قبل أيام، تعرضت الضاحية الجنوبية لبيروت لاعتداء إرهابي جبان سقط على إثره خمسون شهيدا وعشرات الجرحى. لم نسمع تنديدا من أوباما ولا أولاند وميركل وكامرون، ولا حتى من أي زعيم عربي. حتى الفيسبوكيون الذين يعلقون عادة على كل صغيرة وكبيرة، لم يتفاعلوا مع الحادث وكأنه وقع في كوكب آخر، أو كأن هؤلاء الأبرياء لا يستحقون الحياة. لم نسمع النشيد الوطني اللبناني يعزف في مسارح العالم وساحاته وملاعب الكرة. لم نر علم لبنان يرفرف فوق برج إيفل بباريس. لم نر الفرنسيين يشعلون الشموع في الكنائس وأمام سفارة لبنان حدادا على أرواح الشهداء. لم نر البابا إلى جانب شيخ الأزهر متحدين ينددان بالجريمة. ماتت الإنسانية، تماما عندما تم حرق أطفال غزة وقانا وتل الزعتر وصبرا وشاتيلا. قرر العالم أن يصمت وأن يكون طرفا في تدمير الدول تحت ذريعة إسقاط الأنظمة وأن يتآمر على الأمة. بعد يوم واحد من تفجيرات الضاحية، هزت باريس سلسلة هجمات أودت بحياة أكثر من مائة شخص. تغيرت الأمور فجأة من النقيض إلى النقيض. أرسل ملوك ورؤساء الدول العربية والإسلامية برقيات تعزية إلى الأب أولاند. خرج أوباما وكامرون وميركل منددين مستنكرين، يتوعدون داعش برد مزلزل دفاعا عن القيم والحداثة والديموقراطية. تم عزف النشيد الفرنسي في ملاعب إيطاليا. زينت ساحات أمريكا بألوان العلم الفرنسي. عمت المهرجانات التضامنية مع فرنسا وضحاياها. ضم بعض الفيسبوكيين العرب وأحفاد ليوطي صوتهم إلى هذه الجوقة العالمية وذرفوا الدموع وحزنوا ووضعوا علم فرنسا فوق صورهم وزينوا بها صفحاتهم. فهل الدم العربي ماء؟ نقول لكل من وضع علم فرنسا مع صورته في الفيسبوك ألهذا الحد أصبحتم عبيدا عند سيدكم ، تفتحون مظلاتكم كلما هطلت الأمطار في باريس؟ ألهذا الحد تنصلتم من عروبتكم ونسيتم قضايا أمتكم وأحزانها وآلامها؟ ألهذا الحد بات الدم الفرنسي عندكم غاليا والعربي رخيصا؟ لم نركم تتضامنون مع شهداء الضاحية قبل يومين وتضعون علم لبنان. لم نركم تضعون علم سورية التي تنزف منذ أربع سنوات تضامنا مع أهلها. لم نركم تضعون علم فلسطين تضامنا مع غزة وقت حصارها، ونصرة للقدس والمقدسيين في انتفاضتهم المباركة. لم نركم تضعون علم اليمن دعما لأهله في وجه عدوان سعودي غاشم. لم نركم تضعون علم العراق دفاعا عن وحدته في وجه طائفية مدمرة. لم نركم ولم نركم ولم نسمعكم في تونس وفي ليبيا تنددون بجرائم داعش في حق العرب. لم تظهر إنسانيتكم إلا عندما وصل الإرهاب إلى عقر دار سيدكم. فكثرت تنديداتكم وتعليقاتكم ودموعكم. فهل فقدتم البوصلة وتنكرتم لعروبتكم ولأمتكم؟ وهل أصبحنا قطيعا من الغنم يساق ليلهث خلف سيده الفرنسي؟ ندين الإرهاب بكل أشكاله ونرفض سقوط الأبرياء كيفما كان دينهم ومذهبهم ولونهم. إلا أننا لا ننسى أن نتعاطف أولا مع الشهداء العرب في كل مكان الذين تقتلهم داعش وآلة الدمار الصهيوني ويقضون حتفهم في خريف عربي مدمر. فتبا ثم تبا لعهركم
أنا الوطن العربي الجريح من أقصاه إلى أقصاه. أنا الضاحية أنا فلسطين أنا سورية أنا لبنان أنا العراق أنا اليمن أنا تونس أنا ليبيا أنا مصر أنا الجزائر. لست فرنسا. أنا مع الأبرياء الذين سقطوا ويسقطون في عمليات إرهابية جبانة عبر العالم، ولن أكون يوما مع فرنسا كدولة استعمارية دعمت الإرهاب ومولته لتدمير حبيبتي وعشيقتي سورية. فبضاعتهم ردت إليهم، ومن المؤسف حقا أن يؤدي الأبرياء ثمن السياسة الخرقاء لرئيسهم