غالبا ما يطلق وصف العلماني على كل ما هو لاديني وفي اعتقادي هذا خطأ فعلى المستوى الإصطلاحي تعرف العلمانية على أنها فصل الدين عن السياسة وبناء على ذلك ظهرت مصطلحات الإسلاموية والأصولية وغيرها من النعوت المشحونة بحمولة أيديولوجية أكثر منها نعوت وتعريفات عادية ومن الملاحظ أن شعار (دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر) لم يمنع الذين جرت العادة بنعتهم بالعلمانيين من ممارسة عباداتهم او بالأحرى طقوسهم فهم في جميع الأحوال وفي جميع الأديان وجميع البلدان لا ينسلخون من موروثهم الاجتماعي سواء كان دينيا او عرفيا او ثقافيا أو عرقيا أو طائفيا لدرجة التعصب المقيت الذي يؤدي لحروب طاحنة. و إذا كان سياسيي غالب الدول الإسلامية لا يتجرؤون للدعوة إلى العلمانية صراحة ففي بلدنا - و كعادته فهو يحتفظ بالتميز في كل شيء - نجد من السياسيين الذي ينعتون انفسهم بالعلمانيين منتمين للزوايا فيحيون المواسم والحفلات الدينية وأكثر من ذلك تجد بعضهم يتبعون مذاهب غارقة في الشعوذة والخرافات رغم انهم من الرموز العلمية والثقافية والاكاديمية ورغم ادعائهم للحداثة والتقدم والمعاصرة ورغم توجهاتهم الأيديولوجية المختلفة فمن التقدمي الاستئصالي إلى اليميني المتطرف مرورا بشتى التوجهات المعتدلة كل هؤلاء يزاوجون بين العمل السياسي و (الجانب الروحي) ولا يهمنا إن كان ذلك تقية أو ايمانا حقيقيا لكن بالمقابل نجد بعض التوجهات الإسلامية غارقة في تشبثها بأن ما يعنيه الحديث النبوي (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) هو السياسة فتجدهم أكثر سلبية في نقاش ومعالجة وتداول الشؤون العامة للناس ولهم قراءات جد متنطعه لمختلف الاحداث وقراءات أو تفسيرات جد خاصة لمفهوم الولاء والبراء في الإسلام مما يجعلنا نستنتج ثلاث نقط صارخة: ان هؤلاء المتدينين أكثر علمانية من السياسيين باعتبار أن الأولين يطبقونها عمليا والاخرين يدعونها نظريا ويخالفونها تطبيقا أن الإسلاميين أصحاب هذا التوجه أكتر تشبتا وعصبية لهذا الاختيار بخلاف العلمانيين السياسيين الذين يطبقون مبدأهم بمرونة مبالغ فيها بما يخدم مصالحهم واختياراتهم ان موقف الإسلاميين أساسا هو موقف سياسي في حد ذاته سواء بوعي منهم ام من دون وعي وسواء بإملاءات من جهات أخرى ام لا وسواء كانوا أبرياء في اختيارهم ام لا وبناء على هذه الملاحظات أتساءل لماذا لا ينعت هؤلاء المتدينين بالعلمانية؟ فهم أحق بهذا الوصف من غيرهم وبالنسبة لي فأحسن تعليق على هذه الظاهرة هي قول أفلاطون (الثمن الذي يدفعه الطيبون تلقاء لا مبالاتهم بالشؤون العامة هو أن يحكمهم الفاسدون) مع التسطير على كلمة (الطيبون).