لقد اقتضت الحكمة الالهية أن ينزل القران الكريم باللسان العربي المبين على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وانضوت تحت لوائه أقوام اخرون من غير العرب، فحملوا جميعا رايته دعاة وقادة وأمراء ورعية ومتعلمين، ودون اعتبار للانتماء العرقي للأجناس البشرية التي تسهم في المشروع الحضاري الاسلامي، إذ انصهر الانتماء العرقي المتنوع في بوتقة التنافس في تحقيق الغايات الكبرى الاعجازية للسان العربي فمن تكلمه وأتقن استخدامه فهو عربي اللسان، فتسابق الجميع الى تحقيق انتمائهم اللغوي العربي، فكانت مفخرة للقراء والمثقفين، ومعزة للخاصة والعامة، بل إن الامر أبعد وأعمق ليشمل الانتماء العقدي الاسلامي والثقافي المعرفي. وكان للسان العربي دورا تأسيسيا في بناء حضارة الأمة الإسلامية في جميع مناحيها ومراحلها، وفي التواصل بين مختلف الشعوب. والهدف من هذا المقال تفعيل دور اللسان العربي بوصفه لغة عالمية، والتباحث في سبل نشر آدابه وتعليمه بين الشعوب بما يستجيب لاحتياجاتهم في عصر العولمة اللغوية والثقافية، وذلك لتفادي بعض الظواهر الجديدة التي فهمت العقيدة منحرفة عن سياقها اللساني العربي والتحقت بشخصيات مدمرة للعالم.
إن سبب التفرقة والاختلاف الشديد في بعض المفاهيم العقدية يعود بدرجة كبيرة الى عدم الفهم الدقيق والصواب للسان العربي وبعملية التغريب الذي لحقته بهجرانه كليا أو معنويا، وهكذا تولد عنه مذاهب وفرق.
نريد من هذا المقال أن ينبه الاطر التربوية الساهرين على المقررات الدراسية بأن يقفوا على مظاهر اعجاز الدرس اللساني العربي في الكتاب المدرسي، ليرجع الى الوجود فيفهم الناس القضايا العقدية بطريقة مشتركة واضحة ودقيقة، بعيدا عن اختلاف المفسرين وتكلف المتنطعين.
وستكون مقراتنا المدرسية العلمية التي تشمل المشروع (اللسان العربي واثره في فهم العقيدة) في مجالات عريضة وفسيحة، وستمتد من المستوى الأولي التمهيدي الى الابتدائي والاعدادي والثانوي والجامعي، وإلى جميع مراكز البحث والتكوين، وستكون الاسهامات مشتركة مع علماء المجالس العلمية المحلية، و هذه الاخيرة كافية لتكشف عن مدى الجهود التي ستبذل دؤوبة في صناعة هذا العمل الشائك، كما يدعو هذا المقال أن تتحمل الهيئة الادارية والتربوية في جميع القطاعات غيابها عن مشاريع بناء أجيالنا المقبلة لعمارة هذا البلد الطيب، مع تفاءل هذا المقال بأن بلدنا يزخر بتراث مجيد، وحاضر بعيدا عن الشتات الذي يعرفه العالم من حولنا، ونحو مستقبل نتحمل فيه كامل مسؤوليتنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والدينية.
وفي الختام نرجو أن يكون هذا القال مساهمة قدم ما جاد بهم قلم المواطن الصالح غيور على حاضر ومستقبل بلده الطيب، بعيدا عن إيقاظ النعرات والفتن.