دفعت روح التغيير الإيجابي ومنطق المشاركة المواطنة والتوجه الحداثي التي أتى بها دستور 2011 هيئات جديدة من النسيج الجمعوي للمساهمة في التنمية الفاعلة والفعالة في تدبير الشأنين العام والمحلي ،غير أنه يبدو أن عوائق إجرائية قد تعطل أحيانا هذا المسار الجديد الذي تريد الانخراط فيه فعاليات من المجتمع المدني.هناك نماذج متعددة من مثل هذا تعاني من معضلة التأخير أو الرفض في تسليم أو منح الوصل المؤقت لها من لدن السلطات المخول لها دستوريا صلاحية تدبير هذا المرفق ،ومن الأمثلة على ذلك ما يقع للرابطة الوطنية لمتقاعدي وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية،إذ يوضح كاتبها العام السيد عبدالعزيز العزري - وفق ما أدلى به في رسالته وفي الوثائق المنشورة على صفحة الرابطة على الفايسبوك -أن جمعيتهم تشكو من رفض السلطات منح الوصل المؤقت لها رغم استكمال مراحل التأسيس للجمعية -حسب تصريحه-و رغم توجيه العديد من المراسلات للجهات المعنية بخصوص هذا التأخير أو الرفض في تسوية الملف القانوني للجمعية كي تنخرط مثل كل الجمعيات الفاعلة في المجتمع في بناء وطن تشاركي وتفاعلي عموده الفقري أصالة ممتدة على مر العصور وحداثة إيجابية متقدمة،مسؤولةومنفتحة على العالم تحت القيادة الرشيدة لعاهل المملكة المفدى ضامن وحدة واستقرار هذه الأمة المغربية العريقة.ولأهمية هذا الموضوع في علاقته الاستعجالية بمسألة تفعيل وتنزيل الدستور الجديد، يؤكد عصام أوهاب بمقال نشر بتاريخ السبت 14 مارس 2015 بموقع "أنباء المغرب"أنه:في هذا الإطار كان لابد من ملاءمة الإطار القانوني المنظم للجمعيات مع هذه المقتضيات الجديدة،وقد عملت اللجنة الوطنية للحوار الوطني حول المجتمع المدني والأدوار الدستورية الجديدة، على صياغة مسودة لمشروع قانون ينظم عمل الجمعيات، هذه المسودة مكونة من 100 مادة مقسمة على سبعة أبواب رئيسية، وتشمل مجموعة من المقتضيات، خصوصا تلك المتعلقة بكيفية التأسيس ومبادئ التدبير الجيد ثم أهم الجزاءات.وللإشارة فإن تنظيم عمل الجمعيات منظم بظهير 15 نونبر 1958 المنظم لحق تأسيس الجمعيات، مع مجموعة من التعديلات التي أتت فيما بعد.ومن بين أهم النقط التي أتت بها المسودة الجديدة مقارنة مع الظهير السالف الذكر نجد ما يلي:تبسيط مسطرة التأسيس، خصوصا فيما يتعلق بتسلم الوصل المؤقت وانتظار الوصل النهائي، إذ لم يعد مؤسسي الجمعيات بحاجة إلى وصلين أثناء تأسيس جمعيتهم "مؤقت ونهائي"، حيث اكتفت المسودة بوصل التصريح فقط،والذي يسلم فورا ودون تأخير أثناء تقديم ملف التصريح، وهذا التصريح يخول للجمعية المؤسسة التمتع بكل الحقوق المنصوص عليها في القوانين الجاري بها العمل، وفي ممارسة أنشطتها المقررة في قانونها الأساسي.كما أن رفض تسليم الوصل أو طلب إضافة وثائق أخرى غير تلك المنصوص عليها في القانون، يعرض الموظف المكلف بتلقي تصريحات التأسيس لجزاءات تصل إلى 20 ألف درهم، وتضاعف العقوبة أثناء العود بالإضافة الى عقوبات تأديبية أخرى.ويوضع تصريح التأسيس لدى النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية التابع لها مقر الجمعية، عوض تقديمه إلى مقر السلطة الإدارية المحلية.و تم حصر الوثائق التي يتضمنها ملف التصريح في:نسخة من القانون الأساسي للجمعية، ونسخة من محضر الجمع العام موقعة من رئيسها أو ممثلها القانوني، ونسخة من لائحة بأسماء وعناوين أعضاء الهيئة المسيرة للجمعية ومهامهم، ونسخة من من بطائق التعريف الوطنية لأعضاء الهيئة المسيرة، أو بطائق الإقامة بالنسبة للأجانب.بالإضافة إلى نظير واحد من كل الوثائق المذكورة، وتكون هذه الوثائق موقعة ومصححة الإمضاء.و في حالة وجود نقص في الوثائق المكونة لملف التصريح، يقوم الموظف المعني بإرجاع الملف إلى المصرح مع تعليل مكتوب مؤرخ ومختوم، يتضمن نوعية وعدد الوثائق الناقصة، على أن يستوفي المصرح الشروط القانونية للتصريح ويجدد وضع طلبه في أجل أقصاه ستون يوما.وتم تمديد أجل التبليغ عن أي تغيير يطرأ على الجمعية من شهر في القانون الحالي إلى 60 يوما في المسودة الجديدة.وتنص المسودة الجديدة على أهمية القانون الداخلي للجمعيات كآلية للتدبير الجيد ، ويساعد على تطبيق الديموقراطية الداخلية.وتطوير آليات التدبير المالي ووضع آليات لترسيخ مبادئ الحكامة؛كالشفافية والمساءلة وتكافؤ الفرص.وذلك من خلال التزام الجمعيات بنشر حساباتها المالية ووثائق مصادق عليها سنويا بكل الوسائل المتاحة، بالإضافة إلى ضرورة مسك المحاسبة والمحافظة على الوثائق المحاسبية لمدة 5 سنوات.و تحديد المبادىء التي يتم وفقها عقد شراكات مع السلطات العمومية والجماعات الترابية، وخصوصا مبادئ الندية و التكافؤ والمشاركة، كما تم تحديد بعض المجالات التي تشملها هذه الشراكات، كتنمية ثقافة المواطنة والديموقراطية، وتنمية السلوك المدني وثقافة التطوع والتضامن، وإعداد وتنفيذ وتقييم مخططات التنمية الجماعية.ولم تكتف المسودة بتحديد المبادى التي تتم وفقها الشراكات وتحديد مجالاتها وطبيعة هذه الشراكات التي يجب أن تكون عقود مكتوبة، فقد حددت كيفية عقد هذه الشركات والتي يجب أن تنشر سنويا إعلانات عن برامج للشراكة مع الجمعيات لتلقي العروض ودراستها، حتى لا تكون هناك عشوائية وانتقائية في عقد شراكات مع جمعيات دون اخرى.ومحاولة عقلنة توزيع المنح، عن طريق وضع مسطرة خاصة للحصول على المنح، والمتمثلة بالخصوص في ضرورة أن تعلن السلطات العمومية والجماعات الترابية خلال مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر،عن قائمة بالمشاريع الجمعوية المفتوحة لتلقي طلب المنح، ويتضمن الإعلان شروط إسنادها وفق دفاتر تحملات، ويكون هذا النوع من التمويل عن طريق طلب عروض بناء على اتفاق مكتوب يحدد موضوع التمويل وشروطه والتزاماته وطرق صرفه ومراقبته. كما يتم نشر المشاريع المستفيدة ومبالغ التمويل وتقارير إنجاز المشاريع كليا أو جزئيا كل سنة من طرف السلطات المانحة على موقعها الإلكتروني وبأي وسيلة أخرى.و ومن بين المقتضيات الجديدة كذلك، إحداث مؤسسة عمومية تسمى الوكالة الوطنية لدعم قدرات العمل الجمعوي، من بين مهامها الدراسات والبحث العلمي في قضايا العمل الجمعوي وموارده، بالإضافة إلى التكوين والتكوين المستمر لأطر الجمعيات ومستخدميها في مجالات حريات الجمعيات ومسؤولياتها وأدوارها وحكامتها وعلاقاتها.وإسناد قضايا الزجرية أو المدنية للمحاكم الابتدائية،في حين تسند قضايا التأسيس أو الحل للمحاكم الإدارية.تلك هي أهم المستجدات التي أتت بها مسودة مشروع قانون الجمعيات، والملاحظ أن هناك تبسيط في مسطرة التأسيس،في حين أن هناك قواعد جديدة في التدبير وآليات متطورة في التسيير المالي للجمعيات، غير أنه يجب ترسيخ ثقافة التعامل مع القانون في أوساط الفاعلين الجمعويين،والرفع من مستوى التعامل مع المؤسسات، لكي لا تبقى هذه المستجدات إن تمت المصادقة عليها مجرد حبر على ورق.انتهى بتصرف كلام عصام أوهاب وفي موضوع ذي صلة بمعاناة متقاعدي القطاع العام،نجدد التأكيد على ما حملته في وقت سابق رسالة السيد عبدالعزيز العزري نابعة من قلوب معتصرة ألما وحرقة مما يطالها من حيف وظلم وتبخيس من قبل مدبري الشأن العام في دولة الحق والقانون ودولة المؤسسات التي كان صداها يتردد أكثر من مرة على لسان الوزير المنتدب المكلف بالميزانية إدريس الأزمي بحلقة من برنامج "قضايا وآراء"،إذ لم ينبس ببنت شفة حينما سأله مشكورا النقابي العتيد علي لطفي عن سبب عدم زيادة 600 درهم للمتقاعدين أيضا أمام الجمود التام لراتب المعاش لدى الفئة المتوسطة منهم مقابل الارتفاع شبه اليومي في معظم أسعار المواد الاستهلاكية وأسعار الخدمات ورسوم التمدرس والتأمين بالقطاع الخاص ووسائل النقل، واللائحة لا حصر لها في عهد حكومة بن كيران منذ خمس سنوات تقريبا ،وهم يؤدون مثل الجميع الضريبة على القيمة المضافة والضرائب والرسوم المختلفة لفائدة الدولةوالجماعة والمساهمة بما تبقى لها من معاش يتآكل يوما عن يوم في تنشيط عجلة الاقتصاد الوطني. والحال أنه إذا ضربنا 600 درهم الشهرية في 5 سنوات ، فسنحصل على مبلغ إجمالي يصل إلى 36000 درهم ، وهو ما تستحقه فئة المتقاعدين مثل نظرائهم من المواطنين من موظفين ووزراء ممن صرفت لهم ستمائة درهم على قلتها منذ 2011 ، ويجب في إطار دولة الحق والقانون المتحدث عنها ووفق معايير العدالة الاجتماعية والقيم الإنسانية المتعارف عليها دوليا أن تصرف لهم جميعا دون استثناء بأثر رجعي، والله يسامح في فوائدها المتراكمة خلال خمس سنوات مضت تقريبا ، ولا حاجة للتذكير بالدول التي ضاعفت أو زادت بمقدار وازن في رواتب المعاشات والأجور إبان هبوب رياح فورة الربيع العربي ، حتى تخفف إلى حد ما من وطأة الضغط الشعبي على حكوماتها ورؤسائها.وبخصوص ما أورده السيد العزري من إقدام حكومة السيد ابن كيران على الزيادة في مبلغ المعاشات التي تفوق 8000 درهم ابتداء من سنة 2013 بمقدار يصل في حده الأقصى إلى 850 درهم،فإنه يؤكد أن تلكم الزيادة قد نشرت بالجريدة الرسمية ويتحدى بها الجميع .وإذا صح هذا ، فعلى النقابات أن تطالب الحكومة بتعويض هذه الفئة المتوسطة من المتقاعدين التي تتقاضى أقل من 8000 درهم في الشهر بزيادة مماثلة والدفع أيضا في اتجاه استفادة جميع المتقاعدين من حقهم في ستمائة درهم المعلومة بأثر رجعي يعود إلى سنة 2011.وللتذكير ، فقد حسنت الدولة -كما هو معلوم لدى الخاص والعام -وبشكل استثنائي وجد مرض -واللهم لا حسد،يغبطون ولا يحسدون -لفائدة عدة شرائح منذ عهد الحكومات السابقة إلى اليوم ، من أجور وتعويضات ومنح وعلاوات تتعلق بالسادة القضاة أورجال الداخلية والأمن أوالجيش أوموظفي الخارجية أوالأطباء وأساتذة الجامعات أوالمهندسين والتقنيين والمراقبين الجويين وفئات أخرى غير المتصرفين والمتقاعدين الذين لا حول لهم ولا قوة في الاستفادة من مثل هذه الحقوق التي ينبغي أن تعمل بمفهوم المساواة والعدل بين كافة المواطنين من موظفي الدولة ومتقاعديها فمتى تفعل الحكومة والمركزيات النقابية والباطرونا الحوار الاجتماعي من جديد على ضوء حزمة خيارات متكاملة جد مرضية للأسر المغربية لنزع فتيل الغضب والتوتر بالمجتمع أمام تراجع مؤشر المعيشة لدى أغلب المغاربة؟خاصة وأن التقرير الأخير لبرنامج الأممالمتحدة حول الضعف البيئي والاقتصادي للدول التي تواجه ارتفاع أسعار المواد الغذائية في جميع أنحاء العالم، بين أن المغرب يحتل المرتبة 14 من بين 110 بلدان، وأن أسعار المواد الغذائية عندنا – حسب التقرير الأممي- مرتفعة أكثر فأكثربالسوق الدولية.ففي الحوار مع السيد عبد الحق العربي مستشار رئيس الحكومة المنشور بموقع حزب البيجيدي ،كشف هذا الرجل عن معطيات جديدة ومثيرة مرتبطةبالحوارالاجتماعي مع المركزيات النقابية،لكنه أغمض عينيه عن الحديث حول ما إذا كان مطلب المركزيات النقابية الخاص بتحسين المعاشات يخص رفع الحد الأدنى فيه إلى ألف وخمسمائة درهم في الشهر أو هو ما يخص أيضا الزيادة في معاشات متقاعدي القطاع العام الذين يتقاضون أقل من 8000 درهم والذين حرموا من الاستفادة من زيادة 600 درهم في معاشهم في عهد حكومة السيد عباس الفاسي المقررة للموظفين والوزراء آنذاك للرفع من قدرتهم الشرائية ابتداء من ماي 2011.يا سيادة المستشارالرفيع المستوى إنه مطلب آخر مستقل عن مطلب تحسين المعاشات الذي تطالب به المركزيات النقابية ،وماذا عن اقتراح سلة دعم و تسهيلات قد تهم أساسا الأسر المتوسطة الدخل التي تدرس أبناءها خاصة بالسلكين الابتدائي والإعدادي والمكرهة على ذلك بالمدارس الخصوصية الملتهمة من دخلها المتوسط نصيبا مهما ومفروضا عبر أداء تكاليف التمدرس الباهضة+كلفة النقل الشهرية+رسوم التمدرس+التأمين والأنشطة الموازية السنوية غير المنضبطة لرؤية معقولة ومدروسة بعناية بعيدا عن أي توجه تجاري ربحي للمنظومة التعليمية بالإضافة إلى الاقتناء الكامل للأدوات والمقررات المدرسية المرهقة أسعارها لهذه الشريحة من المجتمع، ولو حاولنا الاقتراب مما يستوجب من ضروريات حياتية أخرى لضمان العيش الكريم والصحة والسكن اللائق لهذه الأسر المتوسطة الدخل ،فسنصعق صعقا بسؤال محير يقفز إلى الأذهان: كيف يستطيع العيش هؤلاء وفق هذه الوضعية الصعبة للغاية ؟إذ أن متقاعدي أقل من جوج فرنك (8000 درهم ) تكتوي بنار الزيادات المتتالية منذ أن أحيلت على المعاش النسبي أو الكامل أو الاضطراري في جل الأسعار خاصة الأساسية منها ،إضافة إلى ما تستنزفه الأبناك وشركات التأمين وشركات القروض والنقل والإسكان والمدارس الخصوصية والمؤسسات الحكومية والجماعات المحلية من مبالغ مالية ورسوم التنبر والتسجيل وما شابه ذلك، كلما اضطر متقاعد أقل من 2 فرنك إلى قضاء حاجة ضرورية عندها له أولأبنائه ولذويه ، وهو أمر ينبغي مراجعته وتقنينه إما بالزيادة في المعاش لهاته الفئة أو منح تسهيلات ضريبية وتسعيرية أو تحفيزية ومساعدات اجتماعية خاصة بها رفقا بأحوالها المعيشية وعملا بالحق الدستوري في العدالة الأجرية بين كافة المواطنين والمواطنات ,علما بأن تلكم النفقات الضرورية تخرج إربا إربا من راتب معاشها غير المريح والمجمد بغير حراك والذي أضحى سريع الذوبان بين عشية وضحاها. ويمكن للحكومة حقيقة مثلما هو معمول به في كثير من الدول ،أن تحدث بطاقة “مزايا” آلية أو بطاقة تخفيض وطنية معالجة ومراقبة إلكترونيا للمتقاعدين تشمل تخفيضات “مهمة في سوق الاستهلاك المحلي “، خاصة بالمراكز والأسواق التجارية الكبرى لتأمين احتياجاتهم المعيشية ولذوي حقوقهم,وقد تتضمن تسهيلات (تجارية، تعليمية، صحية، رياضية، ترفيهية، سياحية، سكن وتغذية وتنقل إلخ ..).ويمكن أن تمنح بطاقة التخفيض للمتقاعد ما لا يقل عن 50% على الرسوم والضرائب التي تفرضها الحكومة ،كما قد يعفى من أداء الرسوم الجماعية أو من بعضها،واقتراح منح هذه الشريحة المهضومة الحقوق والتي لا تستفيد من الزيادة في معاشاتها، مزيداً من الامتيازات، لتكون سبل العيش ميسرة لها في زمن التهاب الأسعار وارتفاع تكاليف المعيشة عملا بمفهوم الحق في العدالة الأجرية و مفهوم الإنصاف في توزيع ثروات البلاد حفاظا على السلم الاجتماعية والقدرة الشرائية لكافة المواطنين والمواطنات داخل هذا وطننا الغالي.ومن باب «لا خير فيكم إن لم تقولوها..!ولا خير فينا إن لم نسمعها..!» نجدد النصح للسيد رئيس الحكومة بما ورد عن التابعي العادل الورع،خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه وأرضاه -والذي لطالما استرشد بأقواله في عدة مواقف حزبية جماهيرية،وهو الأدرى منا بها أنثروا القمح على رؤوسِ الجبال ..أنثروا القمحَ على رؤوسِ الجبال لكي لا يقال : جاعَ طيرٌ في بلاد المسلمين ...حدثت هذه القصة في بلاد المسلمين الحقيقية التي حكمت بشرع خالقنا جل في عليائه، حدثت في عهد الخليفة الإسلامي عمر بن عبدالعزيز، حكم بضعاً وثلاثين شهراً كانت أفضل من ثلاثين دهراً، نشر فيهم العدل والإيمان والتقوى والطمأنينة، وعاش الناس في عز لم يروه من قبل ولكن فوجئ أمير المؤمنين ،بشكاوى من كل الأمصار المفتوحة (مصر والشام وأفريقيا...)، وكانت الشكوى من عدم وجود مكان لتخزين الخير والزكاة، ويسألون : ماذا نفعل ؟ فيقول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: أرسلوا منادياً ينادي في ديار الإسلام : أيها الناس: من كان عاملاً للدولة وليس له بيتٌ يسكنه فليبن له بيت على حساب بيت مال المسلمين. يا أيها الناس : من كان عاملاً للدولة وليس له مركَبٌ يركبه، فلْيُشْتَرَ له مركب على حساب بيت مال المسلمين. يا أيها الناس:من كان عليه دينٌ لا يستطيع قضاءه، فقضاؤه على حساب بيت مال المسلمين. يا أيها الناس : من كان في سن الزواج ولم يتزوج، فزواجه على حساب بيت مال المسلمين. فتزوج الشباب الأعزب وانقضى الدين عن المدينين وبني بيت لمن لا بيت له وصرف مركب لمن لا مركب له،ولكن المفاجئة الأكبر في القصة هي أن الشكوى ما زالت مستمرة بعدم وجود أماكن لتخزين الأموال، والخيرات!، فيرسل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إلى ولاته:"عُودوا ببعض خيرنا على فقراء اليهود والنصارى حتى يسْتَكْفُوا"، فأُعْطُوا، والشكوى ما زالت قائمة، فقال : وماذا أفعل، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، خذوا بعض الحبوب وانثروها على رؤوس الجبال فتأكل منه الطير وتشبع..حتى لا يقول قائل:جاعت الطيور في بلاد المسلمين..فهذا كله ثمرة تطبيق نظام الزكاة في بلاد الله، خير للمسلمين ولغير المسلمين وللحيوان وللطير.و قد صعد جده عمر، الفاروق -رضي الله عنه- منبر الخلافة يوما فقال «أيها الناس من رأى منكم فيّ اعوجاجاً فليقوّمني» فرد عليه أحد المصلين، «والله يا عمر لو رأينا فيك اعوجاجاً لقوّمناه بحد سيوفنا» فقام أحد الصحابة يريد أن يؤدّب الرجل، فقال عمر مخاطباً الصحابي؛ اجلس،الحمد لله الذي جعل في رعيّة عمر من يقوّم اعوجاجه بحد سيف».والتفت إلى الرجل وقال له: يا أخي اعلم أنه لا خير فيكم إن لم تقولوها،ولا خير فينا إن لم نسمعها