بعد الافراج عن الاحزاب التي ستٌشكل الحكومة أصبح الحديث عن الكواليس مجرد مضيعة للوقت، وبالتالي يجب المرور الى المرحلة المقبلة المتمثلة في توزيع الحقائب الوزارية وما لهذه المرحلة من أهمية سترهن مصير المواطين للسنوات الخمس المقبلة، ولهذه الغاية يمكننا أن ندلي بدلونا في الموضوع من خلال مجموعة من الملاحظات الشكلية والموضوعية التي نتمنى صادقين أن يتم الاخذ بها استدراكا للأخطاء التي وقعت فيها حكومة بنكيران في نسختيها الأولى والثانية: ملاحظات حول الشكل:
عدد الوزراء: إذا انطلقنا من فرضية مفادها أن الكم والعدد لا يعكس بالضرورة الكيف والجودة، فان تقليص عدد الوزراء أصبح مطلبا شعبيا ملحا الى درجة أن المواطن المغربي بات يقارن عدد الوزراء المشكلين للحكومة المغربية بنظرائه في حكومات دول قطعت أشواطا من التقدم والديمقراطية كسويسرا وكندا على سبيل المثال.
مبدأ المساواة والمناصفة: هذا المبدأ تم ضربه بعرض الحائط في الحكومة السابقة وخاصة في نسختها الاولى التي ضمت وزيرة يتيمة اسندت اليها وزارة يتيمة كذلك وهي وزارة الأسرة والتضامن وما يحمله هذا القطاع من دلالات تكريس الصورة النمطية والدونية للمرأة في المجتمع المغربي، رغم انه تم استدراك الامر وتطعيم النسخة الثانية بوجوه نسائية جديدة الا ان ذلك لن يغدوا أن يكون مجرد در للرماد في العيون ومحاولة اسكات الصوت النسائي.
إشراك الكفاءات والشباب: أظن أنه آن الأوان من أجل إعطاء الفرصة للشباب والكفاءات من أجل تقلد المناصب العليا بعيدا عن الحسابات الضيقة والولاءات القبلية والانتماءات العائلية التي أفسدت المشهد السياسي ببلادنا الى درجة أصبح المواطن يعتبر الاحزاب مجرد دكاكين انتخابية تزكي ذوي القربي والمحظوظين.
ملاحظات حول المضمون:
يمكن ابداء بعض الملاحظات حول الوزارات والتعديلات التي يجب اخذها بعين الاعتبار لاستدراك ما فات، والبداية تجدر الاشارة الى أنه يمكن تقسيم الوزارات الى مايلي:
أنواع الوزارات: وزارات السيادة: تبقى الداخلية والخارجية والاوقاف والدفاع وزرات ذات سيادة لا تخضع للمنطق الحزبي بقدر ما تخضع الى الولاء ورضى الجهات العليا، وهذا أمر لا يمكن لاحد انكاره، الوزارات الاستراتيجية: هي الوزرات التي يتهافت عليها الكل وتُسيل لعاب الوزراء المحتملين نظرا للميزانيات الضخمة التي توضع رهن اشارتهم، وأقصد هنا النقل والتجهيز والطاقة والمعادن ووزارة المالية والتجارة والفلاحة. الوزارات الاجتماعية: هي الوزارات الأقل شئنا بين الوزارات نظرا لطابعها الاجتماعي، وبالتالي فالميزانيات المرصودة لها تكون قليلة نسبيا ونقصد هنا الأسرة والتضامن والتشغيل والشؤون الاجتماعية و الثقافة والهجرة وزارات التكنوقراط: غالبا ما يتم تطعيم الحكومات المغربية المتعاقبة على مر
التاريخ بكفاءات لا تحمل ألوان سياسية، ولا أظن أن هذه الحكومة ستخرج عن هذا المنطق الموروث.
وزرات يجب استحداثها: وزارة الشؤون الافريقية والمغرب الكبير: بعد اختار المغرب العودة الى أحضان أسرته الافريقية بات لزاما عليها حشد جميع القنوات الديبلوماسية والاقتصادية وحتى الدينية من أجل إظهار حسن نواياه، وهذا المبتغى لن يتأتى الا من خلال استحداث خاصة
وزارات يجب تعديلها: كان اصلاح الادارة ولا يزال هاجس الحكومات المتعاقبة، لكن الخطاب الملكي الذي عرى واقع الادارة المغربية كان كافيا من أجل تعبئة جميع المتدخلين في هذا المجال، وعليه فإنه آن الأوان من اجل خلق وزارة مستقلة - وليس منتدبة- للوظيفة العمومية واصلاح الادارة وتخصص لها اعتمادات كافية من أجل الاعتكاف على إصلاح ما افسدته السنين من الزبونية والبيروقراطية.
وزارات يجب إلغاؤها: مجرد الاطلاع على النسخة السابقة للحكومة سيظهر جليا مدى التفريخ الذي خضعت له الوزارات من أجل شيء واحد ألا وهو ترضية الاحزاب المشاركة، وبالتالي أصبحنا أمام وزارات منتدبة متناهية في الصغر، وفي نظري يجب التوجه نحو الأقطاب القطاعية وتعويض الوزارات المنتدبة بالمديريات المركزية مما يساهم في تخفيض النفقات وتوحيد الجهود وبسط يد المراقبة والمحاسبة وكمثال على ذلك وزارة الماء ووزارة البيئة يمكن ضمهما الى وزارة الطاقة والمعادن، قس على ذلك الوزارة المكلفة بالمقاولات الصغرى وإدماج القطاع غير المنظم ليس لها مبرر في وجود وزارة الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي.
وفي الختام يبقى الفائز أو الخاسر الأكبر من تشكيل الحكومة هو المواطن المغربي، لذا يجب على كل المتدخلين استحضار الروح الوطنية من أجل هذه الغاية بعيدا عن الحسابات السياسية الضيقة التي لا تغني ولا تسمن المواطن من جوع.