خطاب تاريخي للملك محمد السادس بأديس أبابا إيدانا بعودة المغرب إلى أسرته الأفريقية ضمن الاتحاد الأفريقي تصحيحا لخطإ تاريخي وقرار انفعالي اتخذه المغرب سنة 1984 بقرار الخروج من هذا الاتحاد الذي كان يسمى آنذاك بمنظمة الوحدة الأفريقية احتجاجا على موقف عدد من الدول الأعضاء في المنظمة في تلك الفترة بالاعتراف بالجمهورية الصحراوية الوهمية. خروج المغرب من المنظمة وقطيعته لها التي دامت نحو ثلاث عقود ونيف، ترك فراغا سياسيا مغربيا فيها، وضيع فرصة التعبئة من داخل المنظمة سابقا والاتحاد لاحقا ضد خصوم الوحدة والسيادة المغربية على أقاليمنا الجنوبية المسترجعة. لأن سياسة الكرسي الفارغ لعبت بوقتنا لمصلحة الخصوم من عصابة البوليساريو ونظام الجزائر وتلامذة الأبارتايد في جنوب أفريقيا والدول التي تحت جناحها كزيمبابوي وزامبيا وكينيا ومالاوي ولوسوتو وناميبيا وغانا ونيجيريا، قبل الزيارة الملكية ا|لأخيرة التي أعادت العلاقات معها لمصلحتنا.
ففي رأيي المتواضع كان قرار المرحوم الحسن الثاني بالخروج من المنظمة خاطئا وغير محسوب العواقب لأنه ترك الملعب فارغا أمام جنرالات الجزائر للترويج لأكذوبة الانفصال للجمهورية الوهمية تحت مسمى" تصفية الاستعمار" وهو أسلوب نفع مع عدد من دول القارة التي نصارع الزمن اليوم لتوضيح المغالطات معهم كما هو حال نيجيريا وأثيوبيا وكينيا وغيرها، ولو أننا وقتها اعتمدنا الدبلوماسية الاستباقية لما كان الحال على ما هو عليه اليوم وكنا،في ظل المعطيات الحالية، اقتربنا كثيرا من حل القضية- المعضلة التي سببتها لنا الجارة الجزائر مستغلة أبناءنا من انفصاليي الداخل والجنوب.
إن قرارنا اليوم بطلب العودة ومتابعة تنفيذه حتى أصبح بالأمس حقيقة، قرار فعلا شجاع ويستحق التنويه لأنه ينم على حس دبلوماسي كبير كان يجب اتباعه منذ مدة طويلة، لأن إقناع من يختلف معك ومع طرحك لا يحل بمقاطعته والانسحاب من مكان تواجده لأن ذلك يعطيه الفرصة في الاعتقاد أنه على حق أو أن عصبيتك وتشبثك برأيك يعني أنك على خطأ ومن ثم يزيد موقفه تشبثا واقتناعا بما يدافع عنه؛ ومن المؤكد كذلك أن الجيل يختلف بين الأمس واليوم، فجيل ثمانينيات القرن الماضي الذي دفعنا للانسحاب من المنظمة ليس هو جيل القرن الحالي الذي أصبح أكثر اطلاعا وتعلما وفهما وقدرة على قراءة الواقع في القارة الأفريقية والخارطة السياسية للتكثلات القارية والإقليمية، ومن ثم فإن التحركات الملكية في عدد من دول القارة الأفريقية وبلدانها كان موقفا وخطوة فيها كثير من الذكاء والذهاء السياسي.
الخطوة المغربية بقرار العودة وكلمة العاهل المغربي أمام أعضاء الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا التي جاءت غاية في القوة والبلاغة واختلفت شكلا ومضمونا عن الخطب الرسمية لأنها لامست بالوقائع والأرقام والمعطيات جهود المغرب في سبيل العمل الجاد داخل قارته الأفريقية
وما أنجزه المغرب من مكاسب وما قدمه من عمل ملموس بالأرقام سواء على المستوى الاجتماعي بتسوية الوضعية القانونية لعدد من أبناء أفريقيا والإقامة الشرعية على أراضيه أو على المستوى الاقتصادي والسوسيو اقتصادي من خلال إعطاء أرقام ومعطيات عن حجم الاستثمارات المغربية في القارة الأفريقية مما يساعد على تطوير الاقتصادات الأفريقية وخلق فرص الشغل والعيش الكريم لأبناء القارة بدلا عن جحيم الهجرة السرية والموت في البحار والمحيطات في رحلة المجهول نحو الحلم الأوروبي.
سياسيا مكاسب العودة بالنسبة للمغرب لا شك كبيرة من منطلق أن الاتحاد الأفريقي يتعاطى سياسيا مع دول أعضاء كاملي العضوية وليس مع كيانات وهمية، أي أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي هي الدول الكاملة السيادة بحسب أعراف الأممالمتحدة وليس الكيانات الانفصالية وعليه فإن عودة بلد عضو كامل العضوية إلى بيته ا|لأفريقي من شأنه أن يربك حسابات كيان وهمي ومن يدافع عنه ويغير من نظرة من يصدق الطرح الانفصالي الجزائري الذي صرف عليه جنرالات الجزائر خيرات الشعب الجزائر بإسقاطهم مديونية دول بالكامل وغدق الأموال على أنظمة فاسدة لعدة دول أفريقية بهدف الاصطفاف بجانب موقفها العدائي لوحدة أراضينا.
واليوم بعد العودة فإن القادم هو الأهم على اعتبار أن العمل الدبلوماسي يجب ان يكون على قدر المسؤولية وعلينا أن نضيف وزارة خاصة بالشؤون الأفريقية تعمل إلى جانب الخارجية في دبلوماسية مضاعفة، وأن يتولاها أناس أكفاء ومخلصين على دراية بملفات القضية وليس أناس هدفهم السفر والتجوال، وأن يكونوا مسلحين بفريق عمل يجيد اللغات المتداولة ومن بينهم أبناء الصحراء ؛ بدلا من وزارات فارغة المضمون والمحتوى الهدف من خلقها إرضاء هذا الحزب أو ذاك، كما حال بعض الوزارات التي لم أفهم يوما دورها ككتابة الدولة في الماء وكتابة الدولة في البيئة وغيرها من كتابات الدولة التي يمكن ضمها في وزارة واحدة لتوفير الجهد والمال العام.