صرخت سوس وولدت لنا رضيعا وسيما، ولد بشعر جميل وعينان زرقاوان، وبنية جسدية قوية، تكلم وهو في أيامه الأولى، بدأ الصغير يكبر شيئا فشيئاً ويفقد جمال عينيه وأصبح شعره مكاناً للقمل والذباب، بكى الطفل أخيراً بعد أيام من الصمت وابتسامة البراءة. إنها مراحل متدبدبة لمهرجان كانت سوس تراه المكان الوحيد لإظهار فنانيها للعالم، رأت فيه عيني ذات يوم مجموعات تراثية تغني للهوية والثقافة، تغني للفقير والمهمش، تغني لسوس التي أهملتها أيادي المسؤولين وضمائرهم، تغني للحقوق المستلبة والمنبوذة. البارحة كان آخر يوم لهذه الأيام التي أطعمت الغريب ما لذ وطاب وكسته بلباس حريري ورمت البقايا لفنان سوس الكبير، بل وتركت عشرات ممن يستحقون الوقوف فوق الخشبة وأحضرت لنا أشخاص رقصوا في المغرب وخارجه وملأت جيوبهم وحساباتهم. هاهي سوس ودعت تيميتار من جديد بدموع من الحسرة، ودعته تلك التي تحلم منذ طفولتها على الوقوف فوق منصته والرقص على إيقاعات سوسية، ودعه كذلك ذلك الفنان الذي أهانه عامل مأجور بين أحبابه وفوق أرضه، ودعته سوس التي أهانها المسؤول وأهانها الغرباء والأكبر من ذلك أن يهينها من رضع من حليبها.