لا يمر يوم من الزمن السياسي المغربي دون أن يخرج رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران على الملأ بحركة أو كلام يضرب كسيف في الماء ولا يحرك سكون العمل السياسي المغربي في شيئ بل تراه كالدون كيشوطي(1) الذي يحارب طواحن الهواء بالرغم من كل محاولات سانتشو دي بانسا لإعادته للواقع . فها هو يخلق صراعا لوحده يقحم فيه المؤسسة الملكية ، تارة ليدافع عنها كما لو تعرضت لخطر وشيك وتارة يبرر طقوسها الموروثة من عهود غابرة من ركوع وتقبيل لليد وفي أحيان كثيرة يخرج عن الموضوع ولا يقول شيئا ويعلم ذلك ليتساءل من بعد هل فهمناه اولم نفهمه ؟ وبذلك شكل بنكيران نموذجا فريدا من بين كل رؤساء الحكومات التي عرفها المغرب فهو الوحيد الذي استعمل التلفزة بشكل كثيف لدرجة أن كل الصبيان يعرفونه و لم يعودوا يضحكون من نكاته " الباسلة "(2) وبنكيران لم يعد يضحك أحدا (3) وهو الوحيد الذي يستدعي الصحافة ليستحوذ على كل الحصة بالكلام وليس أي كلام بل كما لوكانت طاحونة تحدث جعجعة بلا طحين ،يبرر الزيادة في المحروقات وبقاء ثمن (البنان) الموز دون ارتفاع ، يقولها كما لو اكتشف الجاذبية ، وعندما يجد نفسه في مأزق يهاجم هجوم من يقلع الشجرة ليتناول البرتقالة ، فهذه الصحفية يحرجها ليقول لها هل تريدين أن" تحلي مكاني"(4) والأخر يقول له" أنت مجرد صحفي في قناة"(5) فهل قال لك أنه دركي؟ فهو صحفي بالفعل لأنه يسأل عن هموم الشعب وكيف تجد لها أنت الحلول يا سيادة رئيس الحكومة؟ ليت بنكيران لزم الصمت حتى يمكن أن نقول أن الرجل يعمل ونعتقد أنه بالفعل يعمل ، لكنه كل يوم يطل علينا من خلال تلك الشاشة المغربية الباهتة - والتي هي عنوان الرداءة ولا تعبر في شيئ عن المواطن المغربي وطموحاته- ليقول ويسترسل في القول ولكن الفعل غاب من قاموسه ، فلا المعطلين أصحاب الشواهد الجامعية اشتغلوا ولا أخافوه(6)بتظاهرهم أمام مبنى البرلمان، ولا النساء المشتغلات في الحممات رد لهن الإعتبار بالرغم من انهن ولاشك ساهمن في حملته الإنتخابية ، فهاهو يستهين بعملهن (7)، ولا محاربته للفساد انتهت الى شيئ سوى للعفو عما سلف . هل الحكومة الحالية برئاسة حزب العدالة والتنمية ومشاركة حزب الإستقلال والحركة الشعبية وحزب التقدم والإشتراكية قادرة على حل المشاكل اليومية للمواطنين حتى لا نقول المشاكل المستعصية أي المشاكل البنيوية التي يعاني منها الإقتصاد المغربي ؟ لا أظن ذلك ممكن التحقيق أو حتى الحلم به ، لأن واقع السياسة المغربية لن يرتفع سواء جاء بنكيران أو غيره، لأن الشخص محدود مهما كانت قدراته وبالأحرى شخصا يسبقه الكلام للفعل ، فالمغرب لن يعرف التغيير إلا عبر بوابة التحرير والتحرر من الجهل والعبودية التي مازالت بين ردهات المؤسسات السياسية والقضائية و الحزبية والنقابية والإدارية والصناعية والفلاحية والخدماتية ، وعبر القضاء على التحكم في اتخاذ القرار الذي يهم مصير الشعب من قبل قلة ممن تسلطوا عليه بمختلف الأساليب والطرق . وبعبارة موجزة لابد من ولادة دولة جديدة ترتكز على الشعب في كل تفاصيل تركيبتها ولا تتحرك إلا بإرادته ، تلك هي الدموقراطية التي يريد المغاربة.
هوامش.
-1- نسبة الى "دون كيشوط" بطل رواية اسبانية للكاتب ميكال سيرفاتيس نشر بمدريد في جزئين سنة 1605 و1615
-2-" الباسلة" بالدارجة المغربية وليس الشجاعة .
-3- مجلة الإكسبريس الفرنسية بعنوان بنكيران لم يعد يسلي الملك . -4- استجواب او بالأصح استدعاء بالقناتين الأولى والثانية .
-5- قناة الجزيرة برنامج بلا حدود للصحفي أحمد منصور .
-6- بنكيران في استجواب مع صحيفة التجديد بتاريخ -26-7-2012 -7- انظر مقال عبدالواحد الدرعي بالجريدة الإلكترونية أخبارنا المغربية بتاريخ 24-11-2011