عرف المغرب تحديات متعددة سنة 2015 تمكن من مواجهتها تكتيكيا وليس استراتيجيا ، ومن المرشح أن يعرف المغربتحديات جديدة كبرى خلال السنة الجديدة 2016 التي ستكون صعبة للمغرب وعلى أكثر من صعيد في ظل سياق وطني وإقليمي ودولي صعب وغير واضح المعالم .سنحاول في هذا المقالان نركز على أبرزها. التحدي الأول ملف الصحراء : عرف ملف الصحراء نهاية سنة 2015 انزلاقات خطيرة همت محددات النزاع، فبعد قرار المحكمة الأوروبية الذي ألغى اتفاقية التجارة بين المغرب والاتحاد الأوروبي بسبب ما سماه القرار بانتهاك القانون الدولي، والقرار الأوروبي الداعي لتوسيع صلاحيات “المينورسو” بالصحراء ، وبعد دعوة قرار مجلس الأمنإيجاد حل نهائي لهذا الصراع قبل متم سنة 2016 ، سيضطر المغرب خوض معارك قوية وشاقة وعلى كل الواجهات الإفريقيةوالاروبية والدولية. مع الاتحاد الأوروبي سيخوض معارك قانونية شرسة غير مسبوقة،مع الجزائر والاتحاد الإفريقيمعارك سياسية ودبلوماسية مؤلمة ، ومع مجلس الأمنمعارك قانونية لكونه تقاريره تضع المغرب كدولة ذات سيادة وعضوا بالأممالمتحدة على قدم المساواة مع كيان وهمي يتواجد على الأراضيوبالتالي فاقد للصفة القانونية للتحدث باسم الصحراويين. انطلاقا من هذه المعطيات يتبين بأن ملف الصحراء سيمر بمرحلة صعبة خصوصا وان الأمين العام للأمم المتحدة يريد فرض حل نهائي للصراع بالصحراء قبل مغادرته لمنصبه سنة 2016 بعد مطالبة الأممالمتحدة أطراف النزاع التوصل إلى حل سياسي، وإذا لم يحدث، أي تقدم قبل ابريل 2015 فسيكون الوقت قد حان لإشراك أعضاء مجلس الأمن الدولي في عملية استعراض شاملة للإطار الذي قدمه لعملية التفاوض في أبريل 2007. نهاية سنة 2015 وبداية 2016 أكدتا تناقض وجهات نظر الأطراف: بالنسبة للمغرب- وكما جاء في الخطاب الملكي - الصحراء قضية وجود وليست مسألة حدود. والمغرب سيظل في صحرائه والصحراء في مغربها، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، و مبادرة الحكم الذاتي هي أقصى ما يمكن أن يقدمه المغرب، في إطار التفاوض، من أجل إيجاد حل نهائي، لهذا النزاع الإقليمي. أما بالنسبة للجزائر وصنيعتها البوليساريو فيتشبثان بتقرير المصير .أما بالنسبة لمجلس الأمن فقراره رقم 2152 بخصوص نزاع الصحراء واضح وهو انه لم يعد قادرا على تحمل استمرار النزاع على هذا الوضع وانه قرر تغيير إطار التفاوض بعد 30 ابريل 2015 إذا لم تتفق الأطراف على حل نهائي قبل هذا التاريخ. اذا هل ستكون سنة 2016 سنة الحسم لملف الصحراء؟ وعلى اساس وكيف؟ وماذا اعد المغرب من سيناريوهات محتملة لكل الاحتمالات؟ التحدي الثاني المقاربة الأمنية : رغم تصنيف المكتب البريطاني للاستشارات المغرب بكونهأكثر الدول العربية والإسلامية والإفريقية أمنا واستقرارا، فهناك تقارير أخرى تؤكد بأن المغرب سيواجه تحديات أمنية ويمكن أن يعرف تهديدات إرهابيةفي سياق إقليميعام بات فيه خطر الإرهابيهدد كل دول العالم وخصوصا دول المغرب العربي التي أصبحتأراضيها ملاذ للتنظيمات الإرهابية ذات الصلة بتنظيم القاعدة، وداعش، والإرهاب الدولي في ظل غياب أي تنسيقأو تعاون امني بين المغرب والجزائر بسبب النزاع حول الصحراء تحولت معه مخيمات تندوف مرتعا للمنظمات الإرهابية، كما تشير إلى ذلك الكثير من المنظمات والتقارير الدولية مما سيجعل المغرب ليسبمنائ عن مخاطر العملالإرهابي. وبالمناسبة نشير الى ان صحيفة نيويورك تايمز الامريكية قد اكدت في عددها الاخير لسنة 2016 ان دولة داعش تتسع في كل من منطقتي المغرب العربي والساحل والصحراء مما سيفرض على المغرب نهج المقاربات الاستباقية لاي عمل ارهابي.
التحدي الثالث كيفية تفعيل الدستور: من بين التحديات الكبرى التي سيعرفها المغرب سنة 2016 تحدي كيفية تفعيل مقتضيات الفصل 86 من دستور 2011 الذي ينص: »تعرض مشاريع القوانين التنظيمية المنصوص عليها في هذا الدستور وجوبا قصد المصادقة عليها من قبل البرلمان، في اجل لا يتعدى مدة الولاية التشريعية الأولى التي تلي صدور الأمر بتنفيذ هذا الدستور»وعليه فسنة 2016 ستكون سنة استكمال تفعيل مقتضيات الدستور بإصدار كل القوانين التنظيمية, المكملة له مما سيجعل من 2016 سنة تأسيسية بامتياز.والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: هوهل بإمكان حكومة بنكيران إخراج باقي المشاريع القوانين التنظيمية في ما تبقى من عمرها وبأي صيغة؟ التحدي الرابع ضرورة تأهيل المشهد السياسي: من التحديات التي تعرفها هذه السنة -التي ستكون سنة انتخابات- هو كيفية استرجاع الثقة للناخب بعد ما عرفته انتخابات سنة 2015 من سلوكات شاذة وتحالفات مشينة أثناء تنظيم الانتخابات الجماعية والجهوية وما تركته من صدمات عند الناخب فقد على إثرها الثقة في الأحزاب السياسية وفي الممارسة الانتخابية والفعل السياسي والمشهد السياسي الفاقد لكل عقلنة ومنطق.وعلى هذا الأساس فالانتخابات البرلمانية لسنة 2016 يمكن أن تكون كارثية بالنسبة لمسألةالمشاركة الشعبيةإذا بقيت الأحزاب تعيش على الريع والفساد الانتخابين وتشجع العبث السياسي وتستهين بذكاء المواطن وتميع الفعل السياسي وتنتج خطاب الإشاعة والرداءة والانحطاط والبؤس. التحدي الخامس كيفية إرساء أسس الجهوية المتقدمة: يعد مشروع الجهوية المتقدمة من الأوراش الاستراتيجية للمغرب. لكن هناك أكثر من مؤشر على أن هذا المشروع سيواجه تحديات بشرية وسياسية واقتصادية وتدبيرية وتنظيمية سنة 2016 .صحيح أن-الباب التاسع من الدستور( من الفصل 135 إلى الفصل 146)- قد حسم في العديد من المبادئ والمرتكزات والأسس والمرجعيات و القوانين المؤطرة للجهوية المتقدمة، لكن التحديالأكبر يرتبط بنوعية النخب التي أعدتهاالأحزابورجال السلطة الذين عينتهم الدولة لإنزال الجهوية المتقدمة على ارض الواقع حيث أن جزءا من النخب السياسية ورجال السلطة الجهوية التي ستفعل الجهوية المتقدمة ما زالت غير متشبعة بأسس ومبادئ حكامة وعقلية وثقافة ومقاربةدستور 2011 للجهوية المتقدمة.والأكيد ان التحدي الأول في إنزال الجهوية المتقدمة يبقى العنصر البشري، ومدى إرادة الدولة في توفير الجوانب المالية واللوجستيكية والقوانين التنظيمية للمجالس الجهوية لتقوم بأدوارها التنموية في سياق وطني دقيق. التحدي السادس الوضع الحقوقي: رغم ثناء التقرير الاممي الأخيرلسنة 2015 على الوضع الحقوقي بالمغرب وإشادتهبالإصلاحات التي قام بها عبر إنشاء المجلس الوطني لحقوق الإنسان وفروعه خاصة بكل من العيون والداخلة، ومصادقته على البروتوكول الاختياري المتعلق بمناهضة التعذيب أو التعديلات على قانون القضاء العسكري،و تحسين آليات مراقبة الوضع الحقوقي خاصة في الأقاليم الجنوبية، فان مجال حقوق الإنسان بالمغرب سيكون اهم التحديات في سنة 2016 خصوصا بعد فشل المغرب في تسويق نموذجه الإصلاحي في مجال حقوق الانسان مقابل تحركات جزائرية اقليمية ودولية للتشويش على المغرب خصوصا بعد ان اصبحت حقوق الإنسان ورقة حاضرة بقوة في قضية النزاع في الصحراء.لذلك ستحاول الجزائر وجبهة البوليساريو سنة 2016 -عبر بعض المنظمات الدولية المدافعة عن حقوق الانسان – اللعب بورقة حقوق الانسان بعد ان تراجع هامش المناورات السياسية عندهما. التحدي السابع الاستقرار الاجتماعي في ظل الزيادات : عرفت بداية سنة 2016 زيادات في عدد من المواد من بينهازيادات في أسعار: الكهرباء والماء- التطهير الصحي- تذاكر القطارات -الضريبة على الممتلكات العقارية - مساهمات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي “التأمين الصحة الإجباري- الزبدة -الذرة –الشعير-الدقيق-السكر- والغاز البوتان للاستعمال المنزلي، والأكيد ا ن هاته الزيادات في عدد من المواد الأساسية سيجعل من سنة 2016 سنة صعبة بين الحكومة والنقابات التي تتصارع في بينها على حساب المواطن في سنة انتخابية بامتياز. والسؤال الذي يطرح الى متى سيتحمل الشعب الزيادات المؤلمة من طرف حكومة بنكيران؟ والى متى سيبقى المغرب ينعم بالاستقرار الاجتماعي في نظام اقليمي ودولي متوتر؟ التحدي الثامن إمكانية تأثر المغرب من فراغ السلطة بالجزائر : يؤكد عدد من الخبراء الجزائريين بأن الجزائر تجتاز سنة 2016 واحدة من أعمق واخطر الأزمات والتي تفتح الباب أمامها على المجهول، في ظل انهيار متواصل لأسعار المحروقات واحتدام الصراع حول مقعد الرئاسة لخلافة بوتفليقة، وعودة شبح الإرهاب الداخلي من جديد.. وهو ما أكده تقرير المركز الأمريكي للدراسات الاستراتيجية والدوليةالذي تنبأ بان انتقال السلطة بالجزائر يمكن أن يكون عنيفا في سياق يشهد انقسامات بين مختلف مراكز السلطة حول كيفية التطرق للظرفية الحالية. فكيف سيصمد المغرب في نظام اقليمي تحكمه انظمة فاشلة او شبه فاشلة؟ وهل يمكن للنظام الجزائري تصدير ازمته الداخلية للدول المحيطة به اذا ما انهارت الدولة الجزائرية ومؤسساتها؟ التحدي التاسع خطورة وضعية التعليم والصحة والشغل والقضاء بالمغرب: رغم شعارات حكومة بنكيران تأهيل هذه القطاعات الحيوية فكل التقارير الدولية تؤكد بان وضعية التعليم والصحة والشغل والقضاء بالمغرب توجد في وضعيات كارثية تتطلب شجاعة وجرأة سياسية من الدولة المغربية للخروج من هذا الوضع القابل للانفجار في أي لحظة لان إرادةالإصلاح ومبادئ الحكامة ودمقرطة التدبير ما زالت قضايا مؤجلة في هذه المجالات الحساسة والحيوية. إذا كيف ستواجه حكومة بنكيران تحديات الوضعية الكارثية للتعليم والصحة والشغل والعدل في ما تبقى من عمر حكومته في سنة انتخابية قد تخلق بعض المشاكل لأحزاب التحالف الحكومي الحالي؟ كل هذه التحديات ستجعل من سنة 2016 سنة صعبة للحكومة وللدولة اللتان تقران الحفاظ على الاستثناءالمغربي عبر الاستمرار في مسيرة الإصلاح في ظل الاستقرار..لكن كما قال هيرمان التيس السفير الامريكي لا يكفي ان تتوفر لديك عناصر نجاع اللعبة ولكن عليك ايضا ان تعرف كيف تلعبها .باختصار 2016 ستكون سنة كل التحديات للمغرب نتمنى ان تكون الدولة والحكومة والأحزاب والاعلام والنقابات والنخب ومكونات المجتمع المدني في مستوى هذه التحديات للقيام بالقطيعة من خطاب وثقافة المفاجآت والمؤامرات.