بداية كثيرا ما تكسرت نضالات فئات اجتماعية مغربية على صخرة التخوين و التحقير و الأحقاد الاجتماعية من طرف فئات شعبية أخرى ،وهذا ما أفشل كل المسارات النضالية التي عرفها المغرب منذ استقلاله إذ غابت الحاضنة الشعبية والوعي المشترك بين الفئات المهنية و الاجتماعية المختلفة و انتصرت إرادة صندوق النقد الدولي والشركات الدولية التي تبتز المغرب و تفرض عليه قرارات ليبرالية تطعن في سيادته. وعلى الناظر إلى قضية الأطباء المغاربة الذين دخلوا في إضرابات و أشكال احتجاجية غير مسبوقة في تاريخ المغرب أن يطلع على تفاصيل قضيتهم قبل التسرع في الأحكام المسبقة و اتهامهم بالتدلل على الدولة و رفض خدمة الصالح العام فقضيتهم في حقيقتها لا تهم الأطباء وحدهم ،بل تهم كل فئات الشعب المغربي. فالمسار الذي اتخذه المسؤولون المغاربة في إصلاح قطاع الصحة يمشي في اتجاه واحد هو بيعه للخواص و رفع الدولة يدها عن الاضطلاع بمسؤوليتها المفترضة في توظيف الأطباء و تأمين مستقبلهم و تجهيز المستشفيات بالمعدات والأجهزة الطبية و توفير شروط الاستشفاء للمرضى المغاربة. و لعل النقطة التي أفاضت الكأس بين الدولة و طلبة الطب في المغرب هي فرض خدمة إجبارية لمدة سنتين دون توظيف و دون تأمين لمستقبل الطبيب بعد إنهاء مدة الخدمة في اتجاه واضح نحو إنهاء مسألة التوظيف في القطاع العام و ترك هذه الشريحة الحساسة عرضة للبطالة و المستقبل المجهول.وفضلا عن ذلك فالأطباء الخريجون أكدوا أن مشكلتهم ليست مع العمل في القرى و البوادي كما تسرب للرأي العام في استغلال لحقد بعض الفئات الشعبية على شريحة الأطباء وهي سياسة تفريقية واستعدائية نجح فيها أصحاب القرار في المغرب جعلت صاحب البذلةالبيضاء وحش يكرهه الجميع. فالقضية إذن في حقيقتها ليست أن الطبيب المغربي صار يرفض مداواة المرضى و الجرحى في القرى و البوادي بل القضية هي أن الدولة المغربية تنوي التخلي عن توظيفهم بصفة نهائية و ترح الغول الرأسمالي يلتهم القطاع الصحي و يدمر مكتسبات المواطنين المغاربة كلهم و ليس الأطباء وحدهم الذين هم أبناء الوطن في نهاية المطاف.. إن على الفئات الشعبية المغربية أن تترك أحقادها الاجتماعية جانبا وأن تنتبه لسياق و أبعاد قضية الأطباء و نضالهم ، فالملف في مجمله لا يهم الأطباء وحدهم ، بل هي خطة تهم الأطباء اليوم وسيأتي الدور على الفئات الأخرى إن لم ننتبه لما يحيكه غول الخوصصةلمستقبل المغرب ، فتضامننا مع الأطباء هو من أجل المبدأ أولا و من أجل قطع الطريق على سياسات بيع الوطن بالتقسيط.