بناء على نتائج استحقاقات 4 شتنبر 2015 لانتخاب أعضاء مجالس الجهات والمجالس الجماعية، انخرطت معظم المنابر الاعلامية المغربية في الترويج "بقصد أو بغير قصد" لاكتساح حزب العدالة والتنمية لأغلب مجالس المدن الكبرى، بينما هيمن حزب الأصالة والمعاصرة على جماعات ذات الطابع البدوي وعلى مدن أقاليم الجنوب والشرق.إن الاكتفاء بإحصاء الارقام بناء على عدد المقاعد وعدد الاصوات المحصل عليها، يقود حتما المتتبع إلى الانجراف وراء مغالطة كبرى وبروباغاندا ترويجية للوضع السياسي القائم، وضع يقزم الصراع ويختزله في صراع وهمي بين حزبين رئيسين، ويتعلق والأمر بحزب العدالة والتنمية وحزب الاصالة و المعاصرة، وكأنه صراع بين تمثيلية حقيقية للمواطن ضد قوى نافذة في الدولة.فالى أي حد يمكن تصديق هذا الاكتساح وعلى أية معطيات تنبني هذه الخلاصة؟ لتناول الموضوع لابد من وضع الخلاصة في سياقها الطبيعي: 1- من حيث نسبة المشاركة في العملية الانتخابية ، 2- ومن حيث طبيعة الاقتراع المعتمد في العملية الانتخابية. يقصد بالاكتساح تعريفا، الهيمنة المطلقة على مجال معين، وكما ورد في قاموس المعاني: اِكْتَسَحَتِ الفَيَضَانَاتُ الحُقُولَ وَالبُيُوتَ : خَرَّبَتْ ، أتْلَفَتْ، وفي الحروب والغزوات بالقول أغَارُوا عَلَيْهِمْ فَاكْتَسَحُوهُمْ وسَلَبُوا مَا عِنْدَهُمْ ، وأتْلَفُوا مَا يَمْلِكُونَ. انتخابيا بالقول : اكتسح أصواتَ النَّاخبين / اكتسح أصواتَ الانتخابات : فاز بها وحصل عليها . إلا أن الدرس والتحليل يقتضيان التدقيق العلمي لكشف المعلم والقاعدة الانتخابية التي يجب أن تنبني عليها هذه الخلاصة، وتعتبر نسبة المشاركة مفصلا وجب اعتمادها لتحديد حجم كل فائز في سياقه الطبيعي وعدم السقوط في الاستنتاج الميكانيكي للعملية الانتخابية. 1- نسبة المشاركة في العملية الانتخابية شهدت كل المدن التي تصدر فيها حزب العدالة والتنمية نتائج الانتخابات نسب مشاركة ضعيفة ومتفاوتة دون الخوض في عدد الأوراق الملغاة، بينما تراجعت مقاعد الحزب بالجماعات القروية ومدن أقاليم الجنوب حيث نسب المشاركة مرتفعة. وطنيا وحسب تصريح وزارة الداخلية المشرفة على العملية الانتخابية تجاوزت نسبة المشاركة 50 بالمائة ،حصل فيها حسب العدالة والتنمية على 1,5 مليون صوت من أصل 14,5 مليون مسجل أي بنسبة 10,34 بالمائة من عدد المسجلين ويستنتج من فحص هذه المعطيات أنه كلما ارتفعت نسبة المشاركة كلما تراجع تقدم حزب العدالة والتنمية، وأخذ حجمه الطبيعي كسائر الأحزاب المتنافسة في اللعبة الانتخابية،وكما أن العدد المحصل عليه وطنيا يفند وهم الاكتساح الذي روج له قادة وأتباع الحزب وانخرطت في الترويج له جل المنابر الاعلامية محليا ووطنيا، ومما لا شك فيه، فإن توفر حزب العدالة والتنمية على قاعدة متواضعة من المنخرطين الأوفياء قد لا تتجاوز المائة ألف، قاعدة يمكنها تعبئة ما يزيد عن مليون ناخب كأقصى تقدير يتحول إلى رقم نافذ يرفع من عدد المقاعد كلما انخفضت نسبة المشاركة ويقلصه كلما انخفضت هذه النسبة، إلا أن هذا المعطى يبقى أشد الارتباط بنمط الاقتراع المعتمد في العملية الانتخابية،
2- نمط الاقتراع المعتمد: اعتمد نمطان للاقتراع في دورة واحدة ، نمط لائحي باعتماد نسبة 6 بالمائة للمشاركة في توزيع المقاعد بناء القاسم الانتخابي ومعدل أكبر بقية . فإن كان هذا النمط يقلل من هيمنة المال لشراء أصوات الناخبين، إلا أن التجارب اثبتت عن قصور هذا النمط في إفراز تمثيلية حقيقية لإرادة الناخبين، ونمط إقتراع فردي أحادي في دورة واحدة وإن كان هذا النمط يسمح بالتعرف المباشر على المرشحين إلا أنه يسمح بسهول هيمنة منطق القرابة والقبيلة وسهولة شراء ذمم الناخبين، بل يسمح بتعدد المرشحين وتفتيت الاصوات بين المرشحين المتشابهة انتماءاتهم وأصنافهم.
إن الترويج لوهم الاكتساح يزيد العملية الانتخابية تعتيما وضبابية، ويحول المشهد السياسي الى مشهد هلامي بقيادة أحزاب عنترية دينكيشوطية تحارب طواح الرياح يمينا وشمالا ،بينما الجسم الانتخابي يعيش على هول التفتت والتشرذم، وقد يشهد عزوفا كبيرا في الاستحقاقات التشريعية تذكيه التحالفات الهجينة ما بعد اعلان النتائج، ولعل ما شهدته التحالفات الأخيرة في انتخاب رؤساء ومكاتب الجهات والجماعات ونتائج انتخاب مجالس الأقاليم والعمالات وتمرد القاعدة الناخبة على قرارات أحزابها، يدعم تفنيد وهم هذا الاكتساح.