نعم انها علاقة غريبة فعلا ، وسيتسائل القارئ اي علاقة بين اندثار السقايات في المدن من مراكش ، فاس و المدن الصغيرة الاخرى و ومستوى التعليم العمومي في المغرب ؟ من الناحية الاقتصادية نعم هناك علاقة و هناك ترابط بين المشكلتين من حيث المبدأ. في قانون العرض و الطلب الذي هو أساس الاقتصاد الجزئي ثمن السلعة لا يمكن ان يحدد بمعزل عن ثمن السلع البديلة اي السلع التي تقوم بنفس الدور و لها نفس المنفعة. خذ على سبيل المثال اذا أراد المواطن ان يشتري اللحم يذهب عند الجزار و يسأله عن ثمن لحم الخروف ، اذا كان ثمنه مرتفعا بالنسبة لهذا المستهلك ، سيسأل الجزار عن ثمن لحم البقر و اذا كان ثمن لحم البقر هو ايضا اعلى من القيمة التي يريد المواطن ان يدفعها، سيتجه هذا المواطن الى بائع الدجاج. في هذه الحالة المستهلك له خيارات بين سلع بديلة و سيقرر اي سلعة يمكنه ان يشتريها حسب اختياره و قدرته الشرائية. تخيل معي لو كان هناك مقرات الدولة يوزع فيها اللحم بالمجان، ما دا سيكون قرار المواطن في هذه الحالة؟ و ما مصير الجزار و بائع الدجاج؟
لنعود الى قضية السقايات المهدد بالانقراض و علاقتها بقانون العرض و الطلب.في القديم لم تكن هناك شركات مستثمرة في الماء، لم يكون هناك ماء سيدي علي و لا ماء سايس. لذا لجأت الدولة الى الاستثمار في السقايات لتوفير الماء الصالح للشرب لأهل المدينة .لعبت هذه السقايات دورا مهما في تزويد الساكن بهذه المادة الحيوية و اصبح الماء وافرا بالمجان.
اليوم هناك المكتب الوطني الصالح للشرب و عدة شركات تبيع الماء و تتنافس في ما بينها. يمكن للشخص ان يشتري ماء سيد علي، ماء سايس او ماء سيدي حرازم لانها سلع بديلة تقوم بنفس الدور. المشكلة التي واجهتها هذًه الشركات ان هناك سلعة بديلة توفرها الدولة و بالمجان و هو ماء السقايات التي كانت تتواجد في كل أنحاء المدينة.المستهلك في غالب الأحيان لم يكن في حاجة ان يدفع الثمن مقابل الماء.
الشركات المتنافسة في تسويق الماء فكرة في كفية رفع الطلب على كمية الماء التي تباع في الاسواق المغربية . الحل هو التخلص من المنافسة (السلعة البديلة) التي يشكلها ماء السقايات و لا يكلف المستهلك اي ثمن. لذا عملت هذه الشركات على اقفال هذه السقايات و وجد المواطن نفسه مجبرا على شراء الماء من هذه الشركات و من المكتب الوطني للماء.
هنا سأعود الى قطاع التعليم و مبدأ السلعة البديلة. هناك من يستثمر في المدارس الحرة، لكن هؤلاء المستثمرون يواجهون نفس المشكل الذي واجهته شركات الماء في البداية، المنافسة من القطاع العام. فالمواطن لن يرسل ابنائه الى التعليم الخاص اذا كانت الدولة توفر تعليما جيدا بالمجان. الحل بالنسبة للمستثمرين في هذا القطاع هو نهج نفس السياسة التي اعتمدتها شركات الماء و هدم سقايات التعليم العمومي التي يعتمد عليها الموطن.
الخلاصة هي ان ليس في مصلحة المستثمرون في قطاع التعليم إصلاح الجانب العام منه لانه يشكل منافسا و يؤثر على أرباحهم .لذلك سيحاولون إضعاف مستوى التعليم العمومي الذي يعتبر السلعة البديلة المتوفرة بالمجان و يجد المواطن نفسه مجبرا على إرسال ابنائه الى المدارس الخصة. نفس الشئ سيعرفه قطاع الصحة. لذا من ينتظر إصلاح التعليم او الصحة أشبه بمن ينتظر عودة السقايات التي تم هدمها و اختفت من الأحياء.