في مفاجأة لم يتوقعها أحد، استفاق العالم على خبر إسلام سكان سويسرا عن بكرة أبيهم، جميعهم يتشهدون تباعا أمام أئمة المساجد. هذا الشعب المسالم والمتعلم الذي يكنز ثروات كثير من الأثرياء والميسورين، مل عبء الثراء وملذات الدنيا فبحث عن الحقيقة التي تعطيه حياة ثانية سرمدية أكثر سعادة، واهتدى لها بعد أن انتشر بينهم بتلقين من مؤسسات دعوية تحرص على الموعظة الحسنة أجمل ما في الإسلام من شرح الغيبيات والسلوك القويم وتوحيد الله. سكان سويسرا يشتغلون وفق أفضل مواصفات العمل والمردودية، يتربحون، يسافرون، شوارعهم وحدائقهم وغاباتهم ومزارعهم أنيقة ونظيفة، مستشفياتهم ومدارسهم في أبهى الحلل، قوانينهم تطبق على الجميع، مساواة في الردع ومساواة في المكافأة، سجونهم تكاد تصبح فارغة من المجرمين، مالهم العام في أياد أمينة، لا أحد يغتاب الآخر أو يطعنه في الخلف، الساذج فيهم يحرص على احترام القانون والأخلاق، بلدهم محايدة سياسيا لا جيش لها ولا عسكر. بعد إسلام السويسريين قرروا أن يتعرفوا أكثر على الديانة الإسلامية، وازدهرت تجارة المطبوعات والكتب الإسلامية، وبدأت حرب المنافسة الشرسة بين الناطقين باسم الدين لكسب أكبر عدد من السويسريين لدينهم، بين السلفيين والشيعة والأزهريين والمغاربة والإباضيين والزيديين. ومع تعمق السويسريين في فهم الاسلام، بدأت شوارع سويسرا تنطق قواعد التفرقة على أساس المذهب والطائفة، سويسريون بعمامات بيضاء وشعر طويل، وآخرون بعمامات سوداء، فيما ارتدى البعض الآخر جلابيب وطرابيش حمر وتسابيح في الأعناق. تتابع السنوات ويخرج من بينهم ثلاث فرق: الفريق الأول ينادي بتحكيم شرع الله سيرا على النهج السعودي وتدمير الشركيات وكل التماثيل في ساحات المدن السويسرية، الفريق الثاني يدعو لتبني الأنموذج الإيراني في شرع الله، أما الفريق الثالث فارتضى الديمقراطية الشركية شريطة سيادة الإسلام؛ وجراء هذا الواقع انخرط السويسريون في نقاشات مذهبية وفقهية لا حصر لها، لدرجة أن الجميع أصبح متيما بالبحث في حياة القبر والتأصيل لها عوض تتبع مسؤولية الاستخلاف في الأرض وفق معايير الجودة، وازدهر بناء الجوامع الدينية والحسينيات. وتبعا لكل هذه الأشياء وجد الشعب السويسري نفسه مقسمت إلى أربعة أصناف من الناس: 25% من السويسريين يعتقدون أنهم هم الإسلام وغيرهم إما كافر أو طرقي ضال(شبه كافر) لأنهم يسيرون على نهج السلف الصالح، 25% يعتبرون أنفسهم شيعة علي ويعتبرون ال75% من إخوانهم في الوطن كفار وزنادقة لكونهم خانوا آل البيت، 25% يعتبرون التصوف طريق التواصل مع الله، فهم المسلمون المسالمون وغيرهم لم يتذوق حلاوة الإيمان ولم يتعرف على الله بالقلب قبل الجوارح، 25% أسسوا حزبا سياسيا إسلاميا يحتمون به ويشتغلون جماعة لينالوا السلطة، ومن خلال تلك السلطة سيعملون على أسلمة المجتمع السويسري المتخبط في الحداثة البغيضة. وجد هؤلاء الناس أنفسهم وقد زاغوا بين متاهات إنتاجات الفقهاء وتفاسير المحدثين، محتارين بين فهم مبادئ تلقن لهم على أساس أنها من الدين، وبين مبادئ حقوقية تربوا بداخلها، وجدوا أنفسهم خاضعين لخطابات الحوثي اليمني البئيس والملبدة سماؤه بدخان البارود، ولخطابات دعاة على فضائيات وكل منهم في شأن، وجدو أنفسهم صاغرين مستسلمين للإصغاء لسيل عاصف من شنآن قوم أبوا ألا يتحدوا. ثم تطور الخلاف بين المواطنين السويسرين ليعلن كل فريق منهم أنه الفرقة الناجية التي تملك الحقيقة والكمال المعرفي وعليها نشر أفكارها في باقي أوروبا. وسط هذا المشهد الحالك قرر داهية سويسري الهجرة نحو أرض الحرمين ونحو إيران الإسلامية لاكتشاف حقيقة الدين عند أهله وحجم تطبيق الشريعة في البلاد الإسلامية، وبفضل رحلته هاته وقف على الفرق الواضح بين النظري والتطبيقي كحقائق ميدانية واضحة، واضحة على شكل تصرفات فردية وسياسات عمومية، بلدان تدعي تطبيق شرع الله لكنها تطبق فقط الحدود في حدود، بله أن تطبق مقاصد الشريعة الإسلامية، مقاصد العدالة ومقاصد التضامن. وجد الجميع هناك لا يطبق مدلول الآية الكريمة: "وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" صدق الله العظيم، فالسعوديون والخليجيون والإيرانيون يطرحون أطنان الأطعمة في القمامات وجيرانهم اليمنيون جوعى، يصدرون إليهم وسائل القتل، ولا يمنحونهم وسائل السعادة وهم متخمون بالأموال والذهب والكنوز. تعرف الداهية على طباع المسلمين، عشوائيتهم، طقوسهم، تزمتهم، تحجرهم، فعلهم عكس ما يؤمرون، وجد أن عليه طاعة الحاكم فقط لأن الله اختاره، وجد أن عليه أن ينظف أسنانه بعود الأرك في زمن معجون الأسنان فقط لأن باب الاجتهاد مقفل كي يشرع تطوير معجون أسنان من مستخلص عود الأرك، وجد الظلم والعبودية المقنعة، اكتظاظ السجون بسجناء الرأي، كثرة التلوث، الفقر الكبير، الجهل العظيم، تفشي الأوبئة، إهدار الكرامة، الرشوة والزبونية، السرقة وأكل المال العام والصفقات المشبوهة، تهريب الأموال، الغش والتزوير، الفساد، ثقافة الشعوذة والسحر، التسول، القمع، البناء العشوائي الرشوائي، سوداوية الآمال، تبذير الأموال في صفقات تسلحية ضخمة قصد استعمالها ضد بعضهم، القتل على المذهب والطائفة والفكرة، التكفير المتبادل، التخلف الفكري الرهيب، كثرة الزرود والولائم، تبادل الشتائم، تعاظم القسوة، هجرة الكتب، الذبح من الوريد إلى الوريد باسم الله أكبر، وجد أسوأ ما يفعلون. عندها تيقن السويسري الداهية أن كلام الداعية من فوق الفضائية الراعية يجعله محتارا من حجم التناقض بين جميل الكلام وقبيح الواقع، وأن عليه: أن يؤمن بالاسلام كعقيدة، وبالإسلام كعبادة بسيطة، وأن يحتفظ بأخلاقه السويسرية كمنهجه في الحياة على الأقل هي أفضل مما يفعل هؤلاء، وأن يبتعد عن هؤلاء المسلمين الطقوسيين. للأسف بعدما وجد السويسريون أنفسهم قاب قوسين أو أدنى من التقاتل فيما بينهم، قرروا أن يرتدوا عن الإسلام، ارتدوا حفاظا على سلمهم الاجتماعي وعلى حياتهم الخاصة وتركوا الجمل بما حمل، وفي رد فعل سريع أصدرت مجاميع الفتاوى فتوى بإهدار دمائهم لأنهم مرتدين، كل المجاميع الفقهية مع اختلافاتها المذهبية توحدوا معا على إنهاء شعب بأكمله ولم يتوحدوا على منحه الحياة والوحدة.