أثارت وفاة الطفلة هبة، ذات السبع سنوات، والمنحدرة من جماعة سيدي علال البحراوي، جدلا واسعا في المغرب، بعدما التهمت النيران جسدها الصغير وهي تحاول الفرار من نافذة منزل الأسرة، بعد انفجار شاحن كهربائي من عينة رديئة، كان يستعمل بداخل الغرفة، لتلفظ الصغيرة أنفاسها الأخيرة وتتفحم جثتها أمام أنظار عشرات المواطنين و إهمال رجال الوقاية المدنية وضعف التجهيزات المستعملة في عملية التدخل والإنقاذ. وقالت " حركة اولاد الدرب " في بيان لها " إن عدم حضور عناصر الوقاية المدنية، إلا بعد مرور أكثر من ساعة على اندلاع النيران، " وصمة عار " على جبين كل المتدخلين في حقل النجدة والإسعاف في المغرب، خاصة بعد أن تسبب التأخر في وفاة الطفلة هبة، التي بقيت تصارع النيران وحدها، تستغيث من شباك المنزل، إلى أن احترقت في مشهد مرعب اهتز له كل المغاربة، كما استفسرت الحركة مدير الوقاية المدنية عن " الوضعية الكارثية للشاحنة التي وصلت إلى عين المكان، وانعدام الضغط الكافي للماء كي يصل نقطة الحريق، فضلا عن وضعية المعدات المستخدمة في نجدة المواطنين المغاربة، والترتيبات التقنية حول طريقة التقاط المكالمات حسب التوزيع الجغرافي ونسبة تغطية عناصر الوقاية المدنية ومعداتهم اللوجستيكية للأقاليم والمدن ". هذا ونفت وزارة الداخلية، في وقت سابق، من تسجيل فرقة الوقاية المدنية التابعة لثكنة سيدي علال البحراوي، أي تأخير في الاستجابة لطلب الاستغاثة، حيث لم تتجاوز المدة الإجمالية للتدخل، بعد إشعارها بالحريق، سبع دقائق " بحسب البيان. ولازالت عبارات التنديد والاستنكار تتناسل بشأن هذه القضية التي أشعلت فتيل غضب كبير، حيث عبر عدد كبير من المدونين عن سخطهم جراء عجز رجال الوقاية المدنية عن التدخل في الوقت المناسب، منتقدين تأخرهم والآليات التي لم تستطع إيقاف النيران المشتعلة في جسم الطفلة داخل المنزل، فيما تساءل آخرون عن التجهيزات التي تمتلكها الوقاية المدنية، مقارنة بالآليات التي تستعمل في عملية فض الاحتجاجات. وتداول عدد من مرتادي شبكات التواصل الاجتماعي عددا من الصور والفيديوهات المؤلمة التي توثق لحظة محاولة الطفلة هبة الفرار من الحريق عبر النافذة المغلقة بسياج حديدي، والتي شكلت صدمة للجميع. وعلق الشاعر حسن بوحيا قائلا " جسد غض، ما اشتد عوده يحترق حطبا تحت أعين الجموع، دخان الطفلة وهي بالنار تشوى أفاض من المقل الدموع، لو بكت القلوب دما حتى سقى دمها الربوع، ماذا يجدي منكم النحيب ولو رفعتم صورها و أوقدتم على قبرها آلاف الشموع، دمعكم ما أطفأ نارا التهمت الجوارح وأحرق لهيبها الضلوع..". وكتب الصحفي مصطفى الفن معلقا عن الكيفية المأساوية التي رحلت بها الطفلة هبة قائلا " هي بلا شك إدانة لنا جميعا.. لأن الذي احترق أمام أعين العالم أجمع ليس هو طفلة اسمها هبة، بل الذي احترق هو صورة الوطن وسمعة الوطن. وبالطبع ينبغي أن نخجل من أنفسنا لأن بلدا بكامله اكتفى بالتفرج على المأساة دون أن نقوى على تكسير شباك لإنقاذ طفلة استغاثت بنا في لحظة نار ".
وفاة الطفلة التي باتت تحمل لقب " شهيدة الإهمال "، ترك ألما وأنتج غضبا جماهيريا كبيرا، عنوانه العريض "الإهمال سبب في الرحيل"، كما نظم مواطنون وفعاليات حقوقية وجمعوية وقفات احتجاجية بعدد من المدن المغربية تنديدا بوفاة الطفلة. ورفع المتظاهرون شعارات تندد بالوضع المتردي للخدمات و وسائل التدخل نتيجة تفاقم العجز في توفير خدمات بشكل متكافئ اجتماعيا و مجاليا لكافة المواطنين المغاربة. كما كشفت الحادثة المؤلمة الطرق والوسائل المعتمدة في التدخل والإنقاذ من خلال استعمال وسائل بدائية لإخماد الحريق، وهي نفس الوسائل المستعملة منذ أسابيع فقط لانتشال 17 شخصا ذهبوا ضحية انهيار الأتربة والأوحال في فاجعة " ايكوجاك " بنواحي الحوز. وفضحت وفاة الطفلة كذلك غياب شروط السلامة في البنايات الإسمنتية لتسهيل عمليات الإنقاذ في مثل هذه الحالات، وأماطت اللثام أيضا عن
ظاهرة استخدام شواحن رخيصة الثمن غير أصلية للهواتف الذكية مسؤولة عن عدد من الحرائق بالمنازل تعج بها الأسواق المغربية، ذلك أن سوق الجوالات بالمغرب مفتوحة من حيث العرض والاستيراد حيث تجد أنواعا مختلفة للشواحن، وبعضها يكون مجهول المصدر والمنشأ، بعد طال الغش التجاري والتقليد جميع المنتجات الموجودة بالأسواق، وشمل حتى معظم الماركات العالمية، وكذلك الأدوية والأدوات الكهربائية وقطع غيار السيارات.
و أطلقت عدة جهات تحذيرات مختلفة دعت فيها مستخدمي الأجهزة الكهربائية عموما وشواحن الجوالات خصوصا إلى عدم استخدام المقلد والرديء منها، فالأدوات الكهربائية والرديئة يعزى إليها أغلب حالات التماس الكهربائي المنزلية والحرائق المميتة والمدمرة للممتلكات بخلاف الأدوات الكهربائية الأصلية. وقد حذرت عدة تقارير عبر العالم من هذه الشواحن، لدرجة أن الإتحاد الأوربي أعلن عن ضرورة توحيد معايير شواحن الهواتف النقالة لتفادي الخطر. وحسب ما ينقله الموقع الفرنسي " احذر من الحرائق "، فإن ترك الشاحن موصولا طوال اليوم دون ربطه بالهاتف، والأمر ذاته بخصوص شاحن الحاسوب المحمول، قد يؤدي إلى حرائق، متحدثا عن أنه رغم قلة حوادث من هذا النوع، فالخطر يبقى قائما، إذ إن حرارة الشاحن ترتفع عندما يمتص الطاقة ولا يعطيها لجهاز آخر .
ودعا مواطنون مغاربة إلى تقنين ورقابة وتقييد نسب المواد الخطرة في الأجهزة الكهربائية والالكترونية، وإلزام موردي هذه الأجهزة في الدولة بمعايير جديدة في مكونات تصنيعها، وإلى قيام الأجهزة المختصة بحملات لمحاربة الغش من خلال القيام بدوريات تفتيشية روتينية و أخرى مفاجئة لمحال بيع الأجهزة الكهربائية للتأكد من التزامها بالمعايير والمواصفات، حيث تتم مصادرة أي جهاز مغشوش، مع تعريض المخالفين لغرامات مالية، حيث يحظر على أي شخص عرض وتسويق أو الإعلان عن بيع أي جهاز كهربائي في المغرب ما لم يكن هذا الجهاز حائزا على علامة المطابقة. إن الحق في العناية الصحية والحماية الاجتماعية والخدمات من الحقوق الأساسية التي تضمنها كل المواثيق الدولية ويقرها الدستور المغربي، الذي نص في الفصل 31 على أن تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الخدمات المختلفة و الحق في العلاج والعناية الصحية والحماية الاجتماعية. وبالرغم من تنصيص الدستور الجديد على الحق في الصحة والخدمات، فإن استمرار انتهاك هذا الحق لازال يشكل إحدى التحديات الكبرى التي تواجهها بلادنا. وتدل كل الوقائع على أن الطفلة الفقيدة رحلت بسبب التأخر في التدخل وعدم توفر التجهيزات الضرورية للإنقاذ، ونعشها الصغير بمثابة نعي واضح لواقع الخدمات ببلادنا. ونعتقد أن التنزيل الحقيقي للدستور، بخصوص الحق في الصحة والخدمات الناجعة، لازال مجرد شعارات و وعود، تؤكده كل المؤشرات والمعطيات الرقمية. ولعل التحديات التي تنتظر مغرب اليوم، تبدأ من إدراج الحق في الصحة والخدمات ضمن الأولويات الحكومية، من أجل خريطة صحية وخدماتية متوازنة بين الجهات، تضمن لكل المغاربة العدالة والمساواة في العلاج والخدمات.