يطرح المغاربة اليوم أسئلة جمة عن العنف الذي يستشري في مجتمعنا . في الاحياء الشعبية والدروب والشوارع والمدارس والمدن .العنف المدرسي والعنف ضد المرأة والاطفال والشيوخ . والعنف ضد الاخر . الغريب والباحث عن فرصة أمل في العبور من بلادنا نحو الغرب .والسائح الذي يتعمق في الادغال والصحراء ويصعد الجبال للبحث عن الجميل في الطبيعة والاماكن البعيدة عن المدينة. فاللوم ينصب على أسباب ومنها البطالة وضيق الامل. وانعدام الهمم لدى الشباب في الطموح والاعتماد على الذات . وللعوامل المركبة نصيبا اكبر في وحدة الاجتماعي والاخلاقي والنفسي والاقتصادي . الانسان المقهور الذي انزلق في براثن الجهل والفقر وكل أشكال الادمان . والانسان البسيط الذي نالت منه التقاليد والقيم الضاربة جدورها في التخلف الفكري من السحر والشعوذة . هذا الانسان المنفعل والعنيف أصبح الان ضحية بينات متعددة . اقتصادية في التفاوت الطبقي ومظاهر "البرجزة" وانتاج الهشاشة والتهميش . وعدم الادماج . وفي الاجتماعي من غياب التربية والتعليم والتفكك الاسري ودوافع أخرى . ومن الاخلاقي حيث تراجعت فيه القيم الاصيلة النابعة من تماسك المجتمع. وعوامل أخرى موزعة بين الفردي والجماعي. وبين الذاتي والموضوعي. فالسؤال الذي يطرح ذاته . أين الدراسات النفسية والاجتماعية للظواهر التي تنخر المجتمع المغربي ؟ هل من الممكن انزال العلوم الانسانية للواقع في ظل تنامي الظواهر الخطيرة المهدد للسلم الاجتماعي ؟ ولماذا يحاصر الفكر النقدي والقيم العقلانية في مجتمعنا ؟ تكررت حالات الاغتصاب البشعة في المغرب واستهدفت المرأة في مكانتها. أصبحت بعض المدن تعج بأصحاب السيوف وذوي السوابق في اعتراض الناس والسطو على ممتلكاتهم وتهديدهم في واضحة النهار بدون حماية . حتى أصبحت بعض المدن مثالا للجريمة والعنف . ويزداد خوف الناس من ارتياد أماكن معينة في ظل الخوف المسبق . ولا نعلم أسباب هذه الظواهر الجديدة سوى ما يتناثر من أقوال الناس وانطباعاتهم عن الامكنة والازمنة . والقاء اللوم على أسباب بذاتها . ولو كان لدينا حقا معاهد للدراسات الاجتماعية والنفسية وأطر متمرسة في الدراسات الموضوعية . لكانت الرؤية أبلغ في تحديد الازمات وتشخيصها وتقديم الحلول المناسبة . ظواهر سلبية في تزايد مستمر. ومؤشرات عديدة تشير أن وتيرة العنف بأنواعه في مجتمعنا وليدة ظروف وتراكمات . من المشاكل البنيوية في مجال الاقتصاد . والتربية ومجال القوانين وطرق
تفعيلها للضبط والحماية . ففي مجال العدالة الانتقالية يحاول المغرب الانتقال في بناء مجتمع ديمقراطي بشكل بطيء. وترمي السياسة نحو اختيار المقاربة الحقوقية كرؤية لا رجعة فيها لإرساء مضامين العدالة الانتقالية في جبر الضرر. وطي صفحة الماضي من سنوات الرصاص . وللمقاربة الحقوقية محاسن في تربية الناس على فلسفة حقوق الانسان. ومساوئ أنها جاءت سريعة بالقفز على مراحل من التكوين والتعبئة للأجيال الحالية. حتى أضحت الحرية بدون قيود وكوابح قانونية. انتشر العنف كالنار في الهشيم . ونقل الاعلام المرئي جرائم عدة . وكشف هذا النوع من الاعلام عن المستور. فالمنطق الذي يسود الدول في الحسم واختيار المفيد من القواعد والقوانين تلزم الدولة والمجتمع المدني الدفاع عن الكرامة وحق الانسان الطبيعي في العيش بدون تخويف وترهيب .
يملك الكل الحق في الفضاء العمومي وفي ارتياد الاماكن . وحق الانسان في اختيار ما يناسبه من ازياء . اختيار ينبع من القناعات الذاتية في التعبير عن حرية الانسان الفردية دون الاخلال بحرية الاخر أو اعتراض حقه الطبيعي. فلا شك أن القوى الرافضة للحريات ترفض كل خطوة نحو الامام . لا سبيل نحو الانتقال في تكريس مجتمع السلم والتسامح سوى احترام الخصوصيات الفردية وصيانة الناس من العنف الذي أصبح يسري في عروق البعض . من العنف اللفظي الذي تعج به المعاجم الشعبية من السب والقدح والشتم والكلام بالأعضاء التناسلية . والعنف الجسدي الذي يمارس على المرأة والاطفال والعجائز والمربين . ويجري في أماكن عدة . والناس في مطالبهم يقدمون شكاوى ويستنكرون الافعال الاجرامية التي تمس هوية المجتمع وسمعة الدولة في العالم .أحداث "شمهروش " وقضايا الاغتصاب والقتل وأفعال التحرش والتهديد بأنواعه . حالات ومظاهر قصوى للعنف حيث ساهمت هذه الظواهر في الاساءة للمغاربة وللقطاع السياحي . وطرحت عند الاخر اسئلة عن الاحداث الجارية في بلدنا ودوافعها. فالعنف مرفوض مهما كانت أسبابه ودوافعه . والذين يبررون العنف بدوافع قيمية وأخلاقية أو بدافع اجتماعية وسياسية يمارسون أبشع أنواع الظلم في حق الاخر .ويمنح الكائن العنيف بطاقة أمان وحجة اعتراف تبرر العنف وتلطف من نتائجه. يستحق هؤلاء الناس أقسى العقوبات الزجرية . ولا يجب على المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية السكوت في الدفاع عن مدنية المجتمع ضد العنف . وعن الكرامة غير المصانة. علينا أن لا ننسى أن التساهل مع هؤلاء المجرمين من قبل القانون. يزيد من حدة هذه الانتهاكات . ويعمق من جراح الناس في الانتقام وعدم اللجوء للمؤسسات أحيانا. "حالة الطبيعة" في أقل درجة من القوة والرغبة التي تبيح للإنسان استعمال أساليب وحيل في الظلم والاستقواء بدون خوف من النتائج . فالناس سواسية في الحقوق والواجبات ولو استطاعت الدولة ممارسة الحزم والقوة في تجريم العنف لاستطاع المجتمع استئصاله من العقول بواسطة العقاب. هناك خطاب مستتر يمارس نوع من التحريض على العنف ضد المرأة بالأساس. هناك مكبوتات دفينة في اللاشعور الفردي والجمعي. وتربية قمعية من مرحلة الطفولة لدى الراشد وفق سياق النظرية الفرويدية "الطفل أب الرجل ". يبقى الاثر النفسي حاضرا في التكوين النفسي والجنسي عند الانسان . ولا يشفى الرجل من القمع أو حالات الاغتصاب من طفولة بائسة. وعالم يسود فيه الحرمان بأنواعه . هناك بالفعل من يستهدف القيم العامة التي تربى عليها الانسان المغربي . من الوسطية والاعتدال وادانة العنف . يتسلل هذا العنف ويعشعش في القلوب والنفوس. ونخشى أن يصير ظاهرة ثقافية معللة ومقبولة اجتماعيا. فعندما يتغلغل السيكولوجي في اعماق النفس يدرك الشرخ الكبير بين التكوين النفسي والواقع . لقد قصف الفرد في وعيه. وقصفت الاسرة في وحدتها . ولا وازع ديني يمنح السكينة والطمأنينة ويكون كابحا للغلو والتشدد . وعندما يحلل السوسيولوجي علاقة الفرد
بالمجتمع يبرر العنف باختلال وظائف المجتمع من التنوير والتربية والتكوين واعداد الشباب المنفتح . ويحلل الظواهر بإعطاء دلائل ومؤشرات. ويحاول القيام بمقارنة الظاهرة بين الامس واليوم . وينقلنا المحلل الى ظواهر مماثلة ومجتمعات تعرف تحولات في صراع بين القيم الحداثية والتقليد في افق استيعاب المجتمع للتحولات الاجتماعية والاقتصادية . هذه المستجدات الجديدة لا يتوانى البعض في تفنيدها ونقدها بدافع حاجة المجتمع للقوانين الردعية. محاربة الجريمة بالقوة الحديدية والفصل بين التحولات وازمات المجتمع والعنف السائد في الشوارع والاحياء الشعبية والمدارس . الغضب العارم الذي يؤدي للقتل والتنكيل بالإنسان في حوادث الاغتصاب والانتقام لن يجد تبريرا معزولا عن سياق المجتمع الذي أنتج هذا النوع من العنف والاجرام. هذه الظواهر التي أصابت المجتمع المغربي بالزيادة النوعية في الاليات والاساليب المستعملة . استقواء من عالم الفتوة والقوة . من الهيمنة الذكورية ومحاولة اقصاء النوع الاجتماعي حتى لا يتحقق التوازن والانسجام بين الرجل والمرأة في مجتمع يسعى للإنصاف الى اختلال مزمن يعمق من الازمة ويزيد في تأجيج العنف واستفحاله. وبالتالي نصبح عرضة للتعنيف والخوف .ويتحول هذا العنف من المجال العام الى كل الانشطة الاخرى الاقتصادية والتجارية. ويرغمك الاخر على اقتناء الاشياء بالعنف تحت تهديد السلاح أو بالسب والشتم في حالة الامتناع وبذلك تتعطل مصالح الناس في صعوبة ارتياد اماكن معينة من الخوف وتجنب الضرر. وطالما بقي العنف بدون تقنين أو قوة حازمة في التصدي لكل "قاطع طريق" فان شرارة العنف تتصاعد في مجتمعنا. ولن نستطيع مجابهة قطاع الطرق وأصحاب السوابق من المنحرفين ونجد أنفسنا في عصر اللادولة .
يبدو أن ترياق العنف في دينامية المجتمع المدني وقوة التعبئة بالنسبة للأحزاب السياسية والبرامج التنموية. والاعلام الهادف سواء الرسمي أو الالكتروني .هذا النوع من الاعلام الذي يصب الزيت على النار. يساهم في التعرية والفضح لكل الممارسات المشينة. ويضع المجتمع بكامله أمام تحديات للتصدي للجريمة . أما الاكاديمي في ميدان العلوم الانسانية وأساتذة الاقتصاد والقانون والفلسفة فهم مطالبين بالنزول من أبراجهم العالية للكف عن التنظير. وتجاوز الخطاب الايديولوجي لأجل تقديم دراسات علمية عن ظاهرة العنف وتجلياته . اسبابه ونتائجه والحلول الممكنة للحد من الظاهرة. وعلى القوى المحافظة والقوى الداعمة للخطاب الراديكالي والرافضة للحداثة والقيم الكونية الكف عن العداء للمساهمة في تخليق الحياة الاجتماعية وصد كل اعتداء يمس كرامة المرأة وحقها في الوجود. والاختيار لما يناسبها من مبادئ وقناعات . أما الدولة فهي مطالبة بتفعيل القوانين وصيانة الحق الطبيعي والحقوق المدنية والحريات . مطالبة بحماية الناس في أرواحهم وممتلكاتهم وانشاء معاهد للدراسات السوسيولوجية على غرار المعهد السابق الذي كان يشرف عليه الراحل عبد الكبير الخطيبي . وفاء لهذا الانسان الصامت . العاشق للمغرب وتراثه الثقافي . القارئ للعلامات والرموز والمفكك والناقد . الذي طالما ظل يرغب في تجديد وعي المغاربة بعالمهم الاجتماعي والثقافي . انتمائه للوطن يجعلنا نفكر في اعادة فتح معهد السوسيولوجيا بالرباط . شريطة أن تحمل المؤسسة الجديدة اسم الخطيبي تكريما له واعترافا بالجميل لما قدمه من دراسات ومؤلفات في النقد والرواية وعلم الاجتماع . المفكر الذي عشق السفر والترحال ومات في صمت وترك بصمة في الفكر الاجتماعي والادبي. ظل حبه الصامت للمغرب قويا ونابعا من الفؤاد . دعوته صريحة للتجاوز والثبات على القيم الحداثية والاصيل في ثقافتنا . واذا كانت الاجيال الحالية لا تعرف الخطيبي . والقليل من الباحثين والقارئين من يمتلكون فكرة واضحة عنه لأسباب يمكن ايعازها للكتابة باللغة الفرنسية أو للرؤية البعيدة المدى للفكر الذي يحمله الخطيبي . فيمكن
اعتباره من رواد ما بعد الحداثة ومن أعلام السوسيولوجية المغربية . عندما نرفع النداء فذلك من أجل قول الحقيقة وفعل اشياء مفيدة للوطن . في دراسة مختلف الظواهر الاجتماعية والثقافية . ونعترف بالحاجة للعلوم الانسانية وللمعاهد بدون توجس أو مخاوف من خطر السوسيولوجيا أو الفكر الفلسفي على المجتمع والدولة . مخاوف من زمن الامس لم تعد مقبولة في الالفية الثالثة . لأننا في حاجة الى تجديد وعي الشباب بالقضايا المعاشة في استبعاد الفكر المتشدد والغلو الفكري. في تبني الشباب انماط سلوكية تزيد في الجنوح والانحراف . ونعتقد بالجزم أن ظاهرة العنف مركبة وأسبابها لا تعود للكبت الجنسي والتفكك الاسري وللعوامل المادية الاقتصادية في تنامي الفقر والهشاشة . والعوامل الاخلاقية في اختراق القيم الجديدة للعقول والنفوس. وما تحمله الصورة من رموز وقيم مستنبتة في واقعنا . الاسباب هنا مركبة وموحدة . في حاجة الى حقول معرفية وخصوصا مجال العلوم الانسانية والفلسفة . ومعاهد علم الاجتماع ومراكز الدراسات ترياق يقدم دواء للدولة للبحث عن طرائق تمدنا في سبيل معالجة المشاكل والازمات التي تهدد وحدة المجتمع وتترك انطباعات عن واقعنا يؤثر في سمعة المغرب وكرامة المغاربة. ويضرب في العمق القطاعات الحيوية ومنها السياحة الداخلية والخارجية . يتحول التحذير للخطر الاحمر في صعوبة السفر الى المغرب من قبل السفارات ووكالات الاسفار الاجنبية والسبب غياب الامن وبالتالي يكون الضرر بالغا على الاقتصاد وسمعة الوطن .