الى العلاقات الإجتماعية و الإخلال بالروابط الأسرية، بسببها فقد العالم لغة التواصل المباشر التي تساعد على توطيد العلاقات و المشاعر بين الناس، لكننا أيضا لا نستطيع أن ننكر الدور الهام الذي لعبته هذه الاجهزة المتطورة منذ ظهور فيروس كورونا فقد استطاعت ان تلمع صورتها خلال فترة الحجر المنزلي و جعلت إجراءات العزل أكثر سهولة و تمكن العالم كله من التواصل و العمل من المنزل مما ساعد على التحكم في انتشار الوباء و تخفيف حجم الخسارة الاقتصادية لمعظم الشركات.
التكنولوجيا مهمة في حياتنا لكننا لا نستطيع أن ننكر اننا فقدنا جزءا هاما من مشاعرنا و لغتنا و تعابيرنا وعلاقاتنا، و ساهمت أيضا في جعل مهارات أطفالنا اكثر عرضة للتراجع بسبب عدم التفاعل وجها لوجه وساهمت أيضا في خلق جيل جديد ليس له القدرة الكافية لفهم المشاعر الإنسانية بالطريقة التي اعتدنا عليها في الزمن القديم.