لم يسبق لحملة انتخابية بالجزائر أن كانت محط سخرية على نطاق واسع كما هو الشأن بالنسبة للاقتراع المزدوج (الانتخابات البلدية والولائية) ليوم 23 نونبر الجاري، وذلك على خلفية الملصقات الدعائية التي اجتهد المرشحون في إعدادها لهذه المناسبة وتحولت إلى مادة للتهكم والتندر. وأمام غياب برامج انتخابية واضحة ومضبوطة ونقاشات محتدمة حول هذا الاقتراع، الذي يجمع الكل على أنه "بدون رهان"، أصبحت الملصقات التي بلغت صياغتها حد الغرابة، محط الأنظار، وأضحت مادة للاستهزاء والسخرية على شبكة الانترنت. فمنذ إطلاق الحملة الانتخابية، يوم 29 أكتوبر الماضي، شكلت الملصقات التي اختارها بعض المرشحين لحملتهم، موضوعا للإثارة، حيث لجأ البعض منهم إلى ملصقات مثيرة للاستغراب، وغلب عليها أحيانا الطابع هزلي. وتبقى الصورة التي تعرضت للاستهزاء بشكل كبير، وتقاسمها الجزائريون على شبكات التواصل الاجتماعي، هي صورة "صقور المستقبل"، إحدى لوائح مرشحي جبهة المستقبل (دون انتماء سياسي). ويتعلق الأمر بصورة تم تركيبها بشكل فج، حيث يظهر المرشح الذي يتصدر اللائحة واقفا فوق عنق صقر ضخم، بينما جلس باقي المرشحين القرفصاء على جناحي الصقر. ولم تسلم هذه الصورة من موجة سخرية من قبل المواطنين الجزائريين إلى حد يصعب معه حصر التعاليق المستهزئة بها، حيث ندد أحدهم قائلا " لقد بلغنا درجة أصبح يصعب علينا معها التمييز بين الجد والهزل"، في حين سخر منها آخرون قائلين إن الأمر يتعلق "إما بمجسمات مصغرة للإخوان (إسلاميين) وهم يمارسون رياضة اليوغا فوق صقر، أو أن الأمر يتعلق بصقر ضخم". وقد أثار تركيب هذه الصورة موجة من السخرية على شبكات التواصل الاجتماعي، إن على مستوى جودتها التي وصفت ب"السخيفة" أو على مستوى مرجعيتها، وهي بمثابة سيف ذي حدين، حيث تحيل على الطيور الجارحة "المعروقة بقدرتها على معاينة والانقضاض على فرائسها". أما بالنسبة للحركة الشعبية الجزائرية (اجتماعية ديمقراطية) التي تتخذ من منطقة القبائل قاعدة لها، فلم تعط للصورة أهمية كبيرة، خاصة بالنسبة للمرشحين، حيث تم وضع الورود في أحد الملصقات عوض صورتي مناضلين اثنين. وقد دفعت هذه الصورة أحد رواد موقع (تويتر) إلى التساؤل من سيصوت على شخص تم تجسيده بواسطة وردة؟. أما صور النساء المرشحات فلم تسلم هي الأخرى من السخرية، حيث كتب أحد المواطنين "لا للاستهتار بشرف النساء". وعلى غرار الانتخابات التشريعية، التي جرت في ماي الماضي، فقد تم أيضا تخريب ملصقات بعض المرشحين، حيث جرى تعويض صورهم بصور كائن يضع حجابا لدى المستقلين ببوغني (ولاية تيزي وزو) وكذا لدى جبهة القوى الديمقراطية ببرج بوعريريج. وعلى ملصق آخر تم تقديم لائحة المرشحين على شكل شجرة عائلية. وبدوره نال هذا الملصق، الذي يحمل شعار "كل أصواتنا من أجل المستقبل"، نصيبه من الاستهزاء، حيث سخر منه أحد المعلقين بأنه سيعزز به ملفه للهجرة، معبرا عن استيائه إزاء تحول الجزائر إلى "أضحوكة للعالم"، بسبب هذه الحملة الانتخابية التي تحولت إلى مهزلة. ودائما على صعيد "الغباء الانتخابي"، أثار ملصق آخر فضول الجزائريين والملاحظين. ويتعلق الأمر بصورة مرشح من الحركة الشعبية، ذي لحية كثة وغطاء مشدود على رأسه، والتي تدعو إلى الاعتقاد بأنه مرشح إسلامي، في تعارض مع النهج الليبيرالي الذي عبر عنه رئيس الحزب عمارة بن يونس، الذي لا يعرف بأنه إسلامي. وعلق أحد المواطنين قائلا إنه "تحالف ضد الطبيعة، إسلامي على رأس لائحة حزب لائكي، لا مبدأ ولا برنامج إنهم كلهم مداهنون"، مسجلا أن هذا الملصق يعكس الوضع السياسي بالجزائر. وفي برج بوعريريج، على بعد 200 كلم شمال الجزائر العاصمة، تسبب الملصق الانتخابي للائتلاف المكون من أحزاب (العدالة) و(النهضة) و(البناء) في دوامة للناخبين، حيث تم التعتيم على مرشحتين ترتديان الحجاب إلى درجة يصعب معها التعرف عليهما، خلافا للمرشحين الذين يشاركنهن اللائحة نفسها. وعلى أسفل الصورة، ودون تلاعب بالكلمات، تمت كتابة اسمي المرشحتين مع الإشارة إلى الدبلومات والمهن التي تمارسنها. وبذلك سيكون على الناخبين التصويت على لائحة يصعب التعرف على جزء من مكوناتها. وبعد مرور أسبوعين على انطلاق الحملة الانتخابية لهذا الاقتراع المزدوج، تتنافس الأحزاب السياسية في ابتكار ملصقات من هذا القبيل، والتي يعود بعضها إلى الانتخابات السابقة. وهكذا، فقد تم تعويض الصور الشمسية لبعض النساء برسوم تصويرية أو بالورود، بينما اختار أحد مرشحي حزب جبهة التحرير الوطني أن يطلق على نفسه اسم نيلسون مانديلا. وإذا كانت إزالة الملصقات من الأماكن المخصصة لها عملا معتادا خلال مختلف الانتخابات، فإن ساكنة بعض المناطق تبدع في هذه الحرب النفسية، حيث يلجأ بعض المرشحين إلى دفع المال للمكلفين بالملصقات، ليس فقط لإزالة ملصقات منافسيهم، وإنما أيضا استبدالها بملصقات لصور حيوانات متوحشة، مثل الخنزير. وفضلا عن هذه العيوب، تشهد هذه الحملة بشاعة في وضع الملصقات على جدران المؤسسات العمومية والخاصة، فيكفي القيام بجولة في شوارع العاصمة أو المدن الكبرى الأخرى للتعرف على حجم هذه الظاهرة التي تعود بنفس الكثافة التي كانت عليها خلال تشريعيات ماي الماضي. ولم تسلم من هذه الظاهرة واجهات العمارات وأبواب المحلات التجارية وإشارات المرور والمساجد والمدارس وحافلات النقل الحضري وحتى صناديق القمامة. ومما يدعو إلى الاستغراب أن الملصقات الانتخابية غير موجودة بالكثافة نفسها في الأماكن المخصصة لها. وفي بعض الحالات تتحول عملية الإلصاق إلى نوع من العنف، حينما يستيقظ الناس في الصباح ليجدوا أبواب منازلهم ومحلاتهم وقد غطتها الملصقات الانتخابية بشكل كامل. وعبر أحد سكان الجزائر العاصمة عن استيائه، قائلا إن " ما نراه أمر سخيف. ملصقات على صناديق القمامة شيء لم يسبق أن رأيناه. ماذا يمكن لنا أن ننتظر من مرشح يصدر عنه، خلال حملته الانتخابية، سلوك من هذا القبيل؟". وإذا كان من السابق للأوان التنبؤ برد فعل الناخبين مع اقتراب يوم 23 نونبر، فإن حالة من الاستياء ترخي بظلالها على الاقتراع المحلي المقبل، بالنظر إلى ضعف اهتمام المواطنين به. ويرى العديد من الملاحظين والمحللين السياسيين أنه من غير المستبعد أن يتكرر سيناريو الانتخابات التشريعية، بما أن لا شيء يوحي، خلال هذين الأسبوعين من الحملة، بأن الجزائر تستعد لموعد انتخابي.