يستقبل المسلمون، بعد أيّام قلائل، يومًا عظيمًا من أيّام الله تعالى. يومًا مشهودًا، وهو يوم عرفة، فعن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: ''صيام يوم عرفة أحتسب على الله أنّه يُكفِّر السنة الّتي قبله والسنة الّتي بعده''، أخرجه مسلم. إنّ صيام التطوُّع من الأعمال الّتي تُقرِّب إلى الله تعالى، وهو من أجلِّها على الإطلاق، كما قال الإمام أحمد، رحمه الله تعالى: ''الصّيام أفضل ما تُطوِّع به، لأنه لا يدخله الرّياء''. والرّياء، كما تعلمون، محبط للأعمال، مدخل للنيران والعياذ بالله. فالعبد مأمور بالإخلاص، ولهذا قال الله تبارك وتعالى: {وما أمِرُوا إلاّ لِيَعْبُدوا الله مُخلصين له الدِّين حُنَفاء} البيِّنة. ولهذا كان يقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ''اللّهمّ حجّة لا رياء فيها ولا سُمعة''، رواه ابن ماجه. فيوم عرفة هو اليوم التاسع من ذي الحجّة، وقد أجمع العلماء على أنّ صومه أفضل الصّيام في الأيّام، وفُضِّل صيام ذلك اليوم، جاء عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: ''صيام يوم عرفة أحتسب على الله أنّه يكفِّر السنة الّتي قبله والسنة الّتي بعده''، رواه مسلم. فصومه رِفعَة في الدرجات، وتكثير للحسنات، وتكفير للسيِّئات. وصوم يوم عرفة مستحبّ لغير الحاج، لما فيه من الأجر العظيم، وهو تكفير سنة قبله وسنة بعده. والمقصود بذلك التّكفير، تكفير الصّغائر دون الكبائر. وتكفير الصّغائر مشروط بترك الكبائر، قال الله تعالى: {إنْ تَجْتَنِبُوا كبائر ما تُنْهَوْنَ عنه نكفّر عنكم سيئاتكم}، النساء، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: ''الصّلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفّارة لمَا بينها إذا اجتنبت الكبائر''، رواه مسلم. وقد جاء الفضل في صيام هذا اليوم على أنّه أحد أيّام تسع ذي الحِجّة، الّتي حثّ النّبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، على صيامها. فعن هنيدة بن خالد، رضي الله عنه، عن امرأته عن بعض أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: ''كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يصوم تسع ذي الحجّة ويوم عاشوراء وثلاثة أيّام من كلّ شهر: أوّل اثنين من الشّهر وخميسين''، رواه أبو داود. كما جاء فضل خاص لصيام يوم عرفة دون هذه التسع، قال رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، عندما سُئِل عن صيام يوم عرفة: يُكفّر السنة الماضية والسنة القابلة''، رواه مسلم في الصّحيح. وأمّا لغير الحاج فلا يُسنّ له صيام يوم عرفة، لأنّه يوم عيد لأهل الموقف، وعليه أن يتفرَّغ للعبادة والدعاء، ولا ينشغل فكره وقلبه بالطعام والشّراب وتجهيز ذلك، فيأخُذ منه جُلّ الوقت، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ''نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن صوم يوم عرفة بعرفة''، رواه أحمد وابن ماجه. وقد أجاز السادة المالكية التطوُّع بالصّوم قبل قضاء رمضان مع الكراهة، لما يلزم من تأخير الواجب، قال العلامة الدسوقي: يُكرَه التطوّع بالصّوم لمَن عليه صوم واجب، كالمنذور والقضاء والكفارة. سواء كان صوم التطوّع الّذي قدّمه على الصّوم الواجب غير مؤكّد، أو كان مؤكّدًا كعاشوراء وتاسع ذي الحجّة على الرّاجح.