خرجت المملكة المتحدة الخميس نهائياً من الاتحاد الأوروبي بعد 4 أعوام ونصف، من مسلسل بريكست، وفتحت صفحة جديدة من تاريخها وسط أزمة كبيرة تشهدها البلاد بسبب انتشار فيروس كورونا. وبعد نصف قرن من الاندماج مع الاتحاد الأوروبي، وعند ال 23:00 بالتوقيت المحلي وتوقيت غرينيتش، منتصف ليل الخميس الجمعة في بروكسل، وعلى وقع ساعة بيغ بن، أصبح بريكست واقعاً بمفعول كامل، بعدما خرجت بريطانيا رسمياً من الاتحاد الأوروبي في 31 يناير(كانون الثاني) لكنها اعتمدت مرحلة انتقالية لتخفيف تبعات هذا القرار. واعتباراً من 1 يناير (كانون الثاني) 2021، تتوقف البلاد عن تطبيق قواعد الاتحاد الأوروبي داخلها. واعتبر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الخميس، الخروج من السوق الأوروبية الموحدة "لحظة رائعة"، مؤكداً أن بلاده ستكون "مفتوحة وسخية ومنفتحة على الخارج". وقال في كلمته بمناسبة حلول السنة الجديدة: "إنها لحظة رائعة. باتت حريتنا بين أيدينا، ولنا أن نستفيد منها الى أبعد حدود". من جهته، اعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في كلمته إلى الفرنسيين الخميس بمناسبة حلول السنة الجديدة أن المملكة المتحدة تبقى "صديقتنا وحليفتنا" رغم خروجها من الاتحاد. وقال إن "بريكست كان ثمرة التململ الأوروبي، وكثير من الأكاذيب والوعود الزائفة"، مؤكداً في ما يتعلق بفرنسا أن "مصيرنا هو أوروبي أولاً". وكتب ديفيد فروست، كبير المفاوضين البريطانيين في المحادثات التجارية مع بروكسل، على تويتر "أصبحت المملكة المتحدة مجدداً دولة مستقلة تماماً". وأقر نظيره الأوروبي ميشيل بارنييه عبر إذاعة "آر تي إل" ب "بعض المرارة"، قائلاً: "لم يستطع أحد أن يُظهر لي يوماً القيمة المضافة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي". من جهتها، كتبت رئيس الوزراء الاسكتلندية نيكولا ستورجن العازمة على إجراء استفتاء آخَر على الاستقلال، على تويتر "اسكتلندا ستعود قريباً يا أوروبا". وستُواجه شركات التصدير والاستيراد، معضلة الإجراءات الجديدة، وتدابير تفتيش نقل البضائع عبر الحدود، وستخسر الشركات العاملة في مجال الخدمات المالية، وهو قطاع رئيسي في لندن، حقها في عرض خدماتها تلقائياً في الاتحاد الأوروبي، وعليها فتح مكاتب في الدول الأعضاء لتعمل فيها. وستستثنى الجامعات البريطانية من الآن وصاعداً من برنامج "إيراسموس" لتبادل الطلاب. ورغم إقرار النواب البريطانيّين النص الأربعاء، فإن النواب الأوروبيين لن يقروه إلا في الربع الأول من 2021، ما يتطلّب راهناً تطبيقاً موقتاً. ويوفر الاتفاق لبريطانيا الوصول إلى السوق الأوروبية الواسعة التي تضم 450 مليون مستهلك، دون رسوم جمركية أو نظام حصص. لكن الاتحاد الأوروبّي يحتفظ بحق فرض عقوبات، والمطالبة بتعويضات لتجنب أي منافسة غير عادلة عند الإخلال بقواعده في مجال المساعدات الحكومية، والبيئة، وحق العمل، والضرائب. وعندما دقت الساعة 23:00 مساء الخميس بالتوقيت المحلي، لم تعد المملكة المتحدة تطبق قواعد الاتّحاد الأوروبي، وانتهت حرية تنقل أكثر من 500 مليون شخص بين بريطانيا و27 دولة في الاتحاد الأوروبي. إلا أن جبل طارق، الجيب البريطاني قبالة سواحل جنوب إسبانيا، يبقى استثناءً، بعد إبرام صفقة في اللحظة الأخيرة مع مدريد لتجنب عراقيل حدودية كبيرة. ورغم انتقاداته للاتفاق التجاري الذي اعتبره غير كافٍ، أبدى رئيس حزب العمال المعارض كير ستارمر تفاؤله، معتبراً أن "سنواتنا الأفضل قادمة". وشكل إبرام الاتفاق ومصادقة البرلمان البريطاني عليه انتصاراً لجونسون الذي فاز في الانتخابات بعدما وعد بإنجاز بريكست، إلا أنه يواجه صعوبات كبيرة منذ انتشار جائحة كورونا. ويأتي ذلك في وقت شارفت المستشفيات البريطانية على بلوغ قدرتها الاستيعابية القصوى مع استمرار ارتفاع الإصابات. وتشمل إجراءات الحجر الجديدة جزءاً كبيراً من السكان، ما يُغرق البلاد في أسوأ أزمة منذ 300 سنة. فضلا عن الجائحة، تواجه حكومة جونسون تحديات هائلة أخرى، إذ ستخسر قريباً حليفاً كبيراً مع انتهاء ولاية دونالد ترامب في الولاياتالمتحدة، وهو مؤيد كبير لبريكست، ليحل محله الديموقراطي جو بايدن الأكثر قرباً من الاتحاد الأوروبي. داخلياً، على جونسون توحيد صفوف البريطانيين الذين انقسموا بسبب بريكست مع تصدع وحدة البلاد، إذ إن إيرلندا الشمالية واسكتلندا، صوتتا ضد الخروج من الاتحاد الأوروبي، وتحلمان بالاستقلال.