توقع عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، أن يتصدر حزبه "العدالة التنمية" الانتخابات البرلمانية التي ستجرى غدا الجمعة، وأن يحصل الحزب على عدد من المقاعد يفوق 107 مقاعد، التي حصل عليها الحزب في 2011، مشيرا إلى أنه سيعتزل السياسة إذا لم يتصدر حزبه الانتخابات المقبلة. ونفى بنكيران أي علاقة لحزبه بجماعة الإخوان المسلمين، قائلا في مقابلة له مع "الأناضول": "أنا لست من الإخوان المسلمين، لكنني لا أتبرأ منهم، لأنهم ليسوا جذاما (أحد الأمراض)، هم أشخاص لهم إيجابياتهم ولهم سلبياتهم.. وهناك أمور أصابوا فيها وأمور أخطأوا فيها.. هذا كل ما هناك".
ومن المقرر أن يشهد المغرب غدا الجمعة انتخابات تشريعية، بعد قيادة حزب "العدالة والتنمية" الائتلاف الحكومي للمرة الأولى في تاريخه، وهي انتخابات مباشرة يختار خلالها المغاربة ممثليهم بمجلس النواب، ويعين الملك رئيس الحزب الفائز رئيساً للحكومة إذا حصل على الأغلبية، أو يشكل تحالفاً يوفر الأغلبية لحكومته بالبرلمان.
واعتبر بنكيران تجربة حزبه على رأس الحكومة المغربية لأول مرة في تاريخ المغرب، "استمرت لأن الجميع كان مقتنعا من البداية بأنها إيجابية وتتصرف بطريقة فيها مصلحة البلد"، وأنه "كان هناك وعي بأن هنالك أشياء لن تنجزها إلا هذه الحكومة، والتقدير من أعلى (يقصد المؤسسة الملكية) لهذه الحكومة كان إيجابيا جدا". وقال رئيس الحكومة المغربية إنه بعد 5 سنوات من الولاية الحكومية، لا أحد في حزب العدالة والتنمية تدخل في شؤون المواطنين، مضيفا أن هناك جهات (لم يحددها) تعمل على التخويف من الحزب "عبر أساليب عصرية، وبإعلام مغرض بأموال كبيرة وخيالية"، إلا أن المغاربة مستوعبون لما يحدث.
ولفت إلى أن حزبه يؤمن بالحرية، وأن دور الإسلاميين عندما يكونون في الحكومة هو القيام بالعدل بين الناس، ومساعدة المحتاجين، وليس التدخل في حرياتهم. وأوضح بنكيران أن وزارة الداخلية ببلاده ككافة الوزارات، تحت إشرافه كرئيس للحكومة، وإشراف العاهل المغربي، مشيرا إلى أن هناك "ضمانات ملكية لنزاهة الانتخابات، وإذا كانت لدينا ضمانات ملكية ولم تكن الانتخابات نزيهة فهذا مشكل".
وبخصوص محاولة الانقلاب الفاشلة بتركيا في منتصف يوليوز الماضي، قال إن "فشل المحاولة الانقلابية كان انتصارا للشعب التركي، وانتصارا للديمقراطية، وكل انتصار للديمقراطية هو هزيمة للاستبداد"، مهنئا الشعب التركي والرئيس رجب طيب أردوغان والأحزاب السياسية الأخرى التي وقفت كلها إلى جانب الديمقراطية.
وفيما يلي نص الحوار:
- جئتم إلى الحكومة بعد فوزكم في انتخابات 2011 التي جاءت في سياق الربيع العربي، على غرار عدد من الدول العربية التي جاءت بالإسلاميين إلى الحكم أو الحكومة، سقط بعض هذه الحكومات وأُسقط بعضها هذه الحكومات وبقيتم أنتم إلى نهاية ولايتكم، ما هي "وصفة" نجاح تجربتكم في هذا الإطار؟
-- أنا أفضل أن أجيب بالقول إن الرياح التي جاءت بنا واحدة لكن نحن مختلفون، وكوننا بقينا هو محض فضل من الله تعالى، المملكة المغربية لا يعرفها الناس في الخارج جيدا، فهي دولة قديمة وعندها أعراف وتقاليد، والمهم هو الحكم، والذي كان ولا يزال هو جلالة الملك (محمد السادس)، فهذه دولة حافظت على رئاستها، وإذن لم يكن ممكنا بالنسبة لرئيس الحكومة إلا أن يأخذ المجال الذي يناسبه، ورغم الإرباكات والزلال (المصاعب) التي أرسلت على هذه التجربة لتشابهها في المغرب وتونس ومصر وغيرها، لكن كل تجربة لها خصوصيتها، وأظن أن هذه التجربة استمرت لأن الجميع كان مقتنعا من البداية بأنها إيجابية وتتصرف بطريقة فيها مصلحة البلد، بل دعني أقول لك أنه كان هناك وعي من البداية بأن هنالك أشياء لن تنجزها إلا هذه الحكومة، وأذكر في هذا السياق بتصحيح قامت به القناة الثانية، لمراهقتها السياسية لما تهجمت على إصلاح المقاصة (دعم السلع الأساسية) والماء والكهرباء، وجاءها تنبيه، وجذبت أذنها ببلاغ قرأه أحد مذيعها، يقول لو أن كل الحكومات السابقة قامت بواجبها في موضوع المقاصة والتقاعد والماء والكهرباء لما وصلنا إلى الأزمة التي وصلنا إليها، إذن فإن التقدير من أعلى (يقصد المؤسسة الملكية) لهذه الحكومة كان إيجابيا جدا.
- هذا السؤال يجرنا إلى سؤال متعلق به حيث تؤكدون دائما أنه لا علاقة تنظيمية أو سياسية تجمعكم بالإخوان المسلمين، لكن خصومكم يصرون على ربطكم بالإخوان، ما هي حدود علاقتكم بالإخوان؟
-- خصومنا لم يجدو شيئا يجابهونا به، ليست لنا علاقة بالإخوان المسلمون، عندنا علاقة ودية نلتقي في بعض الأحيان وبعض المؤتمرات ونتصافح كما يتصافح كافة الحاضرين، قبل قليل سألتني صحفية عن علاقتي بأردوغان، قلت لها ليس لي علاقة شخصية مع أردوغان، هو رئيس دولة أنا رئيس حكومة لما كان رئيس حكومة زارنا في المغرب كرئيس حكومة واستقبلته، طبيعي الحساسية متشابهة والاسم متشابه لكن ليس عندي علاقة شخصية مع أردوغان... هل تعتقد أن المغرب لو كنا إخوان مسلمين هل هذا كان سيخفى عن أجهزتنا الأمنية؟، هل لهذه الدرجة أجهزتنا تنام في العسل؟.. أنا لا أستحي أن تكون لي علاقة مع الإخوان المسلمين أو أن أكون منهم لو كنت منهم لكنني لست منهم، المشكلة هي أن خصومي لا يجدون ما يعيبونني به ولأن الإخوان المسلمين يمرون من محنة، فهم يريدون أن يقولوا إن هؤلاء إخوان فندخلهم في محنة كما أدخل الإخوان في محنة، وهذا بطبيعة الحال منطق متهاوي، وتعقل الدولة المغربية يرفضه، وكما يقول الفرنسيون: (إذا أردت أن تقتل كلبك اتهمه بأنه أصيب بالسعار)، فأنا لست من الإخوان المسلمين لكنني لا أتبرأ منهم لأنهم ليسوا جذاما، هم أشخاص لهم إيجابياتهم ولهم سلبياتهم، وهناك أمور أصابوا فيها، وأمور أخطأوا فيها، وهذا كل ما هناك.
- رفعتم شعار "الإصلاح في ظل الاستقرار"، إبان الربيع العربي في 2011، ووصلتم إلى الحكومة رافعين شعار "محاربة الفساد والاستبداد"، ما حظ هذه الشعارات في حصيلتكم الحكومية، في الوقت الذي يقول خصومكم أنكم آثرتم الاستقرار على إنجاز إصلاحات سياسية عميقة وفقا لدستور 2011؟
-- هذا صحيح، آثرنا الاستقرار، ولا تستغرب أننا لم نحارب الفساد والاستبداد، بل استغرب أنه هو لم يقض علينا، الفساد والاستبداد له أنصار كثيرون يستفيدون منه، فقد كانت هناك محاولات عديدة للإرباك والإسقاط والاستبدال والتغيير، وحتى الآن حتى هذه الانتخابات التي نحن بصددها غدا إن شاء الله، كل حلمهم هو أن يسقطوننا، حتى وصلوا إلى حدود الهلوسة، بعضهم قال المغرب مهدد بما وقع في سوريا، وبعضهم قال هنالك تنظيم دولي لست أعرف أين فيه أشخاص لم أسمع بهم في حياتي، يحضرون لمساندة الإخوان المسلمين الموجدين في المغرب، هؤلاء وصلوا إلى حد الهلوسة وفقدوا صوابهم، هم (أنصار الفساد) من حاربنا، وهم من يستمر في محاربتنا، لكن نحن نحاول الإصلاح، ويمكن أن تأخذ الخمس سنوات التي قضيناها في الحكومة وتنظر كم من قاض عزل وكم من شخص في الأمن توبع أمام القضاء، أن تلاحظ أنه لأول مرة في مبارايات (مسابقات) توظيف شباب الأمن الوطني وقع كشف خروقات وغش وتمت متابعة (ملاحقة) مسؤولين، روح جديدة تسري في المغرب في محاربة الفساد والاستبداد وهو عمل سوف يطول.
- تُتهمون بتنازلكم عن صلاحياتكم الدستورية لصالح الملك من أجل الحفاظ على استمراركم في الحكومة؟
-- ليس من أجل أن أستمر أنا في الحكومة، لكن من أجل أن تستمر الحكومة إلى اليوم، وهذا بالنسبة للمغرب شيء لا ثمن له، لأنه دليل على الاستقرار، ولأن الاستثمار يتبع الاستقرار، والعلاقات الخارجية تتبع الاستقرار، وتنظيم مؤتمر الأممالمتحدة حول المناخ في المغرب في نوفمبر (تشرين ثان)المقبل، بسبب الاستقرار، كل هذا لأن الحكومة ولله الحمد جاءت وبقيت خمس سنوات، ولم تقع أي أزمة كبيرة، خلال الأزمة التي كان سببها حزب الاستقلال في 2013 بخروجه من الحكومة (غادر معظم وزراء حزب الاستقلال الحكومة، وتحول الحزب إلى المعارضة، ليفقد الائتلاف الحكومي أغلبيته، قبل أن يلتحق حزب التجمع الوطني للأحرار بالائتلاف ويعيد إليه الأغلبية المطلوبة). في بعض الأحيان يضطر الإنسان إلى أن يتنازل، لكن أنا لم أتنازل عن أي من صلاحيتي الدستورية، لكنني تعاملت مع جلالة الملك بمنطق التعاون، وحين كانت تأتيني بعض التوجيهات منه كنت ألتزم بها، ولا أخفيك أن هذا أعتبره إيجابيا، وعلى كل حال كنت واضحا يا معشر المغاربة وقلت لكم إذا كنتم تريدون شخصا يخاصم ملككم فأنا لا أصلح لكم، ونفس الشيء أكرره لكم اليوم.
- قبل وصولكم إلى الحكومة، كان هناك تخوف من بعض القطاعات في المجتمع المغربي على الانفتاح الذي يعرفه المغرب من حزب يوصف بكونه "إسلامي" أو ذي مرجعية إسلامية، وبعد خمس سنوات هل استطعتم أن تغيروا نظرة هؤلاء إليكم، أو بصيغة أخرى هل استطعتم تبديد هذه المخاوف؟
--إذا بعد 5 سنوات، ولا أحد في حزب العدالة والتنمية تدخل في شؤون أحد، ولم يتبدد هذا التخوف، فهذا يعني أنه ليس هناك تخوفا، بل تخويفا يتم الاشتغال عليه بأساليب عصرية، وبإعلام مغرض بأموال كبيرة وخيالية لا يعلم مصدرها إلا الله. وبعدما لم تجد بعض الجهات (لم يحددها) عيبا حقيقيا في شخصي أو في الحزب، يقولون في ذهنك شيئا ما، وكيف تستطع أن تثبت أن ذهنك ليس فيه شيئا ما؟ فهذا تخويف ماكر، ولكن المغاربة مستوعبون ما يحدث.
حزب العدالة والتنمية يؤمن بالحرية، فإذا كان رب العزة أعطى الحق للإنسان أن يؤمن أو أن يكفر، فهل يعقل أن نتدخل في لباس المرأة وفي لباس الرجل وفي العلاقات بينهما، حتى شريعتنا لا تذهب إلى بيوت الناس، أو تبحث ماذا يفعلون. الصورة التي تروج على من يسمون بالإسلاميين خطأ، وهي ليس حقيقية، والحقيقة أننا نؤمن بالحرية، ونؤمن بأن كل واحد مسؤول أمام الله تعالى فيما يفعل، ودورنا عندما نكون في الحكومة أن نقيم العدل بين الناس وأن نسعف (نساعد) المحتاج ، وليس أن نقيس عدد السنتيمترات الظاهرة في لباس أقدام النساء.
- يتحدث حزبكم وبعض الأحزاب الأخرى عن تضييقات يتعرض لها مرشحوه من بعض رجال وأعوان السلطة، كما أصدرت وزارة الداخلية في الآونة الأخيرة بيانات ضد الحزب، وخرج وزير العدل المنتمي لحزبكم للحديث بأنه لا يُشرك في تدبير الانتخابات إلى جانب وزير الداخلية.. المتابعون من خارج المغرب يريدون أن يعرفوا وضعية وزارة الداخلية في المغرب؟ هل تعمل خارج توجيهات رئيس الحكومة؟
--وزارة الداخلية هي ككافة الوزارات، وهي تحت إشراف رئيس الحكومة، وفوق ذلك تحت إشراف الملك، وحتى تكون الأمور واضحة، وهي ليست تحت إشراف رئيس الحكومة وحده، على اعتبار أن الملك هو الذي يترأس مجلس الوزراء، ويرأس رئيس الحكومة وباقي الوزراء، ووزارة الداخلية هي وزارة خاصة بالمغرب، وهي ليست كالوزارات الأخرى وليست الوزارة التي كانت في عهد إدريس البصري (وزير الداخلية الراحل الذي كان نافذا وقويا في عهد العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني)، وهي وزارة تتطور وتتغير، وعندها خصوصيات، يعني هي أقوى من الوزارات الأخرى، وتسكنها روح، يعني شيء من الهيمنة، ولكن كذلك هي وزارة ناجعة، فنحن نريد أن تستمر في قدرتها ونجاعتها، وفي نفس الوقت نريد أن تخف هيمنتها وهذا يأتي تدريجيا.
- بخصوص نزاهة الانتخابات ... ؟
--(مقاطعا) ستكون نزيهة ان شاء الله.
- بهذا الخصوص، تقولون إن العاهل المغربي أعطى تعليماته بضمان نزاهة الانتخابات، وقلتم في تصريحات سابقة إن الملك حذر وزير الداخلية من المساس بنزاهتها، ولكن إلى حدود أمس الأربعاء، كانت هناك شكاوى من حزبكم وأحزاب أخرى تتهمون فيها بعض رجال وأعوان وزارة الداخلية بعدم الحياد بدعم مرشحي حزب الأصالة والمعاصرة، هل لديكم تخوف على نزاهة انتخابات الغد، وفي حالة مست نزاهة الانتخابات فمن سيكون المسؤول عنها؟ وماذا سيكون رد فعلكم في هذه الحالة؟
--لماذا تطرح علي هذا السؤال.. جحا قيل له هذا الصَدَاق قليل، قال حين أطلق زوجتي أتمم لكم الصداق، ما لنا وهذا السؤال، قلت لكم عندنا ضمانات ملكية بنزاهة الانتخابات، وإذا كانت لدينا ضمانات ملكية ولم تكن الانتخابات نزيهة فهذا مشكل.
- ربطتم مستقبلكم السياسي بتصدر حزبكم لانتخابات يوم غد، ما هي الرسالة من هذا التصريح وهل هي موجهة لأعضاء حزبكم أم للمواطنين المغاربة أم لجهة ما في الدولة؟
--هذا شيء عادي بسيط، وأنا كشخص لدي مسار وأطروحة دافعت عنها، وهي الإصلاح في إطار الاستقرار، والحزب تبعني واختارني رئيسا في 2008، والدولة اختارتني رئيسا للحكومة 2011، واليوم قُدت الحزب والحكومة، وكل المؤشرات تدل على أن الحزب سيتصدر المشهد السياسي، وإذا لم يقع هذا كما في الديمقراطيات كلها، فالشخص الذي كانت عنده رؤية لم يستطع تحقيقها، يستقيل، ولماذا لا أستقيل؟، وهل من الضروري أن يبقى في المشهد السياسي الأستاذ عبد الله بنكيران، فهو واحد من الناس إذا بقي، سيبقى يحاول وإذا ذهب سوف يرتاح هو وربما أشخاص آخرون.
- في مهرجاناتكم الانتخابية التي قمتم بها وحضرها الآلاف من أنصاركم تبدون واثقين من تصدركم انتخابات 7 أكتوبر (غدا). في عام 2011 توقعتم عدد المقاعد التي سيحصل عليها الحزب في الانتخابات وكانت قريبة جدا مما حصلتم عليه، ما هي توقعاتكم لعدد المقاعد التي سيحصل عليها حزبكم في هذه الانتخابات؟
-- خلال هذه الانتخابات سنتجاوز نتائج الانتخابات البرلمانية لعام 2011 (حصل فيها الحزب على 107 مقاعد من أصل 395 هم إجمالي مقاعد مجلس النواب) إن شاء الله، وسنتصدر المشهد السياسي.
- كيف كان تقييمكم لنجاح تركيا في إفشال المحاولة الانقلابية، وما تأثير ترسيخ الديمقراطية بهذا البلد المسلم على تجارب الديمقراطية بالعالم الإسلامي بشكل عام والمغرب بشكل خاص؟
--كان انتصارا للشعب، وانتصارا للديمقراطية، وكل انتصار للديمقراطية هو هزيمة للاستبداد، وهنيئا للشعب التركي وللسيد رجب طيب أردوغان الرئيس التركي، ولحزب العدالة والتنمية التركي، وللأحزاب السياسية الأخرى التي وقفت كلها إلى جانب الديمقراطية.