شهدت القرى والبوادي بالمغرب في اليوم الثاني من عيد الأضحى ظاهرة اجتماعية عُرفت ب "بوجلود" أو "بولبطاين"، وهي ظاهرة غنية ومركبة من الدلالات الرمزية والنفسية والدينية، إذ يُشخّصُ هذا الدور من طرف فرد واحد أو فردين اثنين بادعائهم أن القيام بهذه المهمة من الأمور التي وهبهم الله إياها، وإن لم يلتزموا بها سيصابون بمصيبة أو مرض خبيث؛ ولأجل ذلك يقوم "المشخص" بارتداء "صوف الكبش" أو "جلد المعز" وبالتالي يأخذ جميع المواصفات الخارجية إما للكبش أو المعز، ثم يبدأ بالتجوال في أزقة "الخيام" (الدور) مقتحما كل منزل على حدى بالغضب والضرب طمعا في أيديهم البيضاء؛ ولا يكف عن ذلك الفعل إلا إذا أعطوه إما المال أو السكر أو "البيض البلدي"، وفي مقابل ذلك يكافئهم بمجموعة من الأدعية التي تناسب كل فرد موجود داخل الأسرة؛ وبمجرد دخوله إلى المنزل تبدأ دراسته للحالات النفسية والاجتماعية لكل فرد من الأسرة، إذ تختلف الأدعية التي سيخاطب بها "رب الأسرة" عن "الفتاة غير المتزوجة" و "عن الشاب الراغب في الزواج أو العمل"، فمثلا الأدعية التي تقال ل "رب الأسرة" عند التّصدق: "سير الله يسترك، فين ما مشيتي تجيب"- "فرحتينا الله يفرحك نتا وليدتك". أما البنت غير المتزوجة فيخاطبها ب "الله يحل ساروتك"- هاد العام راك خاوية والعام الجاي نلقاوك مركبة"- "الله يسهل عليك". أما الشاب الباحث عن الزوجة أو العمل، فيخاطبه ب "سير الله يجوجك"- "الله يفرجها عليك"- "الله يعطيك خبزة فين تعيش"- "الله يطلع غديرتك واللي خرجت من الريق تليق".
أما الأطفال فيخاطبهم بالأدعية التالية: "الله يصلحو"- "الله يخليه ليك"- "الله يطول عمرو- ما شاء الله عليه"- الله يكون منو الزرع والزريعة".
إن دراسة البعد النفسي والصوفي لظاهرة بوجلود تغنينا عن كونها ظاهرة أدبية، ثقافية، اجتماعية، درامية اقتبست (التناص) من مختلف الثقافات والحضارات التي عرفها المغرب والقارة الإفريقية ككل؛ حيث قراءة المُشخص لظاهرة بوجلود من وجهة الحالة النفسية والاجتماعية للفئة المستهدفة تقدم له استطلاعا نسبيا. وبعد دراسته عن بعد، يكشف عن آمالها وهمومها.
وعلى إثر ذلك، فإن هذه الدراسة الاجتماعية والنفسية تمكنه من اقتباس واستنباط الأدعية إما من القرآن الكريم أو من السنة النبوية بهدف التأثير في مشاعر المهموم اجتماعيا ونفسيا وبالتالي الوصول إلى ما يعرف ب "الصدقة". ففي هذه الحالة يكون المشخص لظاهرة بوجلود قد قام بالمهام التي يقوم بها الطبيب النفسي في حل مشاكل مرضاه النفسية التي يعانون منها. ومن جهة أخرى ربط هذه المشاكل النفسية بالظرفية الدينية الآنية ومكانتها العظيمة عند الله؛ وذلك بتذكيرهم أن الأدعية في "أيام التشريق" هي مقبولة عند الله عز وجل وليس بينها وبين الله حجاب.
وبناء عليه، فإن النظر في هذه الظاهرة وتحليل آلياتها يظهر للدارس الأنثربولوجي بأنها تحمل في طياتها الأبعاد الثنائية: النفسية والصوفية أكثر مما هي ثقافية نسقية؛ حيث من الشكل الخارجي للمشخص الذي يرمز أو يُذكّر ب "إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام" عندما ابتلاه الله وحباه، وفي الآن نفسه تجسيد لحلول الإنسان في الكبش. فمن خلال هذا البعد الديني والذي سيكون أكثر تقربا وتأثيرا في المتلقي الذي يستجيب وبسرعة فائقة للظاهرة ومناسبة لتلقي أدعية تتماشى مع همومه النفسية التي يعاني منها.