نقرأ في حيثيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين وفي مرامي الاصلاح التربوي مجموعة من القرارات والاهداف المعلنة من قبل الوزارة الوصية على قطاع التعليم بالمغرب . ومن قبل توصيات وارشادات المجلس الاعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي في اتباع مبدأ التدرج والتنوع في طرائق التدريس والبرامج الخاصة الهادفة نحو تعزيز القيم المحلية والكونية . وترسيخ شرط الانفتاح والجودة من خلال المضامين والمفاهيم الحاملة للقيم الانسانية . تلك القيم التي يسعى التعليم المغربي في الجهر والدعوة الى ترسيخها في المواثيق المعلنة . ولا ندري بالضبط النوايا الصادقة من الاهداف الخفية للتسويق وتلميع الصورة في الخارج عن الطموح في بناء الانسان . والرهان الاكبر على التوازن بين الخطاب والممارسة في تكريس المشروع الفردي والمشروع المجتمعي أي بناء الفرد وفق مرامي الميثاق وتقارير المجلس الاعلى في الرؤية الاستراتيجية للإصلاح "2015-2030" في العناية بالتعليم . والمتعلم الذي يعتبر قلب العملية التعليمية التكوينية . في البناء النفسي والفكري والوجداني للشخصيةمن خلال قلب الصورة التقليدية عن العلاقة البيداغوجية بين المدرس والمتمدرس .تلك الصورة التي كانت تعتبره ذات منفعلة .قابلة للشحن والتلقين بالمعارف المحتكرة من قبل المعلم.انقلبت تلك الصورة النمطية نحو نهج جديد في تحقيق أهداف سلوكية ومعرفية بعيدة المدى .في مشروع مجتمعي يروم بناء المجتمع وفق صورة عقلانية تنطلق بالأساس من الاصلاحات الدستورية . ومن الرهان في تحقيق تربية سليمة . وتجسيد المواطنة الكاملة والثبات على ثقافة حقوق الانسان وتدعيمها في كل القطاعات والمجالات . دفاعا عن الانسان من جهة .ودفاعا عن وحدة المجتمع في صيانة الحق الطبيعي والحقوق المدنية . فالخطاب الموجه للاستهلاك الداخلي والخارجي صائب ومفيد في تحقيق الوحدة بين الفرد والمجتمع وتذويب التناقضات من خلال انفتاح المدرسة على محيطها . مدرسة مفعمة بالحياة والحيوية . ايقاع سريع وجيد في التعلم .وبناء الشخصية الفردية .وبالتالي صقل الكفايات والقدرات من سياقات معينة الى عالم أرحب . دفاعاعن جودة المدرسة العمومية. ودفاعا عن دينامية المجتمع في تقدمه .فاذا كانت المعطيات الواردة في ابراز مزايا الخطاب الرسمي حول المدرسة العمومية يشع وهجا في سماء الحقيقة الواردة من الاهداف المعلنة فان واقع الحال لا يشهد بذلك . ازمة التعليم نابعة من سنوات عدة . ما بعد مرحلة الاستقلال في قرارات احادية ومزايدات سياسية واصلاحات متقطعة . انفصال المدرسة عن محيطها نتيجة الخطاب المثالي دون سند عملي في الواقع . في تخوف اصحاب القرارات من رجل التعليم او ما يحمله التعليم من بذور الوعي الذي يزرع في النفوس والقلوب عندما تولد اجيال بأفكار أخرى ضد ما يعتبره الطرف الاخر تهديدا للمصالح والامتيازات . تلك الاجيال المطالبة بالتغيير. أن تعكس السياسة التعليمية والهندسة البيداغوجية مرامي واهداف المجتمع .من مدة زمنية طويلة والخطاب حول التعليم يروم وضع الاستراتيجيات . من المبادئ الاربعة في مسألة التعميم والتوحيد والتعريب ومغربة الاطر الى سياسة اخرى تنشد الاصلاح والربط بين التعليم والمستوى الاجتماعي والاقتصادي في احداث شعب ومسالك جديدة .وتوسيع العرض التربوي ونهج مقاربات جديدة في التدريس وطرائق تنمية القدرات المعرفية والمهارات في تميكن المتعلم من الاندماج في سوق الشغل . واخيرا اهتمام الدولة بالشعب العلمية والتقنية .وتحفيز التوجه صوب مسالك التكوين المهني في انعاش سوق العمل . وتوفير اطر متمرسة في الاعمال الخاصة والتي تتطلب مهارات يدوية وفنية . ومن اكثر العراقيل التي تواجه المتعلم عندما يكتسب القدرات والمهارات تتجلى في سوق الشغل . وطريقة العمل في المقاولات التي لازالت تستند على علاقات عمل تقليدية . أو هكذا يعثر المتعلم على الفرق الشائع بين الخطاب النظري والتكوين داخل الفصول وسلسلة العمل داخل الشركات . التي تقدم برامج عمل اخرى بعيدة عن المقاربات النظرية مما يتطلب من المتعلم التمرس في تداريب وتكوينات عملية . أضواء على مشكل التعليم في المغرب في تشخيص الجابري من المراحل السابقة في الاقطار المغاربية تكاد تكون متشابهة في سياسة عدم القطع مع فرنسا . وسياسة الاملاء وفق اجندات الاحزاب السياسية في البتر أو الزيادة في البرامج والمقررات .والتهديد بإلغاء بعض المواد. أرادة الاصلاح من فوق في خطاب يستند على الترقب ومؤشرات وارقام بالجملة . وبالمقابل تبقى الحصيلة ضئيلة في ضعف التعلمات وهشاشة البنية التحتية. وضعف التحصيل. والشك في جدارة التعليم العمومي . أزمة التعليم بنيوية ومركبة من عومل متنوعة . تعكس المدرسة الهشاشة الفكرية والاجتماعية للمجتمع في التخلف الفكري .أزمتنا فكرية ونفسية. في غياب الانسجام بين الاهداف والوسائل .واختلال التوازن بين الحقوق والواجبات .اضافة الى ما يرثه الفرد من بنيات جاهزة من الاسرة. و يتعلق بتكوينه النفسي والاجتماعي .ولذلك ينحصر التعليم عند غالبية المغاربة في الوظيفة العمومية . وتحويل الثقة في المدرسة العمومية الى تسابق الناس وأصحاب رؤوس الاموال للاستثمار في التعليم من خلال المدارس الخصوصية والتي تذر ارباحا مضاعفة . اقل ما يمكن القول عن شكل المدرسة الحالية انها لا ديمقراطية ولا شعبية . صورتها نموذج للبؤس الذي يتغلغل في العقول . ولا تغير من واقع الحال . على المستوى الفردي تبقى الاجيال بدون حمولة فكرية . من سياق الفكر العقلاني أو سياق الهوية والخصوصية الثقافية .ضبابية الرؤية وصعوبة بناء النموذج المعقول للكائن المفكر. وصاحب رؤية نقدية للذات والعالم . ومجتمع يعيد انتاج بنياته وفق ما يرمي اليه اصحاب القرار في شان المدرسة العمومية والمجتمع بصفة عامة . وبالتالي يتهاوى الخطاب التربوي .وتتهاوى المواقف الداعية الى التوازن في تحقيق المشروع الفردي والمشروع المجتمعي . في عالم منقسم يتوزع الفاعلون في النظر الى المرامي . في طابع المحافظة وانتاج تعليم ببنيات عصرية واليات تقليدية أو الميل نحو بناء مؤسسات بمواصفات غربية وحداثية . ولذلك كان الجابري صائبا في تحليل ازمة التعليم التي تعود جذورها للماضي القريب والبعيد . بين تعليم تقليدي وطني يهدف للتلقين والتعليم والثبات على الاسس والمبادئ العامة في انتاج المجتمع بكل ما تراه القوى المحافظة . وتعليم فرنسي غربي لا يستفيد منه الا القلة . وفي قلب المعادلة الان فان المدرسة المغربية منقسمة طبقيا . بين ابناء البورجوازية الذين يدرسون خارج الوطن ،ويعملون في انتقاء مدارس بجودة مميزة وامكانية الدفع لمن يمتلك اموالا داخل الوطن . وكل ما يعود بالنفع في الوصول الى مكانة اجتماعية وسياسية . ويبقى الخطاب المعكوس عن المدرسة العمومية للاستهلاك .ودر الرماد في العيون . فالغبن والطبقية وسياسة الانتقاء في الظفر بالشعب المناسبة مجال تخترقه الوساطة والمحسوبية. وقلة الشفافية ولعل الازمة هنا ليست محصورة في البرامج والمخططات والمقررات بل تتعدى احيانا الى انسداد الافق امام ابن الفقير المجد . ومن يمتلك قدرات فكرية ومهارات في التحصيل عندما يصير الامتحان في شقه الكتابي والشفوي تقنية في الانتقاء والاقصاء . بل ان الامر يطال فرنسا في ازمة التعليم التي وضع عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو تحليلا وتشخيصا لمعالمها في عدم المساواة .والطبقية والغبن الذي تعاني منه الطبقة الفقيرة من ابناء الكادحين وابناء العمال في ضواحي المدن . في اعادة الانتاج للمنظومة الثقافية الخاصة بالطبقة المهينة . في تضافر بين الرأسمال المادي والرمزي .وفي الوحدة بين القيمي والاقتصادي . فالمدرسة هنا تنتج مجتمعا لا ديمقراطيا في العمق . في عدم التجانس بين الخطاب والفعل في الواقع . تبقى المدرسة في خدمة اصحاب القرار . من الذين يسيطرون على الشأن التعليمي والتربوي .فلا مجال للشك في واقعنا المغربي ان المدرسة العمومية تعاني . ورجل التعليم من الذين يساهمون في نسف هذهالقلعة الحصينة والاسراع لبيعها في المزاد لكل تاجر معرفة . من اصحاب رؤوس الاموال الذين لا يعرفون سوى التراكم والنمو للرأسمال . رجل التعليم يختار المدرسة الخصوصية هربا من الهشاشة واسباب اخرى . ورجل التعليم الذي ظل يحمي المكتسبات سرعان ما تراجع خطابه نحو الانكماش والاكتفاء بتسديد ديون البنوك .والقاء اللوم على النقابات والاحزاب والمجتمع المدني . وبقيت المدرسة العمومية اسيرة المذكرات والمخططات الواضحة والكامنة . في اصدار القرارات وتفعيلها والزام المدرس في العمل من خلال مواصفات جديدة للعمل في التنشيط والتحفيز والتوجيه . وفي عملية مخطط لها .طرأت تحولات كبيرة على التعليم ببلادنا . في اختيار العمل بالعقدة وتحويل الاختصاصات من الصعيد المركزي الى الجهة في سياسة اللامركزية وما يسمى الجهوية الموسعة . ونالت الفكرة رفضا شديدا من قبل الفاعلين في حقل التعليم . بتلك الشروط القسرية والتي انتهت نحو الاقرار بالتعاقد ونهاية الترسيم . ضربة قاسية للتعليم . ومصداقية المدرسة العمومية . وستكون النتائج كارثية في حرمان ابناء الشعب من تعليم جيد . وتكوين اساسي للمعلم في قلب مراكز التكوين . امام قرارات سريعة وارتجالية دون نقاشات عمومية واسعة . ونقل القرار نحو المؤسسات الفاعلة في المجتمع حتى يتسنى التقاطع في اصلاح ينطلق من الذات وليس من قرارات خارجية او بناء على حيثياتمفاجئة . دفاعا عن المدرسة والمجتمع يعني مقاومة القرارات اللاديمقراطية. وضد سياسة الاجهاز على قطاع حيوي يعتبر اساس التنمية والعبور نحو القرن الجديد . والا سنعاين انحدار الشعب في سلم التخلف ومراتب التنمية . وانسداد الافق وبالتالي انتشار العنف والبطالة والتطرف وغيرها من الظواهر . دفاعنا عن المجتمع الذي ننتمي اليه والمدرسة التي نهل الناس من ينابيعها هو بالأساس دفاع عن قيمنا ومؤسساتنا امام عولمة لا ترحم . وجشع اصحاب الاموال من المستثمرين وتجار المعرفة الذين يبيعون الحرف مقابل دراهم . والدفاع عن المدرسة العمومية هو تكريس للمساواة والعلاقة المتوازنة بين المدرسة ومحيطها في عودة الثقة والمصداقية .